الديمقراطية أكذوبة العصر
الكاتب: أحمد بكار أحمد الشيخ انيانغ
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
يكاد
ينسلخ المسلمون من كلمة "الشورى" القرآنية، ويستبدلون بها كلمة
"الديمقراطية" مع الفارق الكبير بينهما؛ وربما لدواعي الجهل أو لفتنة
دعوى "التحضر" La civilisation " الذي انخدع به الكثير منا، وأصبحنا
نتهرب من قيمنا الاجتماعية وحضارتنا الإسلامية، ونتبرأ من أن نُوصف بــ: (الإسلام،
أو التطرف أو الجهاد أو الإرهاب)، أو نتعمد في إعطاء هذه الكلمات مدلولات خاطئة
إرضاء لخصمنا اللدود، الذي لا يهدف بهذه المعاني الجديدة إلا فصلنا عن ديننا
وتدمير كياننا الديني والثقافي.
وأمست
دول العالم الإسلامي، بناء على هذا الفهم الخاطئ المتعمد لهذه الكلمات، تراقب
أبناءها وتلاحقهم وتحكم عليهم بالكفر والزندقة والإجرام، وتحكم عليهم بالإعدام أو
سجهم في السجون، حيث يكملون بقية حياتهم فيها معذبين، إن لم تتداركهم نعمة من ربهم،
وكل ذلك يتم بفعل وتوجيه الدول الغربية ودعمها، الخصم اللدود للإسلام والمسلمين؛
وهذا الذي يحدث في الشرق الأوسط وبالتحديد
في فلسطين المحتلة لا يترك أحدا يفلسف في عداء الغرب للعرب والمسلمين، فلا تستثنى
منه دولة واحدة، وكلهم وقفوا في دعم كيان الاحتلال الصهيوني، بل شاركوا بالفعل في
الحرب بطريق أو بأخرى.
وكيف
لا وهم كتلة موحدة ضد الإسلام والمسلمين، مع أن دولنا الإسلامية تُظهر أو تتظاهر
بالطيبة في علاقاتها مع الغرب، والإخلاص في موالاتها لها في سياساتها القمعية،
وتكاد بذلك تنبذ الآية الكريمة وراء ظهرها: [لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم
الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءابآءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو
عشيرتهم] (سورة المجادلة: من الآية 22).
والمؤسف
المخزي أن الغرب استفادت، وما زالت تستفيد، كثيرا من تعاليم الإسلام وحضارته
العريقة، وتعرف في الوقت نفسه بأننا- المسلمين – استبدلنا حضارتها المادية الزائفة
وفلسفتها الجدلية العقيمة بتعاليم ديننا العريقة!.
أصبحت
الغرب هي التي تملي علينا تعاليم ديننا على وفق فلسفتها تدريجيا ، وتفهمنا بأن
"التطرف L' intégrisme " في
الدين معيب؛ فنتقبله نحن المسلمين ونصدقها
، مستدلين بقوله تعالى : " لا تغلوا في دينكم" ، مع أن التطرف عندهم ليس هو الغلو المقصود في الآية ؛ فالغلو في الآية هو
المبالغة ومجاوزة الحد في الدين ، بينما التطرف
عند الغرب هو محاولة التقيد بالدين والالتزام بتعاليمه، فالذي يحمل نفسه
على التعامل مع الدين بهذا الشكل هو المقصود بالمتطرف L' intégriste عندهم
؛ فإذن ما يريدونه من المسلم أن يمرغ بدينه إلى أن ينسلخ منه تمام الانسلاخ ، وأن
يأتي على صلواته ساهيا، ولا يتورع من الإتيان بالمكروهات ثم المنهيات فالمنكرات ،
ولا يتحاشى من فعل كل محرم ومحظور ، وبهذا يتحضر ويواكب أهل عصره، ويتماشى معهم
متأثرين بتيار الفكر العلماني الذي يدعي حرية الفرد في اختيار ما يراه دينا له
ويمارسه كيفما يشاء .
