تفكيك منظومات الاستبداد (٣٨): احتفلوا بمولد الرسول المجاهد الشهيد
الكاتب: جاسر عودة
عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
[فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ
بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا] (النساء ٤١).
ليس هناك حرج شرعي في أن يتخذ المسلمون في ثقافاتهم
العامة من يوم ميلاد النبي ﷺ يومًا خاصًا للتعريف به للعالمين -بأبي هو وأمي-، وقراءة
سيرته العطرة، ورد الشبهات عن مقامه الكريم، ودراسة أخلاقه وهو صاحب الخلق العظيم،
ودعوة المسلمين إلى التأسي بأسوته الحسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، ومحاججة
أهل الكتاب بما يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل عنه، يعرفونه كما يعرفون
أبناءهم فأخفوا كتاب الله أو حرفوه. ولا مانع من قرض الشعر ونشر المدائح الجميلة التي
لم ولن تبلغ ما مدحه به ربه سبحانه وتعالى، وصدق الشاعر الذي قال:
أرى كل مدح للنبي مقصرا
*** وإن سطرت كل البرية أسطرا
فما أحد يحصي فضائل أحمد
*** وإن بالغ المثني عليه وأكثرا
إذا الله أثنى بالذي هو
أهله *** كفاه بذا فضلاً من الله أكبرا
وفي سورة الأحزاب صلى
عليه *** فما مقدار ما تمدح الورى
(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين
آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما - الأحزاب ٥٦).
إلا أن هناك محظورًا شرعيًا ومآلًا فاسدًا ومكرًا
كُبّارًا في بعض أشكال الاحتفال بالمولد النبوي التي لا مناص من أن نحذّر منها أمتنا،
فهناك في هذه الأيام الصعبة من نراهم يتخذون من يوم ذكرى مولده الشريف -عليه أفضل الصلاة
والسلام- مناسبة لتخدير الأمة في وقت تُذبح فيه من الوريد إلى الوريد، يتخذون من يوم
مولده مناسبة للرقص والغناء واللهو والطعام والشراب، مع الفارغ من الكلام والمبتدع
من الطقوس.
أو يتخذون من يوم مولده مناسبة لحديث في غير محله
عن لين الرسول ﷺ، ونحن في سياق فتن لا يصح معها الحديث إلا عن شدته على الظالمين المعتدين
والمنافقين الماكرين، وحديث في غير محله عن عفو الرسول ﷺ، ونحن في سياق جرائم لا يصح
معها الحديث إلا عن عقابه للمجرمين وغضبه على من يشفع في حدود الله، وحديث في غير محله
عن سلام الرسول ﷺ، ونحن في سياق حرب ضروس لا يصح فيها الحديث إلا عن رد الاعتداء ودفع
الصائلين الباغين، وحديث في غير محله عن تعايش الرسول ﷺ وحوار الأديان، ونحن في سياق
لا يصح فيه الحديث إلا عن قتاله ﷺ الذين يقاتلون أمته يريدون أن يبيدوها من الوجود.
وإنه في ظروف الحرب الشاملة التي تشنها ملل الكفر
اليوم على ملة الإسلام، والتي يأتي على رأسها الحرب على أهل الدين والرباط والكرامة
والشرف والعزة في فلسطين، وفي ظروف اقتحام اليهود للمسجد الأقصى المبارك يومًا بعد
يوم، وحديث دولتهم الفاشية على إقامة معبد على ”أجزاء من المسجد الأقصى“ والخطة الحقيقية
أنه على ”أنقاض المسجد الأقصى“ المبارك، في ظل هذه الظروف لا يصح إلا أن نفهم رحمة
الرسول ﷺ في سياق جهاده للباطل وإقامته للحق، وأن نوعّي أمتنا بمقصد وجودها شهيدة على
الناس والرسول ﷺ عليها شهيدًا، وأن نذكرها بأن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد
الحرام كان إيذانًا باستلام أمة محمد ﷺ لراية التوحيد من بعد أن انحرف أهل الكتاب عنها،
وأمانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من بعد أن أصبحوا لا يتناهون عن منكر فعلوه،
ومسؤولية عمارة المسجد الأقصى الذي كان مسجدًا في عصور كل الأنبياء وسيظل مسجدًا إن
شاء الله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي
باركنا حوله - الإسراء ١)، أولى القبلتين وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال بعد
الحرمين الشريفين، الذي يريد أعداء الأمة هدمه اليوم بتواطئ تاريخي من قادة جيوشها
وقراصنة أموالها وسحرة إعلامها.
يا شباب أمة محمد ﷺ. احتفلوا هذا العام بالرسول المجاهد
الشهيد، المجاهد الذي أمره ربه تعالى فقال: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين
واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير - الممتحنة ٩)، واحتفلوا بالرسول الشهيد الذي
قال تعالى عن أمته: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول
عليكم شهيدا - البقرة ١٤٣).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي
كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.