الرابط المختصر :
تفكيك منظومات الاستبداد (٣٣): الشهادة.. الشهادة
كتبه: أ.د. جاسر عودة
عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
[وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ] (البقرة: ١٥٧).
تقبل الله القائد المجاهد أبا العبد إسماعيل هنية شهيدًا عنده في عليين. هنيئًا له الشهادة التي تمناها ولطالما سألها، ونسأل الله تعالى أن يُلحق به كل صادق في طلب الشهادة، بفضلك وكرمك يا كريم. وهذه كليمات متواضعات -في رحاب استشهاد هذا المجاهد العظيم- عن التصورات الإسلامية الصحيحة المتعلقة بالشهادة في سبيل الله، إذ أنه من المعلوم أن الحكم على الشيء -والعمل الذي ينبني على الحكم- فرع عن تصور الشيء.
وقد اختلّت كثير من التصورات هذه الأيام بفضل وباء الخطوط الحمراء الممنهجة: خطوط حمراء تفرضها الدول الجائرة على ما يقوله رعاياها ولو كانوا من أهل العلم، وخطوط حمراء تفرضها منصات التواصل على مستخدميها لكي تتيح استخدام تطبيقاتها مجانًا، وخطوط أخرى تفرضها قنوات الإعلام حسب سياساتها التحريرية أي حسب الدول وجماعات المصالح التي تمولها، وأخرى يفرضها الممولون بشتى ألوانهم على المشروعات التعليمية والتربوية الإسلامية في مقابل دعمهم لها، نظرًا لحرصهم على حماية تجاراتهم ومصالحهم.
ونتيجة هذه الغابة من الخطوط الحمراء التي تحيط بالإنسان اليوم هي اختلال التصورات، وما ينبني عليها من التصرفات، وعلى رأسها التصورات التي تتعلق بالجهاد والشهادة في سبيل الله، وبما أن أمتنا في هذا العام الأخير تخوض حربًا ضروسًا من أصعب ما مر عليها من حروب، وتتطلع إلى نصر الله بـ (وعد الآخرة) إن شاء الله، فقد وجب التنبيه على ما في كتاب الله من مفاهيم خارج صندوق الخطوط الحمراء، والله المستعان: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون - آل عمران ١٨٧).
أولًا، من مقاصد تمجيد الشهادة في القرآن الكريم -وهو أمر معروف مشهور- وبيان منازل الشهداء وفضلهم في سنة نبيه العظيم ﷺ -وهو أمر معروف مشهور كذلك-، أن ترتقي أمة الإسلام ويعلو شأنها، فإنه لا يعلو شأن أمة -أي أمة- ولا يتغير حالها من ضعف إلى قوة ومن ذل إلى عزة إلا بالقتال. الأمم -مسلمة وكافرة- تقاتل لتدافع عن نفسها، وتطرد المعتدين عن أرضها، وتنتصر لعقائدها وقيمها وعرضها وثرواتها ونظمها ودولها، وهذا القتال يسمى عند أهل الإسلام بالجهاد في سبيل الله، وهو فريضة لازمة على أمة الإسلام كذلك لتدافع عن نفسها، وتطرد المعتدين عن أرضها، وتنتصر لقيمها وعقائدها وعرضها وثرواتها ونظمها ودولها. وهذا الكلام بدهي مفروغ عنه، ومعلوم من الإسلام بالضرورة، ولكن وجب التذكير به نظرًا لأنه أصبح غريبًا عند