بسم
الله الرحمن الرحيم
محبة النبي ﷺ واتباعه سبيل النصر
بقلم: د. أحمد الإدريسي
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على
سيد الخلق وحبيب الحق؛ سيدنا محمد، وعلى ءاله وصحبه، وعلى التابعين ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين.
لقد نزلت آيات كثيرة لتبيِّن مقام شرف رسول الله صلى
الله عليه وسلم وعظيم منزلته عند ربه؛ مما يوجب على المؤمنين أن يكونوا في غاية
الأدب معه والإجلال والتعظيم. قال تعالى في بيان مكانته عليه السلام، وفي بيان حقه
على كل مؤمن ومؤمنة: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ (الفتح:8-9). ومعنى
تعزِّروه: أي تنصروه، ومعنى توقّروه: أي تعظّموه وتفخّموه. وبين تعالى
أنه أرسله رحمة للكون وللبشرية، قال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة
للعالمين".
ثم فرض الله تعالى على هذه الأمة محبة نبيها الكريم ونصرته
وتعظيمه وتوقيره، وتعزيره وحفظ مقامه، وقد شرع الله تعالى من العقوبة لمن آذى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما يحفظ مقام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ويردع من
تجرأ على هذا المقام بالسب أو الاستهزاء أو النقص من قدره ومقامه الشريف.
أولا:
وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته واتباعه:
إن من آكد حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته أن
يهاب ويعظَّم ويوقًّر، ويُجَلُّ أكثر من كل ولد لوالده، فهذا حق من حقوقه الواجبة
له مما يزيد على لوازم الرسالة. قال تعالى: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ
وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ
أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ (الأعراف:157).
قال ابن تيمية رحمه الله: (التعزير اسم جامع لنصره وتأيـيده
ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير؛ اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال
والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد
الوقار).
ومن معاني تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم؛ موالاته
ونصرته، فإن فالموفّق هو من يوالي الله ورسوله، محبة متصلة ممتدة تربطه برباط
المودة والرحمة بمن أحبهم الله وأمر بمحبته، ثم اتباعهم لتحقيق شروط النصر.
ثانيًا:
تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم:
كان الصحابة الكرام يحبون النبي صلى الله عليه وسلم أشد
الحب، ويوقرونه أعظم التوقير، وأخبارهم في ذلك كثيرة، قال مروان في صفتهم رضي الله
عنهم: (كان الصحابة إذا أَمَرَهم النبي صلى الله عليه وسلم ابتدروا أمرَه، وإذا
تكَلَّم خَفَّضُوا أصواتَهم عندَه، وإذا توضأَ كادوا يَقْتَتِلون على وضوئِه، وما
يُحِدُّون إليه النظرَ؛ تعظيمًا له). وعلى
منهاجهم سار الصالحون من هذه الأمة، ونذكر من ذلك:
- عن أسامة
بن شريك رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على
رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا متكلم إذ جاءه ناس، فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله
تعالى؟ قال: "أحسنهم خلقًا"، وقال: ورواته محتج بهم في الصحيح، فأنت ترى
أن الصحابة يهابون أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا ينتظرون أن
يأتي أعرابي فيسأل، فيسرون بذلك).
-
وفي حديث الهجرة، قال أبو بكر رضي الله عنه: (فأتينا ظل صخرة فنزلنا عندَهُ،
وسوَّيْتُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بيدي مكانًا ينامُ عليهِ، وبسطتُ فيهِ
فروةً، وقلتُ: نَمْ يا رسولَ اللهِ، ثمّ انطلقت إلى راعي غنم فحلب لي كُثبة من
لبن، فبرّدته للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتيتُ فوجدتُه قد استيقظ وهو عَطِش،
فقلت: اشرب يا رسولَ الله، فشرب حتى رضيت).
-
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: (ما كان أحدٌ أحبَ إليَّ من رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له،
ولو سُئلتُ أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه).
-
قال الإمام مالك رحمه الله: ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر -وكان سيد القراء- لا
نسأله عن حديث إلا يبكي حتى نرحمه. وقال: ولقد كنت أرى جعفر بن محمد -وكان كثير
الدعابة والتبسم- فإذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اصفرَّ وجهه.
-
وكان الإمام مالك وهو الذي يحدثنا عن تلك الأحوال عن شيوخه، كان رحمه الله من أشد
الناس تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم ولسنته ولحديثه، كان لا يُحدِّث بأحاديث
النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو على طهارة، وكان ربما ذُكر عنده الحديث فيتغير
لونه خشوعاً وإجلالا، ولقد لدغته مرةً عقربٌ وهو يُحدّث، فما قطع التحديث مع أن
لونه كان يمتقع من شدة الألم، إجلالا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.
-
ويخبرنا الإمام مالك رحمه الله عن شيخه أيوب السختياني رحمه الله، فيقول: حججت معه
حجتين، وكان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرحمه، قال: فلما رأيتُ ما
رأيت منه من إجلال للنبي صلى الله عليه وسلم كتبتُ عنه الحديث. وقال: ولقد رأيت
الزهري؛ إذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه ما عرفك ولا عرفتَه.
ثالثا:
الحث على محبة النبي صلى
الله عليه وسلم.
تعلمنا من علمائنا من السلف رحمهم الله ومن الخلف حفظهم
الله؛ كيف نتأدب مع إمام الأنبياء وخيرة الخلق صلى الله عليه وسلم، ومع سائر
الأنبياء عليهم السلام. وأول هذه الآداب تعظيمه في أنفسنا، ومحبته الموصولة بمحبة
الله لا تنفك. ومن الآداب أن أن نكثر من الصلاة عليه، خاصة يوم الجمعة.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم شعبة من شعب
الإيمان، وكان يحث في كل مجلس وفي كل مناسبة على الإكثار من الصلاة على النبي صلى
الله عليه وسلم، لأن صلاتنا على الرسول الكريم على الله عز وجل تبلغه، ويبلغه
سلامنا. قال بعض السلف: "فإن كان هذا فضل الصلاة على الحبيب صلى الله عليه
وسلم، فكيف لا يستكثر منها المؤمن. وإنه لشح ما له مثيل أن يكتب المؤمن ذاكرا رسول
الله صلى الله عليه وسلم،
ومن الآداب ألا يكتب المسلم بين قوسين صادا (عوض صلى
الله عليه وسلم)، فيحرم نفسه وقارئه من ذلك الفضل العظيم. وفي المقابل؛ "لنحذر أن نبعد عن رحمة الله إن ذكر
عندنا اسمه الحبيب فبخلنا عن الصلاة عليه، ومن هذا البخل الشنيع صاد بعضهم الصماء".
والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الخير،
لذلك أوصى بعض سلفنا الصالح أن يبتدئ المؤمن دعاءه ويختمه بالصلاة على النبي صلى
الله عليه وسلم؛ “فإن الله تعالى أكرم من أن يقبل الصلاتين ولا يقبل ما بينهما".
والمقصود من الصلاة عليه والتسليم والإكثار منهما هو صحبته ومحبته. فإننا إن
أكثرنا ذكره كما أمرنا أصبحت صورته ومعناه في قلوبنا بمثابة النور الذي نهتدي به
إلى ذكر الله ومحبته.
رابعا:
ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم في ظل طوفان الأقصى.
لابد من استحضار طوفان الأقصى، ونحن مقبلون على يوم
ولادة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يعمّ الفرح المسلمين بذكرى ولادة نبينا
الكريم صلى الله عليه وسلّم، وتنتشر مظاهر الابتهاج والاحتفاء، وهم يُعبرون عن
محبتهم وتعظيمهم وتوقيرهم للنبي الكريم صلى الله عليه وسلّم الذي امتن الله تعالى
عليهم به وبمجيئه، فقال: "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ
بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ
قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ"،(آل عمران:164). بل جعل الله تعالى الإيمان به
ومحبته و توقيره واتباعه شرطا لصحة الإيمان وسبيلا للفلاح، فقال: "فَالَّذِينَ
آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ
مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"،(آل عمران:157).
لقد
كان ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، رحمة للعالمين، وإيذانا بمرحلة جديدة في
تاريخ البشرية، وبقرب نهاية الكفر والظلم، وستكون ذكرى مولده في زمن الناس هذا، وفي
ظل طوفان الأقصى، إيذانا بسقوط طواغيت الكفر والظلم والطغيان، وإعلانا عن حياة
الأمة من جديد، بناء دولة القرآن، وبناء جيل يعيد للإسلام قوته وللأمة عزها
ومجدها.
إن
محبة النبي صلى الله عليه وسلم تقتضي الاتباع، والاتباع الكامل هو سبيل النصر لغزة
العزة وللأمة الإسلامية، فهو الرحمة المهداة. وسنة الله اقتضت أن ينتصر الحق؛
فطوفان الأقصى اليوم وطوفان الأمة غدا بحول الله.
اللهم وفقنا لتعظيم نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم
وتوقير ونصرته واتباعه، وارزقنا محبته؛ محبة كاملة. اللهم انصر المجاهدين في غزة
وفلسطين وفي كل مكان، اللهم كل لهم وليا نصيرا ومعينا وطهيرا، ورد بهذه الأمة إلى
دينك ردا جميلا. ءامين، والحمد لله رب العالمين.
-
الطبراني. المعجم الكبير. باب الألف، "من اسمه أسامة"؛ "أسامة بن
شريك الثعلبي".