البحث

التفاصيل

الأحكام المتعلقة بمن غشَّ للحصول على وظيفة

الرابط المختصر :

الأحكام المتعلقة بمن غشَّ للحصول على وظيفة

الكاتب: د. منذر القضاة

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد. 

مقدمة

فهذا موضوع على درجةٍ كبيرة من الأهمية أشغل بال الكثير وخاصة في هذه الأيام، وقد ترددت في الكتابة عنه؛ لأنَّ الخوض فيه يحتاج إلى علم شرعي، ودقة وحذر، وبيان لحجم هذه المشكلة التي عمَّت فيها البلوى.

كما تعدَّت الحاجة إلى هذا وجود هذا المقال معرفة حكم الراتب الذي يحصل عليه من غش في سبيل الحصول على وظيفة هل هو حلال أم حرام؟

سنقوم في البداية بوضع صور متعددة نعتقد أنها هي التي تدخل في صميم واقع الحال نجملها على النحو الآتي:

الصورة الأولى: العمل في وظيفة بشهادةٍ جامعية قد حصل في امتحاناتها وهو طالب بعض الغش.

الصورة الثانية: العمل بوظيفة حصل في متطلبات الحصول عليها (شروطها) غش في مسابقة التوظيف، ومحاباة، وواسطة.

الصورة الثالثة: الحصول على درجة وظيفية أعلى، أو مركز وظيفي بشهادةٍ تدريبية تمَّ الغش في امتحاناتها، أو من خلال تزكية غير صحيحة، أو بشهادة خبرة غير صحيحة.

والصور الثلاثة السابقة تتضمن الحصول على أجر (راتب) أو مكافأة مالية.

لماذا نحن بحاجة إلى هذه الفتوى؟

الحال أنَّ هذا الموظف أصبح يطعم اسرته من هذا الراتب، وبعضهم مضى عليه سنوات طويلة في هذه الوظيفة، ولا يستطيع أن يعترف بغشه لمؤسسته أو شركته؛ لأنه قد يترتب عليه طرده من هذه الوظيفة، وتضرره، وهو نادم أشد الندم على ما فعل، وعلى ما مضى، فما العمل؟

قواعد عامة

من خلال المقدمة السابقة والأسباب التي ذكرناها، والصور التي وضعناها لابدَّ من بيان القواعد العامة الآتية قبل بيان الحكم الشرعي المتعلق بهذه المسألة:

1. الإسلام حرَّم الغش بكل أنواعه، وبكل صوره الموجودة في المجتمع المسلم، في كل بيع وشراء وفي جميع المعاملات، ويبرأ من الغاش في كل معاملة، مادية كانت أو معنوية، ويظهر هذا جلياً في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: [...ومَن غَشَّنا فليسَ مِنَّا]. (صحيح مسلم: رقم الحديث 101).

2. الوظائف الحكومية تعتبر حقا مشتركا يستوي فيه أصحاب الأهلية بناء على شهاداتهم وقدراتهم، فلا فضل لأحد فيها على أحد إلا باعتبار الكفاءة، وعلى القائمين عليها أن يختاروا الأكفأ والأصلح، دون محاباة أو رشوة، أو تمييز.

3. الواجب على من فعل هذا التوبة إلى الله تعالى مما وقع منه، وعدم العودة إلى مثله أبداً.

4. أن لا يكون بعمله هذا قد فوَّت فرصة على شخص آخر هو أحق بهذه الوظيفة

فإن كان هذا الأمر حديث عهد، ولم يطل الزمان فيجب أن يترك هذه الوظيفة فوراً، ولا يشترط أن يفضح نفسه بهذا الأمر.

5. إن طال الأمر ومضت السنوات الطوال، وأصبح هناك مشقَّة واضحة في معرفة صاحب الحق الأصيل، ولاعتبارات أخرى كثيرة لا يمكن حصرها وأنه تاب من الغش وكانت له الكفاءة على أداء العمل المطلوب منه، أنَّ له البقاء في هذا المنصب، أو هذه الوظيفة التي حصل عليها بتلك الطريقة.

6. إذا تمَّ مجازاته سابقا عن غِشه في الامتحانات، وهو طالب، بأي عقوبة كانت من قبل الكلية أو الجامعة، وتاب ولم يعد إلى الغش فنعتقد أنه قد سلم –والله أعلم–.

