بسم الله الرحمن الرحيم
مراجعة لكتاب "السياسة
والإدارة في الإسلام" للمؤلف: الشيخ العلامة الدكتور عبد الباقي الحقاني
الأفغاني
* مراجعة: د.
د. عليّ محمد محمد الصَّلابي
الأمين العام
للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
قمت بمراجعة لكتاب الشيخ العلامة الدكتور الفاضل عبد الباقي
الحقاني الأفغاني، وكانت قراءة ماتعة ونافعة لكتابه: "السياسة والإدارة في
الإسلام"
هذا الكتاب له خصوصية فريدة لأن
كاتبه من العلماء العاملين، الذين تخلصوا من عقدة النقص والهزيمة أمام منظومة
الحكم الغربي، في السياسة والاقتصاد والقوانين والتشريعات، فهو ينتمي إلى الشعب
الأفغاني العزيز الذي هزم الإمبراطوريات الثلاثة، البريطانية، والاتحاد السوفييتي
سابقاً، وأمريكا وحلف الناتو لاحقاً.
وكانت تعاليم الإسلام وعقيدته
السمحاء حاضرة في هذه الملاحم العظيمة التي سطرها الأفغان في القرنين الماضيين.
ولأول مرة في التاريخ الحديث
تصل حركة مقاومة إسلامية بعد تحرير بلادها من الغزاة إلى سدّة الحكم وتعلن عن
برنامجها في تطبيق الشريعة الإسلامية على هدى القرآن الكريم والسنة النبوية
الغرّاء، ومنهج الخلفاء الراشدين، فيأتي هذا الكتاب ليبيّن رؤية سياسية إدارية في
نظم الحكم في الإسلام، تعب على إخراجه عالم جليل، ومحقق نبيل، صاحب الوقار، الحريص
على العلم والمعرفة الصحيحة، وإعزاز دين الله عز وجل في هذه البسيطة.
والشيخ عبد الباقي يقدم نموذجاً
حيّاً من الدراسة العميقة المستندة على أصول وقواعد وتجارب في تأصيل ضوابط الإدارة
وتشكيل الحكومة، وأنّها جزء لا يتجزّأ من الإسلام الذي هو دين كامل وشامل، يتكفّل
بجميع قضايا ومعاملات الناس أينما وجدوا وحيثما كانوا في كل زمان ومكان؛ لأنه
الدّين الذي اختاره الله لسعادة البشرية، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ
اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 19]. وقال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ
دِينًا﴾ [المائدة: 3].
وبدأ الدكتور كتابه بالباب
الأول، وقدّم له بتمهيد عن (الخلافة والسياسة الإسلامية) وتحدّث عن جوهر العقيدة
الإسلامية: (لا إله إلا الله)، وبيّن أن من خصائص الألوهية الحكم والتشريع، وأن
القرآن منذ العهد المكّي، ومن قبل أن تقوم دولة الإسلام أكّد على أن الحكم لله
وحده: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ [الأنعام: 57]. ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ
فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 10].
وأنَّ رأس العملية السياسية هو
الحكم والتشريع، وأنهما جزء من إيمان المؤمنين. فالعمل السياسي، نبع في الإسلام من
أصل عميق مكين؛ من الإيمان ذاته. والعمل السياسي عنصر أساسي في مفهوم العبادة في
الإسلام.
وكأنَّ الشيخ عبد الباقي يقول
لقرأته بأنّ منصب الرئيس أو الأمير من المناصب التي تكون ممارستها وفق شرع الله
التي تحقق مفهوم العبادة. وكذلك مجالس الشورى، والوزارة، ومؤسسات الدولة السيادية
والمساندة؛ لأنها جميعها وظيفتها المحافظة على ديانة الناس وعقولهم، وأموالهم،
ودمائهم، وأعراضهم، وأمنهم، وأرزاقهم.. إلخ. وهذا من صميم شرع الله (عزّ وجل).
وتكلّم الشيخ عبد الباقي حقاني
عن الحضارة الماديّة فبيّن أنّها تقوم على: فراغ عقائدي بعيدة عن القيم الإنسانيّة
عادة.
ووضّح أنّ الرسول محمّد ﷺ أوّل
ما أرساه؛ هو الكيان العقائدي والروحي والأخلاقي بأركانه قبل أن يضع أيّ نظام
سياسي، أو يقوم بأيّ إنجاز ماديّ في شؤون المال والاقتصاد والحكم، فكانت دولته
(فكريّة) تقوم على القيم والمثل والعقائد والأخلاق، والفضائل، فضلاً عن مبادئها
السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، وأنّ تلك الكيانات مترابطة ترابطاً عضوياً،
ولا يمكن للدولة أن تحقّق غايتها القصوى المرسومة إلّا بقيامها جميعاً وبذلك
امتازت الدولة في الإسلام عن سائر الدول في نظمها السياسيّة.
