البحث

التفاصيل

نحو اتحاد إسلامي عالمي

الرابط المختصر :

نحو اتحاد إسلامي عالمي

كتب: أحمد بكار أحمد الشيخ

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

قد يشير هذا العنوان إلى بعض الشيء من الاستغراب، ذلك أن الدعوة إلى الاتحاد في ظل دين شعاره: وحدة في العقيدة والصف والهدف، قد تبدو بمثابة تحصيل حاصل، ولكنه لما لم يتحقق بعد هذا الاتحاد في حياتنا الإسلامية، كمسلمين، كانت الدعوة إليه تجديدا وتذكيرا لهذا الشعار الذي تضمنته آيات كثيرة في مواقع متعددة من القرآن الكريم ؛ ولو لم ترد منها إلا قوله تعالى: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا..] (سورة آل عمران: 103) لكان كافيا، ولكن هناك آيات أخرى كثيرة مثل قوله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ]، (سورة الصف:4)

ومع تعدد مثل هذه الآيات، ومع صدورها من الخالق المدبر لمصالح عباده، إلا أنه يبدو أننا، بوصفنا مسلمين، لم نفهم بعد معنى هذه الآيات، ولم ندرك بعد مغزاها في كياننا الإسلامي وحياتنا اليومية.

وقد آن الأوان لمعرفتها وإدراكها بعد ما تمزقت الأمة الإسلامية شر ممزق، وأهدرت دماؤنا وحرمنا من حقوقنا، وضربت علينا الذلة والمسكنة و الهوان، وأصبحنا من الضعف غثاء "كغثاء السيل تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها"؛ وكل الأمم والملل والنحل اليوم مهما تباينت اختلافاتهم، وتنوعت مناهجهم، إلا أنهم اتحدوا جميعا في شيء واحد : محاربة الإسلام والمسلمين حيثما وجدوا على البسيطة حربا لا هوادة فيها، ولم تتحد للأسف حكومات الدول الإسلامية اليوم إلا في شيء واحد: موالاة الغرب ومطاوعتهم في تطبيق سياساتهم التعسفية ضد الإسلام والإنسانية، ولن تجني منها إلا الهلاك والدمار؛ فالذي يجري ويحدث في العالم الإسلامي بأكمله٫ وفي الأراضي المحتلة خصوصا، إنما يحدث،  فيما يبدو لا عن سكوت فقط من حكومات العالم الإسلامي، وإنما عن رضى الكثير منهم وتأييدهم لهذه الأحداث المؤلمة.

فواقع شعوب العالم الإسلامي اليوم مؤلم لحد الإبكاء حزنا وأسفا على الظلم والاضطهاد والفتك والقتل وتشريد شعوبها، حتى ثارت ثائرة بعض شعوب الدول الغربية أصحاب الضمائر الحية، فصرخوا صرخة نصرة للمضطهدين المسلمين في فلسطين، فبات معظم شعوب دول العالم الإسلامي بلا حراك، خوفا من بطش حكوماتهم أو جهلا أو تجاهلا بانتماءاتهم الإسلامية.

 وهل يرضى منا العدو إلا الاستسلام التام؟ كلا! [وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ..] (سورة البقرة: 120).

فإذا كان الإنسان، أي إنسان يحب أن يحيى شريفا أو يموت شريفا، فما بال المسلم الذي تهمس له الآية في أذنه وتقول: [قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ -(النصر أو الشهادة)- وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ] (سورة التوبة: 52)،

وتبشر آية أخرى قائلة: [وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا] (سورة النساء: 104)،

فهم لا يرجون من الله شيئا في مجابهتهم إياكم، ولا يؤمنون من الحياة إلا هذه الدنيا الفانية، وهم يظنون بأنها لا حياة بعدها، فكيف، والحالة هذه، يقدمون على الموت بجرأة ونحن نغشى منه ونهرب؟ عكس ما كان القرآن يصف المؤمنين، والكافرين المنافقين!

وعن المؤمنين الصادقين يقول القرآن الكريم: [إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ] (سورة الأنفال: 11)،

وعن المنافقين و الكافرين يصفهم في ساعة النزالة بالجبن والخوف بشكل ساخر: [وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ۖ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ۙ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ] (سورة محمد: 20) وفي مكان آخر: [..فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ..] (سورة الأحزاب:19).

