تفكيك منظومات الاستبداد (٣٧): هل يمنع المسلمون هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل؟
الكاتب: أ.د. جاسر عودة
عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء
المسلمين
دعوت في مقالة في هذه السلسلة منذ خمسة أشهر (رابط
المقالة أدناه) إلى تحرك شعبي في بلاد المسلمين لوقف مخطط هدم المسجد الأقصى، والذي
بدأه الصهاينة عمليًا أثناء هذه الحرب بالخطوة الأولى التي يعتقدون في خرافاتهم وجوبها
عليهم (وهي تحريف من القصة المعروفة في سورة البقرة كما قلنا هناك)، تلك الخطوة هي
ذبح بقرة حمراء وحرقها وتطهر المقتحمين للمسجد بماء يخلط برمادها قبل أن يدخلوا حرمه
(الذي يسمونه بجبل الهيكل)، وقد قاموا بالفعل بتوظيف الهندسة الجينية في مزرعة بولاية
تكساس الأمريكية، وأنتجوا خمس بقرات حمر -لا بقرة واحدة- ليس فيهن شعرة بيضاء ولا سوداء،
واستقبلوهن فعلًا في فلسطين في احتفال رسمي منذ عامين، وحددوا آنذاك عام ٢٠٢٤ لذبحهن
والبدء في بناء الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى.
والخطة جارية لم يوقفها شيء إلى يومنا هذا، بل إن
المدقق في الصور التي ينشرها الإعلام لغرفة اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي الحالي، يلاحظ
على الحائط خلف طاولة الاجتماعات لوحتان، إحداهما خريطة
للشرق أوسط فيها (إسرائيل
الكبري) تمتد بلون واحد من النيل شرقًا إلى الفرات
غربًا، ومن الأناضول شمالًا
إلى المدينة -على ساكنها الصلاة والسلام- جنوبًا، واللوحة الأخرى في غرفة اجتماع مجلس
الحرب الإسرائيلي فيها تصميم للهيكل الذين يخططون لبنائه على (جبل الهيكل) أي مكان
المسجد الأقصى الحالي.
وبالمناسبة، فإن هذا التصميم الذي اعتمده هؤلاء للهيكل
المزعوم كانوا قد أخذوه من الوصف الموجود في (لفافة الهيكل)، وهي إحدى مخطوطات البحر
الميت التي عُثر عليها في وادي قمران بالضفة الغربية، وهذا موضوع طويل الذيول كثير
الشجون، إذ أن المخطوطة المسماة بـ (لفافة الهيكل) -وهي من القرن الخامس قبل التأريخ
الميلادي- تصف بيت المقدس كما كان أصله حين جدد بناءه سليمان عليه السلام، وبالتالي
فهي تصف مسجدًا يُعبد الله فيه كما عبده الأنبياء جميعًا فيه، منذ داود وسليمان إلى
مريم ويحيى وعيسى، عليهم السلام جميعًا.
ومن المضحكات المبكيات في قصة هذه الوثيقة التي يرويها
محققها (وهو إيغال يادين، الذي كان من قيادات الجماعات الإرهابية قبل نكبة ١٩٤٨، ثم
من مستشاري الحرب عام ١٩٦٧، ثم أستاذًا للآثار في جامعاتهم ومديرًا لمتحفهم القومي،
حيث يحتفظون بتلك الوثيقة إلى اليوم ضمن وثائق البحر الميت)، كتب أنه اشتراها مسروقة
من المتحف الوطني الأردني -قبل احتلالهم للضفة الغربية عام ١٩٦٧- بعد رشوة عدد من المسؤولين
في الحكومة الأردنية آنذاك (راجع كتاب إيغال يادين: لفافة الهيكل - التوراة الخفية
لطائفة البحر الميت، طبعة راندم هاوس في نيويورك ١٩٨٥، ص ١٣ وما بعدها).
أما بيت المقدس، فكان على مر العصور مسجدًا وسيظل
مسجدًا بإذن الله. وقد روى ابن خزيمة وابن حبان والترمذي من حديث الإمام علي بن أبي
طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه، أن النبي ﷺ
قال: (إنَّ اللهَ أوحى
إلى يحيى بنِ زكريّا بخمسِ كلماتٍ أن يعملَ بهنَّ ويأمرَ بني إسرائيلَ أن يعملوا بهنَّ،
فكأنَّه أبطأ بهنَّ فأتاه عيسى فقال إنَّ اللهَ أمرك بخمسِ كلماتٍ أن تعملَ بهنَّ وتأمرَ
بني إسرائيلَ أن يعملوا بهنَّ فإمّا أن تُخبرَهم وإمّا أن أخبرَهم فقال يا أخي لا تفعلْ
فإنِّي أخافُ إن سبقتَني بهنَّ أن يُخسَفَ بي أو أعذَّبَ قال فجمع بني إسرائيلَ ببيتِ
المقدسِ حتّى امتلأ المسجدُ وقعَدوا على الشُّرفاتِ ثمَّ خطبهم
فقال إنَّ اللهَ أوحى إليَّ بخمسِ كلماتٍ أن أعملَ بهنَّ وآمرَ بني إسرائيلَ أن يعملوا
بهنَّ أولاهنَّ لا تُشرِكوا باللهِ شيئًا … )، والحديث طويل ولكن الشاهد فيه قوله ﷺ:
(حتّى امتلأ المسجد)، فالوثائق
والآثار -إن صحت نسبتها إلى تلك الحقبة القديمة على أي حال- إنما تصف بيت المقدس حين
كان مسجدًا يُعبد الله فيه، وهو الحال الذي عليه الآن: مسجد لعبادة الله تعالى وحده،
ولا تصف (هيكلًا) فيه طقوس وثنية لذبح وحرق الأنعام بناء على عقيدة محرّفة تشرّع القتل
والطغيان وكل أنواع الفساد في الأرض، كما يريدون.
وقد تساءلنا منذ خمسة أشهر ونكرر التساؤل بنصه:
هل تسمح أمة الإسلام بهذا الهدم لأولى القبلتين ومسرى
الرسول ﷺ وثالث المساجد التي يشد إليها الرحال بعد الحرمين
الشريفين؟ أم تقوم الأمة الشهيدة على الناس -كما قال تعالى عنها- بحماية مقدساتها والقيام
بمسؤولية حمل راية الإسلام وحماية مقدسات الإسلام بما فيها قبلة الإسلام الأولى التي
ورثتها منذ عصر الرسالة المحمدية على صاحبها الصلاة والسلام؟ الله المستعان.
——
رابط المقالة المذكورة: https://iumsonline.org/ar/ContentDetails.aspx?ID=34797
——
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي
كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.