وفي الفصل الأوّل
من الباب الأوّل: تحدّث عن خلافة الإنسان على وجه الأرض، وعن مفهومها في
اللغة والاصطلاح، واعتبرت الخلافة: مصطلح سياسي، يدلّ على نظام الحكم الذي جاء به
الإسلام، وقامت عليه الدولة الإسلاميّة التي أسّسها رسول الله محمّد ثمّ خلفه على
الحكم الخلفاء الراشدون ونقل مجموعة من التعريفات على مصطلح (الخلافة) من علماء
السياسة الشرعيّة، وأشار للكلمات المترادفة للخليفة، أو ما يسمّى بألقاب رئيس
الدولة الإسلاميّة، كخليفة، أو أمير المؤمنين، أو إمام وجميعها تطلق ويُقصد بها
رئيس الدولة وتوسّع في التعريف بهذه الألقاب، وقارن بين الخلافة والملك وبين
الخليفة والـمَلِك.
وفي الفصل الثاني تحدّث عن (السياسة الشرعيّة)
وتعريفات العلماء لها. وذكر المصطلحات السياسيّة في القرآن، مفسّراً لها وموضّحاً
للقرّاء كالـمَلِك، والسلطان والحكم، والدولة والخليفة، والإمام وكذلك أشار إلى
المفاهيم السياسية في القرآن، كالعدل في الحكم، وطاعة الحاكم، والمساواة، وكرامة
الإنسان، وحرّيته، وحق المعارضة، والبيعة، والإنسان مأخوذ بجريرته والعقوبة بقدر
الجريمة، والتعاون على البرّ والتقوى، والوفاء بالعهد، والحرج مرفوع، وتكلّم عن
وظائف الأمّة في القرآن، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقتال لرفع الظلم والحكم
بالقسط والعدل، وعن وضع الأقلّيات غير المسلمة والعلاقات الدوليّة، وعن طريقة
القرآن في بيان الأحكام السياسيّة والتي تتميّز بالإجمال في بيان الأحكام وإرساء
القواعد الكليّة والأسس العامّة دون الدخول في التفاصيل والجزئيّات ليكون ذلك
عاملاً من عوامل السعة والمرونة التي تقتضيها الحاجات المستجدّة والنوازل الحادثة
ومن طريقة القرآن في بيان الأحكام السياسيّة اقتران هذه الأحكام بالحكمة
التشريعيّة والمصلحة التي تتحقّق بها، وهذا يؤكّد شموليّة الإسلام وتجاوز حدود
الزمان والمكان.
وتحدّث عن السياسة في كتب
الحديث وعند الفقهاء، وقدّم خلاصة التصوّر الإسلامي للسياسة بقوله: بأنّها رعاية
شؤون الأمّة على الأصعدة كافّة، فمن السياسة رعاية الجانب الإعلامي والجانب
الاقتصادي والصحّي، إضافة إلى ما يتعلّق بشؤون الحكم وسلطاته التشريعيّة
والتنفيذيّة والعلاقات الداخليّة والخارجيّة، وعرّج على السياسة في النظم
الوضعيّة، وعن أقسامها:
- باعتبار الذات: عادلة وظالمة.
- باعتبار الواضع: عقليّة
ودينيّة.
- باعتبار السائس: على أنواع،
وبيّن أنواعها.
- الوعّاظ وحكمهم على بواقي
العوام.
- باعتبار المرجعيّة وبيّن
أنواعها وما يجوز منها، وما يمنعه الشرع.
تحدّث عن التلازم بين الشريعة
والسياسة في ضوء القرآن الكريم، وذكر القواعد والمبادئ الأساسيّة التي يقوم عليها
التصوّر القرآني للسياسة الراشدة، والحكومة العادلة:
- كالحاكمية لله تعالى من خلال
الآيات.
- وواجب قيام الدولة وتعيين
الخليفة.
- وواجب طاعة الأمّة لحاكميها
ومقرونة بطاعة الله ورسوله.
- وأداء حقوق العباد وجعلها من
الأمانات.
- وتطبيق مبدأ الشورى بين الحاكم
والمحكوم.
- وأكّد مبدأ القوّة والجزم
والعزّة للأمّة الإسلاميّة.
- والتعامل مع الأسرى، وتعزيز
السلم العالمي، والوفاء بالمواثيق والعهود ووضع أمثلة للحاكم الصالح وكذلك للحاكم
الطاغية.
وبحث التلازم بين الشريعة
والسياسة في ضوء السنّة النبويّة وتعليقات العلماء على هذا المبحث ووقف مع نظريّة
فصل السياسة عن الدين، وبيّن حكم من يفصل السياسة عن الدين.
وعرّف علم السياسة وبيّن غايته
وهدفه، وموضوعه وفي الفصل الرابع تحدّث عن تشكيل الدولة الإسلاميّة وتولية الخليفة
وأنّه ضرورة، وبيّن دلالة القرآن الكريم على بناء الدولة وتولية الخليفة بعشرة
أوجه.
وذكر الأدلّة من السنّة
النبويّة التي تدلّ على وجوب نصب الخليفة بوضوح وشرح القاعدة الشرعيّة ما لا يتمّ
الواجب إلّا به فهو واجب، وأهميّة تشكيل الحكومة الإسلاميّة في ضوء القياس العقلي،
ومن سيقيم الحكومة الإسلاميّة.