فالآية الأولى رائعة في وصف المؤمنين بالشجاعة والاستهانة بالموت وهم في ساحات الوغى كأنما غلبهم النعاس وهم على ظهور خيولهم، وكانوا بهذه الخصلة البطولية نشروا الإسلام في جزيرة العرب، وغلبوا على الفرس والروم في مدة وجيزة، وهم قلة في العدد و العدة، وكثرة في وحدة العقيدة والصف والهدف، وتلك سنة الله في خلقه في نصرتهم: [..فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا]

ويقول الحق -سبحانه وتعالى- لنبيه الكريم: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ] (سورة الأنفال:65)

فللغلبة والانتصار شروط منها الصبر، والصبر أساسه العقيدة، ومن علاماته الصمود، ونتيجته إصابة الهدف والانتصار.

ولما أصاب الأمة الفتور ودب فيها الهوان، وضعفت العزيمة لم يعد العشرون يغلبون على مائتين، بل مائة منكم في مواجهة مائتين، وألف في مواجهة ألفين بشرط أن يكون هناك بعض الشيء من الصبر وإلا فلا غلبة إطلاقا؛ ولعل هذه هي حال الأمة الإسلامية اليوم!.

ويظهر هذا الضعف والعجز في هذه الآونة مرة أخرى في السنغال، حيث أصبح حديث الساعة بيانا يتحدى فيه أحد القساوسة (القس أندري لاتير انجاي) أحد كبار مسؤولي الدولة (رئيس الوزراء) بأنهم (الكاثوليكية) ستمضي في منع البنات المسلمات من حمل الحجاب الإسلامي في ساحات المؤسسات التعليمية التابعة لها على طول البلاد وعرضها، وذلك بعد إعلان رئيس الوزراء بأن السنغال لم يعد يقبل ولا يستحمل منع أي بنت تحمل الحجاب في أي مؤسسة تعليمية داخل البلاد، فثارت ثائرة الكنيسة، وقامت دنياها ولم تقعد، وأصدرت بيانات تندد فيها تصريح رئيس الوزراء عثمان سونكو، وتزعم أنها ستقف في وجه الإسلام الذي يمنع الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة والخاصة ولا يتصافحان، واعتبرت ذلك تفرقة عنصرية تحد من التعايش السلمي بين الجنسين وتعكر صفو العلاقات بينهما، وذهب إلى أبعد من ذلك في تعريض لنبي الإسلام وشعائر دينه!، ومع اغترار هذا القس بسلطته الاستعمارية في هذا البيان، في مجتمع لا يمثلون فيه خمسة في المائة، ومع وجود الضعف والعجز الذي تحدثنا عنهما سابقا، إلا أن لسائل أن يسأل: ما للمسلم وإدخال أبنائه المدرسة الكاثوليكية؟، وماذا ينتظر في فعله هذا مستقبلا من تأثيرات إيجابية على سلوكهم الديني؟، وليس هذا يحدث في السنغال فحسب، وإنما في كثير من الدول الإسلامية العربية وغير العربية.

ذلكم أيها السادة الدعاة تشخيص لمرض الأمة، وذلكم واقع معظم الدول الإسلامية، حتى نعرف إلى أين وصلنا من الدعوة وما بقي لنا من أشواط؛ وهل تتقدم أمة لا تهتم بتربية أبنائها، وإنما توكلهم إلى من يربيهم لها بالنيابة؟ والحل الوحيد في السعي نحو الاتحاد الإسلامي العالمي، والتجنس بالجنسية الإسلامية نابذين وراءنا القوميات العربية والإفريقية والآسيوية لنبني

دولة إسلامية في قلوبنا حدودها الدول الإسلامية، وتجمعنا بها وحدة الفكر والصف والهدف، ونعيد لأنفسنا كرامتنا وللإسلام مجده الذي به فاق أسلافنا الشعوب وسادوا البلاد.

وليس بمستحيل، وقد حققه أسلافنا بالأمس القريب وسادوا الدنيا، واليوم يحاول أعداؤنا تحقيقه بتفريقنا على فلسفة "فرق تسد".

والله ولي التوفيق والسداد، وصل الله وسلم على رسول الله، وعلى ءاله وصحبه ومن والاه!

 

ـــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
السودان.. من «سلة غذاء العالم الإسلامي» إلى المجاعة والانهيار!
السابق
الواجب علينا تجاه إخواننا في فلسطين

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع