من أخلاق
الرسول (1) | "خلق الرحمة"
الكاتب: د. كمال أصلان
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الحمد
لله الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة، والصلاة والسلام على خير الخلق، سيد المرسلين، وإمام المتقين، محمد بن
عبد الله، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وأيده بالمعجزات الباهرات، فكان للحق
نبراسًا، وللباطل قاهرًا، وللأمة قائدًا وهاديًا إلى صراط مستقيم.
لقد
أشرقت الأرض بنور مولده، واهتزت القلوب حبًا وتقديرًا لشخصه الكريم، فهو الذي أخرج
الناس من الظلمات إلى النور، وهداهم إلى طريق السعادة الأبدية. فرسول الله محمد ﷺ
هو الشفيع المشفع، الذي جاهد في سبيل الله حق جهاده، وبذل الغالي والنفيس لنشر
رسالة الإسلام، فكان مثالاً في الرحمة، والعدل، والإحسان، حتى أصبح قدوةً
للإنسانية جمعاء.
ومن
سمو أخلاقه صلى الله عليه وسلم خلق الرحمة.
فالرحمة كانت من أبرز الصفات التي اتصف بها رسول الله
محمد ﷺ، فقد كانت جزءًا من شخصيته وسلوكه في تعامله مع الناس، سواء كانوا من
المسلمين أو غيرهم. وقد أكد الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم على رحمة النبي ﷺ
بقوله:
(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (الأنبياء:
107).
فالنبي ﷺ لم يكن رحمة للمؤمنين فقط، بل كان رحمة
للبشرية جمعاء، وهذا يَظهر في مواقفه العديدة التي تجسد هذا الخلق العظيم.
وقوله تعالى في وصف رحمته بالمؤمنين:
(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم
حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) (التوبة: 128).
فالنبي ﷺ كان حريصًا على هداية الأمة، رحيمًا بهم في
دعوته، يتألم لما قد يصيبهم من مشقة أو عنت، ويرفق بهم في كل شأن.
ومن مواقفه ﷺ في الرحمة:
1. رحمته بالأطفال:
فكان ﷺ شديد الرحمة بالأطفال، ومن أشهر مواقفه في ذلك
ما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه حين قال: (ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من
رسول الله ﷺ)، وكان النبي يلاعب الحسن والحسين ويحملهما على كتفيه ويقول: (اللهم
إني أحبهما فأحبهما) (رواه البخاري).
2. رحمته بالحيوانات:
فالنبي ﷺ لم تقتصر رحمته على البشر فقط، بل شملت حتى
الحيوانات. ففي أحد المواقف، دخل النبي ﷺ حائطًا لرجل من الأنصار، فوجد جَمَلاً
يئنّ، فاقترب منه النبي ومسح على ظهره حتى هدأ، فقال لصاحبه: (أفلا تتقي الله في
هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبُه) (رواه أبو
داود).
3. رحمته بالجاهلين:
من أروع صور الرحمة ما حدث مع الأعرابي الذي بال في
المسجد. عندما هرع الصحابة لتوبيخه، قال لهم النبي ﷺ: (دعوه ولا تُزرموه)، ثم طلب
سكب ماء على موضع البول، وقال للأعرابي بلطف: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا
البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله) (رواه البخاري). هذا الموقف يدل على حلمه
ورحمته بالجاهلين، وتعليمه لهم بلطف.
4. رحمته بأعدائه:
حتى مع أعدائه، تجلت رحمة النبي ﷺ، ففي فتح مكة،
حينما كان في موقف قوة، وكان بإمكانه أن ينتقم من أهل مكة الذين آذوه وأخرجوه من
دياره، إلا أنه قال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) (رواه البيهقي). هذا الموقف يُظهر
عظم رحمته وتسامحه، حيث عفا عنهم رغم ما اقترفوه بحقه.
إن خلق الرحمة عند النبي ﷺ ليس مجرد سمة عَرضية، بل
هو جزء أساسي من رسالته وسلوكه. فقد كانت رحمته تشمل جميع الخلق، وهذا ما جعله
قدوة في الرحمة، واللين، والتسامح.
صلوا عليه وسلموا تسليمًا