وفي الباب الثاني: أفرده للحديث عن اختيار
الخليفة ورئيس الدولة، وتكلّم عن شروط الخليفة ومواصفات رئيس الدولة، كالإسلام
والعلم، والثقافة السياسيّة والحربيّة والإداريّة، والكفاية النفسيّة والجسميّة
والعدالة والأخلاق الفاضلة، والنسب والحكمة من اشتراط (القرشيّة) ورأى ابن خلدون -
رحمه الله – في ذلك، ورأي ولي الدهلوي، والحكمة في ازدياد الشروط في الإمامة.
وفي الفصل الثاني
من الباب الثاني، تحدّث عن أسلوب تولّي الخليفة ورئيس الدولة الإسلاميّة
ووضّح الأحوال التي تمّ فيها انتخاب الإمام والخليفة بعد وفاة رسول الله ﷺ، وبيّن
في هذا الفصل مفهوم البيعة والشورى، والاختبار من أهل الحلّ والعقد ومعنى البيعة
اصطلاحاً وحقيقتها وأغراضها وأقوال العلماء في ذلك، ومن هم أهل الحلّ والعقد، وكم
عدد من تنعقد بهم الخلافة ومدّة عقد الخلافة، وممّا يتكون عقد الإمامة، وتكلّم عن
بيعة أبي بكر (رضي الله عنه) وانتخابه، وعن ترشيحه وموافقة أهل الحلّ والعقد،
والبيعة العامّة. وبيعة عمر وانتخابه، كما تكلم عن بيعة عثمان وعليّ (رضي الله
عنهم جميعاً).
وفي الفصل الثالث: تكلّم عن
التغلّب والاستيلاء وحكم التغلّب، وعن الخلافة في العصر الحديث وفي الفصل الرابع:
كان الحديث عن واجبات الخليفة وحقوق الرعيّة.
فمن واجبات الخليفة: حراسة
الدين، وحفظه ومعرفته بحقائقه ومعانيه ونشره بين الناس، وذلك بدعم العلماء
والفقهاء والمؤسّسات العلميّة والجامعات والمدارس.. إلخ.
وتنفيذه: بتطبيق أحكام الدين في
سائر معاملات الناس وحمل الناس على الوقوف عند حدود الله، والطاعة لأوامره
وترغيبهم في ذلك ومعاقبة المخالفين بالعقوبات الشرعيّة، ومنها: إزالة المفاسد
والمنكرات من المجتمع، ومن مقاصد الحكم: سياسة الدنيا بالدين، بإقامة العدل بين الناس،
وإشاعة الأمن والاستقرار، وتهيئة ما يحتاجه الناس واستثمار خيرات البلاد، وذكر
الكثير من واجبات الإمام من خلال أقوال علماء السياسة الشرعيّة كالمواردي – رحمه
الله – وبدر الدين بن جماعة.
وتحدّث عن حقوق رئيس الدولة،
كحقّ الطاعة وحدودها وحكمتها وحقّ النصرة والتعاون معه والدعاء له بالتوفيق
والصلاح، وتحدّث عن حكم تعدّد الولاة والأئمة.
وفي الباب الثالث: كان الحديث
عن الدولة والحكومة.
ففي الفصل الأوّل: تكلّم عم
مفهوم الدولة، وتعريفها في المفهوم الإسلامي وتاريخ نشأة الدولة الإسلاميّة في
المدينة.
وفي الفصل الثاني: مقوّمات
الدولة الجديدة في عهد النبوّة:
- من ناحية التشريع.
- من ناحية الشكل: كرئيس الدولة
والفصل في المنازعات، وإقامة الحدود وقيادة الجيش لدفع العدوان.
ولخّص مقوّمات الدولة
الإسلاميّة بما ذكره عن الماوردي – رحمه الله – كدين متّبع، وسلطان قاهر، وعدل
شامل، وأمن عام، وخصب دار، وأمل فسيح.
وفي الفصل الثالث تحدّث عن
الحكومات السائدة في العالم الحاضر، وعن مدلول كلمة (حكومة) وعن أنواع الحكومات من
حيث الخضوع للقانون، كالحكومة الاستبداديّة والحكومة القانونيّة، التي تنقسم إلى
الحكومة المطلقة، والحكومة المقيّدة، وبيّن أنّ الحكومة في الإسلام تخضع للقانون
المتمثّل في الشريعة، ويدخل تحت هذا الخضوع جميع السلطات التشريعيّة والتنفيذيّة
والقضائيّة الذين تنحصر مهمّاتها في التنفيذ والاجتهاد المقيّد ضمن الإطار العام.
وتحدّث عن الحكومات من حيث
الرئيس الأعلى للدولة، وبيّن أقسامها، منها:
- الحكومة الملكيّة.
- الحكومة الجمهوريّة.
وتحدّث عن الحكومات من حيث مصدر
السيادة:
- كالحكومة الفرديّة.
- والحكومة الارستقراطيّة أو
حكومة الأقليّة.
- والحكومة الديمقراطيّة.
وبيّن وجوه الاتّفاق بين
الحكومة الإسلاميّة والحكومة الديمقراطيّة، وأظهر بعض جوانبها المتعدّدة، كتحقيق
المساواة السياسيّة بين جميع المواطنين وتوفير الحريّة السياسيّة، وبيّن الاختلاف
بين الحكومة الإسلاميّة والحكومة الديمقراطيّة، وبيّن أنّ الحكومة الديمقراطيّة
تجعل مصدر السيادة في الدولة للشعب بينما ترى الحكومة الإسلاميّة أنّ مصدر السيادة
في الدولة للشرع، من حيث إنّ الدولة والشعب والسلطة يخضعون لحكم الشريعة، وينفّذون
مبادئها العامّة، ولا يملك أيّ منهم أن يخالف تلك المبادئ المقرّرة، لأنّ السيادة
للشريعة وليست لأيّ من الدولة أو الشعب.
كما أنّ معظم الجمهوريّات اليوم
لا تشترط لرئيس وزرائها أو لرئيس دولتها أن توجد فيه أوصاف منضبطة من العلم
والعدالة بعكس الإسلام الذي يشدّد في شروط تولية رئيس الدولة، أو رئيس الوزراء
ليرجع ذلك بالخير على الناس في الدنيا والآخرة.
كما بيّن أنّ للرقابة شروطا
وآدابا في النظام الإسلامي ليست في الديمقراطيّة، كما أنّه أشار إلى شكل الحكومة
الإسلاميّة، وبيّن من خلال دراسته لأحكام السياسة الشرعيّة وما ورد في القرآن
والسنّة في هذا المجال، أنّ الإسلام لم يحدّد شكلاً خاصاً للحكومة ولا عيّن لها منهجاً
خاصّاً بجميع تفاصيله الجزئيّة، وإنّما شرّع لنا أصولاً ومبادئ وأحكاماً عامّةً
لابدّ من رعايتها والمحافظة عليها من كلّ زمان ومكان.
وأمّا التفاصيل الجزئيّة لنظم
الحكومة، فقد أتيح للأمّة الإسلاميّة أن تختار منها ما يُلائم ظروفها في كلّ عصر
ومصر، بشرط أن تكون تابعة في كلّ ذلك للأصول والمبادئ والأحكام التي شرّعها
الإسلام في نصوص القرآن والسنّة، وفي سنّة الخلفاء الراشدين المهديّين، فنظام الحكم
في الإسلام تابع لهذه المبادئ والأحكام دون أن يكون تابعاً لشكل مخصوص أو منهج
معيّن. والقرآن أشار إلى المبادئ العامّة والقواعد الدستوريّة بصفة كليّة وإجمالية
دون تفصيل لأشكال وأنماط الحكم، بل تركها لأنظار المجتهدين وأولي الأمر للتغيّرات
والأعراف التي تطرأ على حياة الدول والمجتمعات فيؤسس من تلك المبادئ أنظمة
وأنماطاً للحكم تتلاءم مع واقعهم.
إنّ الشيخ الدكتور عبد الباقي
الحقاني في كتابه الممتع (السياسة والإدارة في الإسلام) طاف وغاص وسبر وبحث في
الكتب القديمة والحديثة. وقد وصلت مراجعه ومصادره إلى أكثر من أربعمائة مرجع
استوعب وفهم من سبقه، ومن عاصره في هذا التخصّص النادر. وقدّم ما وصل إليه بأسلوبه
السهل الممتنع، مع حرصه على توثيق ما أخذ ممّن سبقوه وعاصروه في أمانة علميّة
فائقة، وصياغة نادرة، وسلاسة في العبارة وإحكام في الترتيب، جعل ثمار الدراسة
دانية من قاطفيها، وتسر الأنظار لناظريها، وتنوّر العقول للمتفكّرين فيها وتحيي
القلوب لاتصالها بالقرآن الكريم والسنة الشريفة والخلفاء الراشدين في قواعدها
ومبادئها وتجاربها التي جمعت بين النظرية والتطبيق في عهد النبوة والخلافة
الراشدة.
وواصل الدكتور الشيخ عبد الباقي
الكلام عن قواعد الحكم في الإسلام التي ضمنها الفصل الرابع، وذكر: قاعدة السيادة
للشرع، وضرورة السلطة التشريعية، وقاعدة الشورى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
والخلفاء الراشدين، ومن هم أهل الشورى؟
وما هي آداب الشورى وقواعدهم
الأساسية التي يقوم عليها هذا المبدأ. وما هي شرائط الأخذ برأي الأغلبية؟
وهل الإمام ملزم بالأخذ برأي
أهل الشورى؟
وكتب عن صلاحيات مجلس الشورى:
-كالرقابة على دستورية
القوانين.
- وحق المحاسبة.
- وحق إظهار عدم الرضا عن
العمال أو الولاة.
- وحق تحديد المرشحين لرئاسة
الدولة.
- والوظائف السياسية، كاختيار
الإمام والبيعة ونصح الحاكم، وعزل الإمام.
