البحث

التفاصيل

تفكيك منظومات الاستبداد (٤٠): فليتعاون عقلاء الأمة ضد عدو الأمة المشترك

الرابط المختصر :

تفكيك منظومات الاستبداد (٤٠): فليتعاون عقلاء الأمة ضد عدو الأمة المشترك

بقلم: جاسر عودة

عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

يا أهل القبلة من المؤمنين بالله تعالى ربًا ومحمد ﷺ نبيًا وبالقرآن وحيًا أوتيه، ألا يسعنا في مواجهة الحرب الضروس على أمتنا الإسلامية من أباطرة الكفر المعاصر -ومن لا يرى الواقع هكذا فليراجع فهمه إن كان طالبًا للحق-، ألا يسعنا أن نتنادى إلى موقف سياسي وعسكري واقتصادي وإعلامي موحد كحد أدنى نتفق عليه لكي نحمي نفوس الناس ومقدسات الأمة في قلب أرضها؟ والحديث هنا هو عن أعضاء الأمة الإسلامية كلها -ومن هم في حماها من غير المسلمين- لا عن حماية نظام من النظم التي تسمى اليوم بالدول الإسلامية، بل إن من قيادات تلك الدول من كشف عن ملته الحقيقية ويحارب اليوم فعليًا مع الأعداء. هلا وضعنا كل من ينصر الأمة من المسلمين، بل ومن غير المسلمين -والمعيار الكاشف هو فلسطين- في جانب، والأعداء المحاربين والمنافقين -ولو كانوا من حاملي الأسماء المسلمة- الذين يحاربون معهم فعليًا في جانب آخر؟ هلا تمايزت الصفوف بين "مع" و "ضد" حتى تستقيم هذه الحرب كما تستقيم كل حرب، بل كما يفعل الأعداء أنفسهم اليوم ولا نفعل؟

هلا طرحنا جانبًا ترّهات "المؤثرين" على مواقع التواصل الاجتماعي، ومواقفهم غير المدروسة واقتطافاتهم الشاذة لوصف تلك الفئة أو ذاك الشخص من أجل جمع المال من أعداد المعجبين“، وهلا تنبهنا للخطط الطاغوتية الخبيثة المعقدة التي تنخر في نسيج الأمة بألف مؤامرة ولو تعارضت المؤامرات، وهلا وضعنا في سياقها الصحيح المعارك التاريخية لأمم قد خلت عاشت في كوكب مختلف وسياق واقعي لا نعرف نحن أغلب تفاصيله، وهلا تريثنا مع تصنيفات لفرَق إسلامية لم تعد تمثل واقعًا حقيقيًا علي المستوى الفكري أو العملي، وأدركنا أن الواقع أكثر تركيبًا وتشابكًا ويتطلب فهمه تصنيفات جديدة، كما يدرك أهل البحث والفكر على أي حال؟

هلا عدنا إلى التعريف الأصيل لفئة عرفها علماء الإسلام على مدار تاريخ طويل، وهي فئة أهل القبلة“، والتي وسعت في الماضي: الجماعة بألوانها، وشيعة أهل البيت بألوانهم، والخوارج، والمعتزلة، وكافة المذاهب الكلامية والفقهية والسياسية، مقاتلين وغير مقاتلين، مبتدعين أصليين ومتأولين فيصيبون ويخطؤون، إلى آخره؟ هلا تغاضينا عن البدعالتي يراها كل فريق في ممارسات الفرق الأخرى واتفقنا على الإيمان بالقرآن الكريم -ليس لأحد من فرق الإسلام قرآن غيره- والسنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام -ولو اختلفنا الآن في مصادرها ورواتها بين مخطئ ومصيب-؟ صحيح أن هناك صوابًا وخطأ في هذه المسائل كليّها وجزئيّها، وهناك بدع تُخرج المسلم عن دائرة الإيمان، وهناك بدع أصغر، إلى آخره، ولكن هذه ليست قضيتنا الآن وكلنا يُطلق عليه أفتك الأسلحة ليُقتل! ألا نؤجل هذه السجالات الآن وقد بلغت مدة الحرب الإبادية على أمة الإسلام عامًا كاملًا؟ الأعداء يريدون استئصال كل المسلمين -ولو قتلوا مئات الملايين وفعلوها سابقًا في الأمريكتين وأفريقيا وغيرها- إلا من يسجد لهم ويركع ويتبع ملتهم، أو يُقتل!

ألا نستطيع أن نحتمل الذين نظن فيهم التعامل بوجهين -إن صحت الاتهامات على أي حال- كما احتمل رسول الله ﷺ منافقين نفاقًا أكبر ضمن جيوشه عسى أن ينصلح حالهم؟ ألا نستطيع أن نحتمل أصحاب البدع -إن صحت الاتهامات على أي حال- من أجل مصالح أعلى كما قَبِل صلاح الدين الأيوبي -مثلًا- أن يكون وزيرًا للملك الفاطمي المسمى بـالعاضد لدين اللهعلى ضلاله وطغيانه، ثم وجه صلاح الدين الخطاب الإسلامي حصريًا إلى المعركة المصيرية في فلسطين آنذاك، حتى استطاع بعد أن تمايزت الصفوف في المعركة أن يتمايز الصف المسلم داخليًا ويضبط البوصلة بدقة في الوقت والزمان المناسبين؟

أما ما كان من جرائم سابقة من دولة -أو جماعة تابعة لدولة- فليس هناك دولة إسلامية حالية -اللهم إلا دويلات محدودة التأثير-، ليس هناك دولة إسلامية حالية سلمت من دماء المسلمين وأعراضهم بغير حق ظلمًا وعدوانًا وقتلًا يقتضي القصاص، سواء قتلت من رعاياها أو من غير رعاياها من المسلمين -ليس هناك فرق بين الجنسياتفي حرمة الدماء-، ولو أردنا الحصر لنكأنا جروحًا لا تقتصر على العشرية الفائتة منذ الثورات العربية فحسب، بل تمتد من نفس الدول “الإسلاميةالمعاصرة على مدار القرن الماضي كله، ولذكرنا هنا قائمة بأسماء كل دول منظمة التعاون الإسلاميلا نستثني منها أحدًا تقريبًا. والقتل في شريعة الله لا يسقط بالتقادم: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما - النساء ٩٣)، ولا يعفي من مسؤولية دم بريئ واحد وقوع القتل في وقت حرب أو فتنة أو ثورة أو غيرها. حرمة الدماء مطلقة في الإسلام.

ولكن أمام هجوم الأعداء الكاسح على أمة الإسلام لاستئصال بيضتها حرفيًا، لا يجوز أن يتحاسب العقلاء على الدماء اليوم ويتركوا العدو المشترك ليفتك بالجميع. أي عقل أن يفرح امرؤ بقتل قيادات للمقاومة إذا كانت تلك القيادات تقاتل الأعداء اليوم أيًا كانت نياتها، ولو كانوا كفارًا صرحاء يعبدون الأصنام، فضلًا عن أهل القبلة من المسلمين الذين يتورطون في معادلات القتال فيصيبون ويخطئون، ولو كانت الأخطاء كبيرة؟ وكيف إذا كان ذلك المقاوم إذا قُتل في المعركة أتى دور الفرح الغافل تاليًا؟! بأي عقل يحكم هؤلاء وبأي فقه، اللهم إن كانوا كارهين للإسلام الحركي المجاهد -وما أكثرهم في صفوف المؤثريناليوم- ويخفون نياتهم وتوجيهات الحكومات العميلة لهم وراء تلك الأقنعة الزائفة من حب العدالة وطلب القصاص؟

يا أهل القبلة، لا يسعنا في هذه المواجهة التاريخية إلا أن نعرض عن أي خلاف بين أو مع تلكم الحكومات والجماعات والفرق والشخصيات الإسلامية كلها، وأن نؤيد أي دولة أو جيش أو فصيل أو جماعة أو فرقة أو شخصية مسلمة مقاتلة أيًا ما تكون، بل ونصطف مع غير المسلم الحر الذي ينطلق من منطلقات إنسانية إذا جاهد معنا وناصرنا. فليتعاون عقلاء الأمة ضد عدو الأمة المشترك! ليس هناك عقل ولا فقه وراء ذلك. الله المستعان.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

 


: الأوسمة


المرفقات

التالي
التوبة في القرآن الكريم: فرصة للتغيير وتحقيق السمو الروحي
السابق
إسطنبول.. مظاهرة حاشدة تضامناً مع فلسطين ودعوات لتحركات واسعة دعماً للشعب الفلسطيني

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع