أولمبياد باريس 2024
كتبه: أحمد بكار أحمد الشيخ
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
[سَأُرِيكُمْ دار الفاسقين] (سورة الأعراف: 145)
أبت فرنسا إلا أن تكون مصدر الإساءة إلى الأديان، وخاصة منها الإسلام وذويه، ذلك أن المسلمين بحكم إيمانهم بالله ورسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، والذي يحتم الإيمان بكل الأنبياء والرسل، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، بمقتضى تعاليم القرآن: [آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ] (سورة البقرة: 285).
كانت فرنسا على نقيضهم تسعى دائما في إرضاء كل الملل الكافرة على حساب الإسلام والمسلمين؛
فرنسا هي أكبر الدول الغربية تطرفا في رفض التسامح الديني، لا سيما ماله منه صلة بالإسلام، وأشد دول أوروبا محاربة للقيم الإنسانية، فالانحراف الُخلقي المتمثل في الخلاعة والمجون والشذوذ الجنسية هي شعارها الذي يتباهى به العالم الغربي، فهي مطيتهم للنيل من المقدسات الدينية وجرح شعور المؤمنين بها بلا مبالاة، ومن ينس، بالأمس القريب فقط دعمها العنيد لصحيفة "شارل هبدو" الفرنسية في محاولة منها يائسة للإساءة على النبي الرسول محمد، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى جميع الأنبياء والرسل؟، وهل تستحي بعد ذلك أن تحاول النيل من نبي الله عيسى عليه السلام؟
فالأمر، على ما يبدو، يخص الإسلام والمسلمين، لأن قومه اتهموه بما حكاه لنا القرآن الكريم: [وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما] (سورة النساء:156)، ومن اتهم مريم بالبغي، فقد شملت التهمة المسيح عليه السلام: وقد قالوا لها: [..مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا] (سورة مريم: 28)؛ فقد زعم قومه أنهم قتلوه وصلبوه فأبطل القرآن زعمهم: [..وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ، وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ...ۚ] (سورة النساء: 157)، هذا في حق من تبرؤوا منه.
أما من والوه فقد غالوا فيه وألهوه: [لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم]، (سورة المائدة: 17)، فزجرهم الله بقوله: [مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ..] (سورة المائدة: 75) فتساوى الطرفان معا:
أهل الولاء والبراءة من قومه في عدم إحقاق الحق لسيدنا عيسى عليه السلام، فهو لنا نحن المسلمين في وجوب الولاء له والدفاع عنه، لأننا: [لا نفرق بين أحد من رسله] سورة البقرة: 285).
ومن هنا نندد وبشدة مع (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) تلك التجاوزات التي نشهدها في افتتاحية الأولمبياد التي نظمتها دولة فرنسا والتي لا توجد لها مبررات، لولا أنها نظمت في أرض فرنسا التي تبارك كل ما تمس كرامة الإسلام وأبناءه، وتعتز بأنها أول دولة أوروبية أدخلت في ألعاب الأولمبياد تلك البدعة الرياضية التي لا مسوغ لها إلا مجابهة العقائد السماوية لتنطلق منها الدول الأخرى وتحظو حظوها؛ ومن منا لا يتذكر الثورة الفرنسية، وما تمخضت عنها من نتائج؟ تمخضت عنها أخبث وليدة في تاريخ وضع ذوات الأحمال حملهن: العلمانية، وما أدراك ما هي؟ إنها اللادينية: عالم بلا رب يعبد فيه ويوحد؛ وستبقى فرنسا وحلفاؤها جاهدة في سبيل تحقيق هذا الحلم!
ولهذا عندما سئل أحد علماء الإسلام عن تفسير قوله تعالى: [سأريكم دار الفاسقين] أشار إلى فرنسا بأنها هي هي!
ومن أسبوعين فقط من تاريخ هذه السطور طردت فرنسا من أراضيها أحد دعاة السنغال، لأن خطبه، وكان خطيبا في أحد المساجد هناك، لا تعجبها، لأنها لا تتناسق والحملات التعسفية التي تقودها فرنسا ضد الأديان السماوية وبالخصوص الإسلام، ورأينا قبل ذلك تعصبها من الحجاب الإسلامي ضد البنات المسلمات في المؤسسات التعليمية والأماكن العامة، ثم تأتي اليوم، وتسبنا وتصفعنا ثم تصفق لها دولنا الإسلامية وتعانقها، فتلك كبوة في سياسات الدول الإسلامية الخارجية، وعلى المعنيين بأمر الدعوة خلق جو من التفاهم والتناسق، لإشراك أولياء الأمور في أمر الدعوة، وإذا كان على الرعية مطاوعة أولي الأمر في الإسلام، وهم بالترتيب في نظر الإسلام العلماء ثم الملوك والرؤساء، فعلى هؤلاء مراعاة مصالح البلاد والعباد.
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على حبيبه ونبيه محمد، وعلى ءاله وصحبه ومن والاه!
ــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.