وتكلم عن كون من قواعد نظام
الحكم: الحرية، كحرية المعتقد، والحرية السياسية، وكيف مورست في عهد النبوة، وعهد
الخلفاء الراشدين في أعلى معانيها الاعتقادية والاقتصادية والسياسية المنضبطة بشرع
العليم الحكيم سبحانه وتعالى.
وتحدث أن من قواعد نظام الحكم:
المعارضة. وأصّل لها من خلال القرآن الكريم والسيرة النبوية، وذكر نماذج من
المعارضة في التاريخ الإسلامي:
- كمعارضة المهاجرين للأنصار في
سقيفة بني ساعدة.
- ومعارضة عمر لأبي بكر (رضي
الله عنهما).
- ومعارضة المرأة لعمر (رضي
الله عنه) في تحديد المهور.
- وكان من الطبيعي أن يتحدّث عن
قاعدة العدالة في نظام الحكم، كالعدل في الأمور السياسية والقانونية، والعدل في
الأمور القولية والفعلية، والمالية والاقتصادية، وفي الشهادة والقضاء، وفي
العقوبات والأمور الأسرية، ومع الأعداء والخصوم، وفي الأمور الإدارية، وعن العدل
الاجتماعي، وواجبات الناس، والأصول العشرة للعدل؛ كمعرفة قدر المنصب، وزيارة
العلماء الأتقياء واستشارتهم، والتواضع والحلم، وعدم التعالي على غيره، والاهتمام
بوظيفته، والعمل بالرفق في حينه وبالشدة في حينها، وتقديم رضا الله على رضا الناس.
وفي الباب الرابع كان الحديث عن
نظام الدولة، ففي الفصل الأول من الباب الرابع، تحدّث عن الدستور في الإسلام، وعن
مفهومه وقواعده، ومصادر القواعد الدستورية في الإسلام.
وتحدث في الباب الرابع، عن
السلطات وجهاز الدولة، وأركان الحكومة والسلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية،
وعن الوزارة، ومكانتها في الحكومة الإسلامية، ونشأة الوزارة، وتطورها وأهميتها،
وأهمية الوزير، وصفاته، وأقسام الوزارة، والفرق بين وزارة تفويض، ووزارة تنفيذ، وواجبات
وزير التفويض، وصلاحيات كل من الوزارتين، وأسس الوزارة، ومهمات الوزير، وتحدّث عن
الإمارة في تاريخها من خلال التاريخ الإسلامي.
وتكلم عن تأسيس الملك وأقسامه،
وأسباب بقاء الملك وزواله، وسياسة الملك وأحواله.
وفي الباب الخامس: كان الحديث
عن محاسبة الخليفة وعزله، ومن له حق العزل، وما هي موجبات عزله، وذكر بعضها؛
كالكفر والردة بعد الإسلام، وترك الصلاة وإقامتها، والظلم والفسق.
وتكلم عن منهج الإمام أبي حنيفة
في ذلك، وعن ضرورة التفريق بين أنواع الفسق، كنقص الكفاءة النفسية (الأهلية)،
والجسدية، وتوسع في هذا الباب، وتكلم عن الخروج على الإمام الفاسق في هذا الباب،
وتكلم عن الخروج على الإمام الفاسق أو الظالم، ورأي العلماء في هذه النازلة.
وفي نهاية حديثه
عن السياسة في الإسلام لخص نتائج بحثه، والتي من أهمّها:
1. الإسلام ليس مجرد اعتقاد
قلبي سلبي، لا دخل له في الحياة الخاصة والعامة للإنسان، بل هو عقيدة تنبثق منها
شريعة يبنى عليها سلوك ونظام عام يحكم الشأن الخاص ويدبر الشأن العام.
2. السياسة الشرعية هي كل ما
يوافق مقاصد الشريعة، ويحقق مصالح الإنسان في الدنيا والآخرة، وإن لم يرد فيها نص
شرعي، ولم يسبق بشأنها اجتهاد عقلي.
3. السياسة العادلة من صميم
الشريعة، أما السياسة الظالمة، فلا تمتُّ إليها بصلة، وإن أضيف إليها أي شكل من
أشكال التأويل.
4. السياسة فعل من الأفعال
الشرعية، تعتريها الأحكام الشرعية الخمسة، قد تكون واجبة، أو محرمة، أو مندوبة، أو
مكروهة، أو مباحة، بحسب نوعها، ومرجعيتها، ومقاصدها ونتائجها والحاجة إليها.
5. علاقة السياسة والدولة
بالإسلام، علاقة عضوية بحيث لا يتصور أحداهما دون الآخر، فهما أشبه ما يكونان
بعلاقة القلب أو الدماغ بالجسم، فلا حياة لجسم بدون قلبه، ولا قيمة له بدون دماغ،
كما أنه لا قلب، ولا دماغ بدون جسم، ولذلك فلا يمكن لهما إلا يكونا متلازمين أحدهما
مع الآخر، وإلا وقع الخلل فيهما كما هو واقع حال الأمة اليوم.