فإذا
وصلت الغرب بالمسلم إلى هذا المستوى من التطرف والتفكير العلماني الملحد جاؤوه
بمصطلح أخر أخطر من سابقته هو : "الجهادي Le djihadiste "
، فهو يمنع من المقاومة فكريا وعمليا ، ويعطل مشروعية الجهاد دفاعا
عن العقيدة وعن الوطن وعن النفس والعرض والمال في إطار الإسلام ، إي نعم في إطار
الإسلام ، أما خارج هذا الإطار فمشروع ، والأمر إذن واضح جلي أن الذي يزعج الغرب
وحلفاءها هو الإسلام لا غير . وخطورة هذه الكلمة "الجهادي"
المحرفة المعنى، والتي تعني عندهم الإجرام والحرب والقتل والفتك ، إنهم قصدوا بها
المجاهدين المدافعين عن حقوقهم الدينية والوطنية بأمر إلهي ، فال تعالى :
"فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا"، (سورة الفرقان، الآية 52) ،
فثبت في أذهان العامة حتى من المسلمين أن الجهادي "المجاهد"
هو المجرم المحارب والمقاتل , فحكموا عليه بالقبض والسجن والإعدام ، فتعوذ
المسلمون لهذا السبب ، من الجهادي
"المجاهد" في سبيل الله، فانقسموا فرقا يتبادلون فيما بينهم التهم ، ولا
ينجو من هذه التهم عالم من علماء الأمة مهما علا شأنه في العلم وارتقى في الزهد
والتقى إلا وتناولته هذه الأيادي من إخوته المسلمين بأصابع القدح والقذف والرمي
افتراء ، وهم بذلك يقدمون للخصم خدمة جليلة مجانا دون أن يشعروا بها ؛ وأين
إعلامنا الإسلامي الموحد في خوض المعركة الإعلامية في تفنيد الإعلام المضاد الموجه
إلى شعوب الأمة الإسلامية انقاذا لكيانها واستبقاء لعقيدتها الإسلامية؟
وإذا
أحيط المسلمون بالجهاد والجهادي وما ألصق بهما من صفات ذميمة فخافوا حتى من التلفظ
بهما فأمسى من يحدث الناس به ويحثهم عليه دفاعا عن دين الله ورغبة في هديه هو
الإرهابي الدولي يجب مطاردته وملاحقته.
والحق
أن كلمة الإرهاب وردت صريحة في القرآن الكريم حيث يأمرنا الله بها سبحانه وتعالى
بقوله: [وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم]،
(سورة الأنفال: من الآية60)، لعلمه سبحانه وتعالى بما في القوة العلمية والعسكرية
من شوكة ومنعة يحاسب لها العدو؛ فامتثل العدو في إعداد القوة علميا وعسكريا حتى
امتنعت ، فأصبح هو الإرهابي الدولي الحقيقي لكل من يريد أن يحذى حذوه من المنعة
والشوكة ، وإنما الذي يشار إليه بالإرهاب هو ذلك الضعيف المغلوب على أمره ، وكذلك النتيجة في مخالفة كل الأوامر الإلهية
، وكم خولفت!!!.
أما
الديمقراطية فكفاها شرا كونها حلت في حياة المسلمين محل " الشورى" ، و
انخدعت بها الدول الإسلامية وشعوبها ، وما
هي إلا أكذوبة العصر اختلقتها الدول الغربية ، لأنها سرقة وتحريف في آن واحد ،
سرقوا من المسلمين كلمة " الشورى " وحرفوا اسمها واستعاروا لها لفظ
الديموقراطية التي أمست بدلها فينا ، لأن ما يمارسونها هم في بلادهم ليست
ديمقراطية، وإنما هي "الشورى" في الحقيقة ، بينما نمارس نحن في بلادنا
الديمقراطية بإملاء منهم ؛ فالديمقراطية إذن عندنا ليست هي ممارسة الشعب الحكم
بنفسه ، وإنما حكم الأقلية على الأغلبية بواسطة القوة ، هذا هو الواقع المعاش في
تاريخ الديمقراطية في هذه البلاد النامية أو العربية أو الإسلامية ، ما إن وصل
فيها مترشح إلى السلطة باسم الديمقراطية حتى استبد بالحكم بتأييد من إحدى هذه
الدول الغربية مراعاة لمصالحها السياسية والاقتصادية ، والدول الإفريقية مضرب
المثل في هذا بلا شك، ثم الدول الإسلامية ؛ وحتى علاقات الدول الغربية بهذه البلاد
الإسلامية أو الإفريقية لا تنبني على الديمقراطية وإنما على مراعاة مصالحها مهما
كان الثمن ، وكم أطاحوا بنظام حكم فيها باسم الديموقراطية ، لأن مصالحهم فيها كانت
فقط مهددة ؛ ولعل الوضع يتغير في هذه
البلاد المغلوبة على أمرها بتغير شعوبها مستقبلا ، مع العلم ب : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم"، (سورة الرعد ، من الآية 11).
فالديموقراطية
التي ترعاها الدول الغربية في بلادنا وتؤيدها دساتير هذه البلاد ليست إلا الفوضى
العارة، حيث يوجد عدد المتنافسين فيها على السلطة يبلغ خمسين مترشحا وأكثر ،
بالإضافة إلى أحزاب سياسية تربو على ثلاثمائة حزب سياسي في بعض البلاد ، فهذا إلى
الفوضى أقرب منها إلى أي شيء آخر ، وهل يوجد مثل ذلك في الدول الأوروبية
والأمريكية ؟ .
هذه
هي الديمقراطية التي تتهافت وتتغنى بها شعوب العالم الإسلامي ، وتلك هي
"الشورى" التي أصلحت بها الدول الغربية أحوال شعوبهم الاقتصادية
والسياسية، وقد سبق القول بأنهم استفادوا ولا يزالون يستفيدون كثيرا من تعاليم
الإسلام وحضارته، وأهملنا نحن المسلمين الكثير والكثير من هذه التعاليم الإسلامية
الخالدة وحضارته المجيدة ، و" لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها .
هذا وبالله التوفيق .
وصلى
الله وسلم على نبيه رسوله محمد وعلى اله وصحبه ومن واله..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.