7. إن لم يكن من حصل على هذه الوظيفة بطريقة غير مشروعة مؤهلا لهذه الوظيفة، ولا يحسن إنجاز المهام المطلوبة فيها، فلا يخفى على أحد أنَّ بقاء هذا الموظف فيها من الضرر العام، وتضييع الأمانة؛ وهو مستحل مالا وأجرا على عمل لا يستحقه، ولا يؤدي أمانته، وعليه الخروج من هذه الوظيفة فوراً، وراتبه فيها حرام.

8. من غش للحصول على وظيفة في ممارسة الطب ومداواة الناس، أو غش في الحصول على درجات ليصبح طبيباً يعالج الناس، سواء بشكل جزئي، أو بشكل عام، وهو لا يستحق فهذا لا يحل له تلك الوظيفة لما فيه من الضرر على الناس، وعلى حياتهم، والقياس على باقي الوظائف التي تتعلق بحياة الناس مثل: (الهندسة، الصيدلة، التمريض، العلوم الطبية المساندة، وغيرها من الوظائف الأخرى).

الفتوى

الَّذي نراه -والله أعلم- ومع مراعاة ما سبق، وبالنظر إلى ما تم استثناؤه من حالات؛ فإنه إذا أصبح هذا الشخص يجيد عمله، ووظيفته، ويقوم به على الوجه المطلوب، فلا نرى عليه حرجاً في البقاء فيه، ولا بدَّ له من اتقان العمل أو الوظيفة التي حصل عليها بالغش، وأنَّ راتبه حلالاً.

تنويه هام:

وإن رأى من فعل هذا العمل وأنه حصل على هذه الوظيفة بطريقة غير مشروعة أن يترك هذه الوظيفة تورعاً وخوفاً من الله تعالى؛ فقد أحسن، ونرى أنه لا حرج عليه من الاستفادة من الخبرة التي اكتسبتها من خلال هذا العمل إن احتاج إلى ذلك

ينبغي العلم:

أنَّ هذا الحكم على حالات سابقة، وهو اجتهاد شخصي من صاحب المقابل قابل للخطأ أو الصواب، ولا ينبغي التحايل، والغش، والتزوير، أو الحصول على الوظيفة بالواسطة، وتضييع حقوق الآخرين، ومن ثمَّ يمني الشخص النفس أنه سيُبدع في عمله، ويُحسن إجراء ما يطلب منه لاحقاً لينقلب الحرام حلالاً باعتقاده. -هذا والله أعلم–.

المراجع التي ساعدت في تنظيم هذا المقال:

1. فتوى الشيخ ابن باز -رحمه الله- في سؤال وجه إليه عن حكم الراتب المتحصل من شهادة جامعية كان فيها غش.. المصدر: نور على الدرب/ رابط المادة الصوتية: https://binbaz.org.sa/fatwas/17440.

2. موقع إسلام ويب الفتوى رقم الفتوى (94889) الغش في مسابقات التوظيف.

3. موقع الإسلام سؤال وجواب، رقم السؤال (26123) أجرة الموظف بشهادة سبق أن غش في امتحاناتها.

4. موقع اليوتيوب، وفتاوى كثيرة تتعلق بهذا الخصوص.

5. كتاب الدكتور منذر القضاة، أحكام العقد في الشريعة الإسلامية، 2020م.

ملاحظة: هَذا وَليَعْذُرُني كُل مَن وَقَفَ عَلى زَلاتِي في هَذَا التَجْمِيع المبَارَك بإذْنِ الله؛ فَالخَطَأُ مُوْجُود، وَهْوَ غيرَ مَقْصُود، وَمَن مِنَّا لا يُخْطِئ، وَرَحِمَ اللهُ مَنْ اعْتَرَفَ بِخَطَئهِ، وَالرُّجُوع عَنِ الخَطَأ فَضِيلَة كَبيرة، وَإنْ كُنت قَد أخْطَأت فَهو مِنَّي وَحَسْبي أنَّني بَذَلت جُهْدِي وَإنْ كُنْت قَد أصَبْت فَهذا تَوفِيقٌ مِن عِندِ الله سُبحَانهُ وَتَعَالى.

وَلَا أدَّعِي مِنْ كُلِّ عَيبٍ خُلُوَّة  ** فَإنَّ كَمَالِ العَبْد يَسْتَصحبُ النَّقْصَا

(من كتاب ديوان محمد العيد آل خليفة).

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.  


: الأوسمة


المرفقات

السابق
وزارة الصحة في غزة: عدد شهداء العدوان الإسرائيلي يتخطى 40 ألفاً منذ أكتوبر 2023

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع