ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب صيام ستة أيام من شوال للحديث الذى رواه مسلم بسنده عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر ".
وهذا مذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم . وقال مالك وأبو حنيفة يكره ذلك ، قال مالك : ما رأيت أحدا من أهل العلم يصومها ، فيكره لئلا يظن وجوبها .
ودليل الشافعي ومن وافقه هذا الحديث الصحيح الصريح ، وإذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس ، أو أكثرهم ، أو كلهم لها ، كما قال الإمام النووى فى شرحه لصحيح مسلم .
أما القول بأنه قد يظن وجوبها فإن هذا الكلام يرد وينتقض بصوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب ، قال الشوكانى فى نيل الأوطار: "ويلزم مثل ذلك في سائر أنواع الصوم المرغب فيها ، ولا قائل به " .
وما دام المكلف يصومها وهو يعلم أنها نافلة ، فينتفى القول بظن الوجوب .
ويجوز للمسلم أن يصوم الأيام الستة متوالية عقب يوم الفطر ، كما يجوز تفريقها ، وكذلك يجوز تأخيرها إلى أواخر شوال ، وتتحقق بذلك فضيلة المتابعة ، لأن هذا كله يصدق فيه أنه أتبعه ستا من شوال .
وأما أن هذا كصيام الدهر فإن السنة يفسر بعضها بعضا ، وقد فسرت السنة هذا فى موطن آخر بصيام الدهر ، بأن الحسنة بعشر أمثالها ، كما أخرج أحمد وابن ماجه والنسائي من حديث ثوبان عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من صام رمضان وستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة ، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ".
فرمضان بعشرة أشهر والستة بشهرين . قال ابن حجر فى فتح البارى : المراد حصول الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يوما ، ومن المعلوم أن المسلم المكلف لا يجوز له صيام جميع السنة .
وقد اختلف العلماء فى جواز الجمع بين نية قضاء أيام من رمضان لمن عليه قضاء ، ونية صيام الأيام الستة المستحبة من شوال ، خاصة بعض النساء اللاتي عليهن قضاء أيام من رمضان بسبب الحيض أو غيره .
فمنهم من أجاز الجمع بينهما فى نية واحدة، لأن الأعمال بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى.
ومنهم من منع الجمع بينهما فى نية واحدة ، وأوجب تقديم القضاء الواجب ، لأن الواجب مقدم على السنة ، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم قال :" دين الله أحق أن يقضى " .
ومنهم من منع الجمع بينهما في نية واحدة ، وقال بتقديم السنة على القضاء ، لأن وقتها محدود بشهر شوال فقط ، أما القضاء فإن وقته موسع طوال العام إلى شعبان من العام التالي .
والذى أطمئن إليه هو تقديم القضاء على النافلة ، فإذا لم يجد المسلم من نفسه طاقة لصيامهما كل على حدته ، فإن فضل الله واسع ، وعطاءه بلا حدود حتى إن بعض علماء الشافعيّة قالوا: إن ثواب صيام السِّتّة أيام يحصل بصومها قضاء، حتى لو لم ينوها ، وإن كان الثواب أقل ممّا لو نواها.
وبعض الناس يطلقون على هذه الأيام الستة من شوال الأيام البيض ، وهذا خطأ ولم ترد به سنة ، ولكن الصحيح أن صيام الأيام البيض المقصود به صيام ثلاثة أيام من كل شهر هجرى وقد بوب البخارى فى صحيحه بابا بعنوان " صيام أيام البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة " وذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: " صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام " .وهى مفسرة فى حديث آخر رواه الطبرى، بسنده عن جرير بن عبد الله البجلى، عن النبى، عليه الصلاة والسلام، أنه قال: "صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، أيام البيض: صبيحة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة " .
و المراد بالبيض الليالي ، وهي التي يكون فيها القمر من أول الليل إلى آخره ، وكانوا يقولون : أيام البيض بالإضافة ، لأن البيض من صفة الليالي ، أي: أيام الليالي البيضاء.