6. لا مجال للتمييز في السياسة
الشرعية بين السيادة والحكم، فالإمام أو الرئيس في الدولة يسود باختيار الأمة
ورضاها، ويحكم بشرع الله، ومشورة أهل العلم والدين، وكل من تولى دون اختيار الأمة،
ومبايعتها الرضائية ولم يحكم بشرع الله، ومشورة أهل العلم والدين؛ فلا شرعية له،
وعزله واجب، كلما أمكن ذلك، كما قال الإمام ابن عطية المالكي – رحمه الله – الشورى
من قواعد الشريعة، وعزائم الأحكام، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا
لا خلاف فيه.
وأما الجزء الثاني من الكتاب:
فكان عن الإدارة في الإسلام، وفي مقدمة الجزء الثاني اعتبر الدكتور عبد الباقي
الحقاني – حفظه الله – أن النبي ﷺ معلّم الساسة، ومؤسس الدولة الأولى، ورئيس
الإدارة والإداريين وأن الخلفاء الراشدين الأربعة (رضي الله عنهم)؛ هم النموذج الأعلى
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاقتداء بهم فهم سادة الساسة وهم الذين
شيّدوا ووسعّوا إدارة دولة الإسلام الأولى الفتيّة وساسوا الدنيا سياسة، لم يُرَ
لها مثيل في العالمين.
ثم شرع في الباب الأول، فتحدث
عن الإدارة، وفي الفصل الأول منه، تحدث عن الإدارة لغة واصطلاحاً، وعن أقسامها
وصلة الإدارة بالسياسة. واعتبر أن صلة السياسة بالإدارة صلة وثيقة وقديمة ترجع إلى
عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأوضح مثالا على ذلك، وهو حادثة الهجرة النبوية،
فهي تدبير سياسي وقرار إداري في نفس الوقت. وأشار إلى الإدارة عبر التاريخ البشري،
وأهميّـها في المجتمع الإنساني الإسلامي.
وتحدّث عن الإدارة في تاريخ
الأنبياء، وضرب مثلاً بيوسف (عليه السلام)، فقد أدار تموين المملكة المصرية في خطة
مدتها خمسة عشر عاماً، بنجاح لا مثيل له.
والنبي سليمان (عليه السلام)
فقد ورد ذكره في القرآن الكريم، وأدار حكم بلاده على أساس عقد اتفاقيّات تجارية
واضحة المعالم، وأدار مشروعات إنشاء وتعمير، وأبرم معاهدات أمن وسلام في القرن
العاشر قبل الميلاد.
ذكر الله تعالى صفات سليمان
(عليه السلام) القيادية في القرآن الكريم والتي من أهمها: الإيمان والعلم،
والتنظيم، واليقظة، والمتابعة، والتقدم والحزم، والصرامة، وقدرته على بناء
العلاقات المميزة، والكرم، وحسن الاستقبال، والتواضع والعدل، وقبول العذر،
والهيبة، والوقار، والتثّبت من الأخبار، وسعة الصدر، وحسن الاستماع، والتدرج في
تحقيق الأهداف، وتوظيف المهارات والمواهب والإمكانات، والاستماع لكبار مستشاريه،
وحب الجهاد والبناء والإبداع، وعلو الهمة، والانفتاح على الآخرين، والقدرات
الإدارية الهائلة في التخطيط والتنفيذ.
وتعتبر دولته في القرآن الكريم
نموذجاً للحكم الرشيد في المقومات الاجتماعية والإدارية، والاقتصادية، والتشريعية،
والسياسية.
ومن ثمرات الحكم الرشيد في
عهده:
- النهضة العلمية.
- والإعلامية.
- والعمرانية.
- والموصلات، والاتصالات.
- والنهضة العسكرية.
- والنهضة البحرية.
- والنهضة التجارية.
- والنهضة الحضارية القائمة على
توحيد الله، وإفراده بالعبادة ومحاربة الشرك.
وقد توسعت في بيان حكمه الرشيد
في كتابي: " الأنبياء الملوك داود وسليمان وهيكل سليمان المزعوم".
إن قصة سليمان (عليه السلام)
تُعدُّ نموذجاً حضارياً ربّانياً تُستخرج منه قواعد في علم السياسة والإدارة.
وفي الفصل الثالث، من الجزء الثاني من كتاب
السياسة والإدارة في الإسلام، توسع الشيخ الدكتور عبد الباقي الحقاني في الإدارة
والتنظيم الإداري في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، والإدارة في عهد الخلفاء
الراشدين، ومصادر استخراج أحكام الإدارة عند المسلمين.
وتحدث عن مقاصد الإدارة
الإسلامية من حفظ الدين، والنفس والعقل، والنسل، والعرض، والمال، وعن وظائف
الإدارة، كالتخطيط، والتنظيم، والتوجيه، والرقابة.
