خطبة
الجمعة بعنوان: "الرحمة المهداة"
الاتحاد العالمي
لعلماء المسلمين
لجنة الدعوة
الحملة العالمية للتعريف بمبادئ رسول الرحمة للعالمين، وتقديمها
لإنقاذ الإنسانية
خطبة الجمعة: الرحمة المهداة (1)
الوقفة الأولى:
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه،
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما
بعد.
أيها
المؤمنون.
إن من أعظم نعم الله تعالى الغزيرة ومنحه
الجليلة بعثة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم إلى البشرية جمعاء، فبه صلى
الله عليه وسلم أخرج الله الناس من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإيمان والتوحيد،
ومن نار الفرقة والشقاق إلى جنة الألفة والوفاق.
فبعثة النبي صلى الله عليه وسلم مظهر من مظاهر
رحمة الله تعالى لعباده: فقد أرسله الله رحمة للعالمين، قال
تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ،
قال ابن كثير رحمه الله: ((أي أرسله رحمة لهم كلهم، فمن
قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة ، ومن ردها وجحدها خسر في
الدنيا والآخرة)) .
وهي رحمة عامة للمؤمن والكافر، والبر والفاجر،
فرسالته السامية مشتملة على شرائع وأنظمة تضمن السعادة للبشرية جمعاء، وتنشر العدل
بين الناس دون تفريق، وتقضي على كل ألوان الذل والعبودية لغير الله تعالى.
والقرآن الكريم ذلك الكتاب المنزل على النبي محمد
صلى الله عليه وسلم رحمة: قال تعالى {وَلَئِنْ شِئْنَا
لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ
عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ
عَلَيْكَ كَبِيرًا}،
وقال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ} ، فالقرآن
كله رحمة: حروفه وحدوده، فمن آمن به وطبقه سعد في الدنيا والآخرة، ومن أعرض عنه
خسر في الدنيا والآخرة.
وهو نفسه صلى الله عليه وسلم رحمة من الله
مهداة
إلى خلقه: قال صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة))، ومن
العلماء من فسر كونه رحمة بما أحله صلى الله عليه وسلم لأمته من الطيبات وحرمه
عليهم من الخبائث، وبما وضع عنهم من الآصار والأغلال التي كانت على الأمم السابقة،
كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ
الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ
يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ
الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ
وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ
وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ} ،
.
ومنهم من قال: لأن بعثته أتت في وقت شمل مقت الله
جميع من على الأرض من الأمم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وذلك لبعدهم عما جاء به
الأنبياء عليهم الصلاة و السلام من شرائع الهدى، حتى استحقوا عذاب الله وعضبه،
ولكن تداركهم الله تعالى ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم فبعثته صلى الله عليه وسلم
فرد من أفراد رحمة الله السابقة لغضبه سبحانه على عباده.
هذا،
وصلى الله على نبيه ومحمد وعلى آله وصحبه .
الوقفة
الثانية:
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
عباد الله .
إن
من معاني كون النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة رحمته للمؤمنين،
قال تعالى { لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}،
قال الخازن رحمه الله: قوله سبحانه وتعالى: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ}:
"أي شديد عليه عنتكم يعني مكروهكم، وقيل: يشق عليه ضلالكم {حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ} حريص على إيمانكم وإيصال الخير إليكم وقال قتادة: حريص على هدايتكم {بِالْمُؤْمِنِينَ
رَؤُفٌ رَحِيمٌ} يعني أنه صلى الله عليه وسلم رؤوف بالمطيعين، رحيم بالمذنبين".
أيها
الناس.
إن من مظاهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم
رحمته بالمدعوين وحرصه على هدايتهم: فقد كان صلى الله عليه
وسلم رحيما بالناس، ليّن القول وحسن
المعاملة، قال تعالى:{ فَبِمَا رَحْمَةٍ
مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا
مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ
فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}،
وكان صلى الله عليه وسلم يتألم أشد الألم،
وينتابه الحزن والقلق عندما يصرّ أحد على الكفر والجحود قال تعالى: { فَلَعَلَّكَ
بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا } ،
وقال تعالى { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ
اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ
عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } ،
وكان من تعاليمه وصاياه صلى الله عليه وسلم للمجاهدين في سبيل الله: ((اغزوا باسم
الله، وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا
تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا)).
دعاء:
اللهم
صلّ وسلّم وبارك على النعمة المسداة، والرحمة المهداة، والسراج المنير، صاحب
الشفاعة الكبرى، والوسيلة العظمى، من نصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وانصر
اللهم المجاهدين في فلسطين، وكن لهم وليا ونصيرا، اللهم ارحمهم موتاهم، واشف
جرحاهم، وفرج عن أسراهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.