وميّز بين الإدارة
الإسلامية والإدارة العلمانية، حيث تتقيد
الإدارة الإسلامية في كل خططها وتنظيماتها وآلياتها بالشريعة؛ تحافظ عليها وتعمل
وفقها، ويكون القرآن والسنة المصادر الأصيلة التي تستمد منها الإدارة الإسلامية
خططها، ووسائلها في ظل العمل على تطبيق أحكام الشريعة خلافاً للإدارة التي لا توصف
بكونها إسلامية، كالإدارة العلمانية، ونحوها، فهي إدارة يُبتغى منها تحقيق الأهداف
المرصودة من غير نظر إلى التقيّد بحلال أو حرام، وهذا لا شك أنّ له تأثيره المباشر
على الأهداف والخطط والأساليب والوسائل ومصطلح الإدارة.
وفي الباب الثاني المتعلّق
بالإدارة في الإسلام: أفرده لكيفية التوظيف وشروطه وآدابه.
وفي الفصل الأوّل، من الباب
الثاني: تحدّث عن التوظيف وضرورته في الإدارة الإسلاميّة ومن له حقّ التوظيف، ومن
يفوّض الإمام للتوظيف. واستدلّ بآثار في ذلك عن عمر وعثمان وعليّ (رضي الله عنهم).
وبيّن أنّ الطريقة الانتخابيّة
في اختيار العمّال لم تكن غريبة عن نظام الحكم الإسلامي، واستدلّ بقول معاوية (رضي
الله عنه) لأهل العراق: واطلبوا والياً ترضونه.
ووضّح شروط التوظيف وآدابها في
الإدارة الإسلاميّة، وسنّه رسول الله في تقليد الوظائف ورعايته للكفاءة والخبرة
وأنه لا يولّي الضعفاء جلائل الأعمال وعويصها مهما، ولو كانوا تقاة وثقات.
وبيّن منهج الاستشارة في تعيين
الولاة وهي سنة ثابتة عن رسول الله والخلفاء الراشدين، وبين أهميّة القوّة
والأمانة في التوظيف، وغير ذلك من الشروط، وتكلّم عن طلب الإمارة، وهل هي جائزة أو
محرمة. واختار الشيخ عبد الباقي عدم الاستعجال في فتوى الجواز والحظر، وبيّن أقوال
العلماء في ذلك، وتحدّث عن أجر الحاكم، واستدلّ بكلام العزّ بن عبد السلام – رحمه
الله – عندما قال: أجمع المسلمون على أنّ الولايات من أفضل الطاعات، وأنّ الولاة
المقسطين أعظم أجراً وأجلّ قدراً من غيرهم، لكثرة ما يجري على أيديهم من إقامة
الحقّ ودرء الباطل، فإنّ أحدهم يقول الكلمة الواحدة فيدفع بها مائة ألف مظلمة فما
دونها، أو يجلب بها مائة ألف مصلحة فما دونها، فياله من كلام يسير وأجر كبير.
وأمّا ولاة السوء وقضاة الجور
من أعظم الناس وزراً وأحطّهم درجة عند الله لعموم ما يجري على أيديهم من جلب
المفاسد العظام ودرء المصالح الجسام.
وتحدّث الشيخ الدكتور عبد
الباقي عن تولية المفضول مع وجود الأفضل؛ لأجل المصلحة العامّة. وتوسّع في
الاستدلال الإداري بتجارب الخلفاء الراشدين (رضي الله عنهم) في ممارستهم وآثارهم
القوليّة والفعليّة في المحاسبة والمراقبة واحترام الموظفين، وتوفير ما يحتاجون
إليه، والزيادة والنقصان في مرتباتهم ومنعهم من ظلمهم للرعيّة ومحاسبتهم على
التجاوز في ذلك، ومكافأة المحسن ومجازاة المسيء، والتسامح عن الهفوات، ورفع الموظف
وترقيته تدريجيّاً.
وفي الباب الثالث: تحدّث عن
وظائف الأمير في الإدارة الإسلاميّة، وأهم وظائفه؛ كالتعيين والتوظيف، والعزل،
والتخطيط، والتنظيم، والتوجيه والإرشاد والتنسيق، والاتصال بعماله وأعوانه،
والرقابة والكشف. واستدلّ بالسيرة النبويّة الشريفة وممارسة الخلفاء الراشدين
الراشدة في كلّ ما له علاقة بين الأمير والعمال والأمراء من تعيين وعزل ومحاسبة
وإنزال عقوبة، إلى غير ذلك من الصنوف الإداريّة المهمّة في تحقيق أهداف الدولة
الإسلاميّة.
وفي الباب الرابع: تكلّم عن
السياسة الخارجيّة وعن ضرورة العلاقات الخارجية وتاريخها، وبواعثها وعن العلاقة
السياسية بين الدول الإسلاميّة وغيرها، وبداية علاقات الرسول ﷺ الخارجيّة، وعن
أهمّ الأهداف السياسيّة الخارجيّة من دعوة الناس إلى دين الله تعالى والحفاظ على
منافع الدولة واستقلالها، وأهميّة التمثيل الدبلوماسي في الإسلام، وإرسال السفراء
وأهميّة السفير وأهم صفاته الجسمانيّة والخلقيّة، وفوائد إرسال السفراء إلى الدول
الخارجية، ووظائف الرسل والسفراء، كالتمثيل الرسمي للدولة والدعوة إلى الإسلام،
والتفاوض، وحماية مصالح الدولة الإسلاميّة ورعاياها لدى الدول المعتمد لديها،
وتتبع الأوضاع في الجهة التي أوفدوا إليها، والاستعلام عن كافّة أحوالها. وتحدّث
عن امتيازات المبعوثين السياسيّين، وموقف الإسلام من هذه الحصانات في الأعراف
الدبلوماسيّة ومتى يعطل التمثيل الدبلوماسي. وعن المعاهدات ومشروعيّتها في الإسلام
والوفاء بها، ومتى تنقض المعاهدات.
وفي الفصل الرابع تحدّث عن حفظ
الوقار المركزي للدولة والإمارة.
وفي الفصل الخامس: تحدّث عن
إكرام الضيوف الأجانب الوافدين من خارج الدولة.
وفي الباب الخامس: تحدّث عن
الاستقالة والاستعفاء؛ أسبابها وآدابها. ففي الفصل الأوّل من الباب الخامس: تكلّم
عن أسباب الاستقالة، كالورع والتقوى، وترجيح العبادة عن المنصب، ووجود مصلحة
دينيّة أو اجتماعيّة، أو الضعف الصحيّ، والعجز عن تنفيذ المهام، وقلّة الخبرة في
العمل الذي وُكّل إليه، أو شكوى الناس، أو التدخّل المشروع من أصحاب المناصب
العليا، وغير ذلك من الأمور الإدارية المهمّة.
إنّ كتاب "السياسة
والإدارة في الإسلام" إضافة نوعيّة للمكتبة والثقافة الإسلاميّة والحضارة
الإنسانيّة حيث يقدّم رؤية سياسيّة استمدّت أصولها وقواعدها ونظريّتها من المصادر
الإسلاميّة الأصيلة، بدون تردّد أو تلعثم أو انهزام نفسي أمام النظريّات السياسيّة
الوافدة من غزاة هذه الأمّة.
إنّ الاهتمام بالفقه السياسي في
عالمنا اليوم من الأمور العظيمة، في نهضة الأمّة الإسلاميّة، التي بدأت تتلمّس
طريقها نحو الشهود الحضاري، وتقديم ما ينفع الناس في كلّ المجالات الحضاريّة.
إنّ ما قام به الدكتور عبد
الباقي الحقاني في حديثه عن البعدين السياسي والإداري في الإسلام يخدم المشروع
الحضاري الإسلامي السنّي، لكي يتصدّى للمشاريع الغازيّة، المرتبطة بالمنظومة
الشيطانيّة في العقائد والقيم والأخلاق والتشريعات والقوانين والنظم... إلخ.
نحن في أمسّ الحاجة إلى مثل هذه
الدراسات الرائعة التي تجمع بين العمق التاريخي والأبعاد الحضارية، والتي تساهم في
تلبية احتياجات الإنسانية من خلال تقديم دين الإسلام العظيم الذي يوفر حلولاً
شاملة ويجيب على جميع الأسئلة في مختلف جوانب الحياة، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى
لِلْمُسْلِمِينَ﴾. وقال تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ
بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾.
إنّني أنصح الباحثين وطلّاب
العلم والعلماء في علم السياسة والإدارة والعاملين لنهضة الإسلام، قراءة هذا
الكتاب والاستفادة منه، وتحويله إلى ثقافة عامّة على مستوى شعوبنا وأمّتنا؛ لما
فيه من فوائد جليلة، فقد استطاع الشيخ الدكتور عبد الباقي الحقاني أن يختصر لنا المسافات
بما بذله من جهود مضينة متواصلة في البحث والتنقيب في المتون والشروح والمصادر
والمراجع التي خطّها العلماء الأفذاذ في أمّهات كتب التفسير والحديث، والسير
والفقه وأصوله والعقيدة، والتاريخ والسياسة والإدارة، بالإضافة إلى استخراج
الفوائد، والقواعد والفقه السياسي والإداري، وجواهر المسائل الإداريّة، ودرر
الفوائد السياسيّة التي تحتاجها الأمّة المسلمة في كلّ عصر وخصوصاً في زماننا هذا.
فهذا الكتاب يُعد مرجعًا قيّمًا
للزعماء والملوك والأمراء والرؤساء، والساسة بمختلف مستوياتهم. فقد قدم منهجًا
متميزًا للباحثين عن أنظمة الحكم السياسي والإداري في الإسلام، وذلك من خلال
تقديمه في إطار راقٍ يعكس جمال الترتيب والتنظيم، في أسلوب رفيع في مخاطبة العقل
الإنساني والفطرة السويّة والوجدان الإيماني.
نسأل الله (عزّ وجل) أن يتقبّل
من الشيخ الدكتور عبد الباقي الحقاني جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين، وأن يضع له
ولعلمه ولكتبه القبول في الأرض، وأن يكتب له الصدقات الجارية إلى يوم الدين ويعلي
ذكره في المصلحين.
(وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ
العالمين)
2 ربيع الأول 1446ه/ 5 سبتمبر
2024م
الساعة السابعة وعشرون دقيقة
صباحاً/ الدوحة، قطر.