البحث

التفاصيل

وجهة نظر من وحي الأحداث الجارية في فلسطين ولبنان

الرابط المختصر :

وجهة نظر من وحي الأحداث الجارية في فلسطين ولبنان،،

و(بيان الدكتور عصام البشير نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

بقلم: د. علي فتيني

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

الحمدلله والصلاة والسلام على رسوله.. وبعد:

اشتهر الأثر القائل: "خير الأمور أوسطها"، وعلى الرغم من أن هذا القول لا يصح كحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن معناه صحيح، وله شواهد كثيرة من القرآن والسنة.

وقد تكررت قاعدة "كل أمر فيه طرفان ووسط" عن السلف الصالح، وقد نُقل ذلك عن عدد من العلماء، منهم وهب بن منبه -رحمه الله- حيث قال:

"إن لكل شيء طرفين ووسطًا، فإذا أمسك بأحد الطرفين مال الآخر، فإذا أمسك بالوسط اعتدل الطرفان، فعليكم بالأوسط من الأشياء".

وقال الشاعر:

عليك بأوساط الأمور فإنها   ***   نجاةٌ ولا تركب ذلولًا ولا صعبا.

التجربة مصداق:

أثبتت التجربة أن هذه المقولة الحكيمة تصدق بشكل أوضح عند كل حادثة أو نازلة جديدة، تكتنفها ملابسات عدة وأبعاد مختلفة، فيقع فيها الخلاف الشديد، وتتعرض العقول لحيرة كبيرة عند محاولة الخروج برأي سديد، ومن أشهر الأمثلة التاريخية على ذلك حادثة مقتل الحسين -رضي الله عنه-، وقد عبر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن هذا المعنى بقوله في "منهاج السنة":

"وصار الناس في قتل الحسين -رضي الله عنه- ثلاثة أصناف: طرفين ووسطًا. أحد الطرفين يقول: إنه قتل بحق؛ فإنه أراد أن يشق عصا المسلمين ويفرق الجماعة..

والطرف الآخر قال: بل كان هو الإمام الواجب طاعته، الذي لا يُنَفَّذ أمرٌ من أمور الإيمان إلا به، ولا تُصلى جماعةٌ ولا جمعة إلا خلف من يوليه، ولا يُجاهد عدوٌ إلا بإذنه.

وأما الوسط فهم أهل السنة، الذين لا يقولون لا هذا ولا هذا، بل يقولون: قُتل مظلومًا شهيدًا، ولم يكن متوليًا لأمر الأمة".

(نقلاً بتصرف واختصار).

وجهة نظر تطبيقية:

وفيما يتعلق بأحداث فلسطين ولبنان، يمكن تنزيل ذلك وتطبيقه حسب تقسيم الأطراف الثلاثة "طرفان ووسط" كما يلي:

الطرف الأول: يرى أن مشاركة القوى الشيعية مجرد مسرحية، وأنها لا تختلف كثيرًا عن المشروع الصهيوني في عداوتها ونواياها تجاه قضايا الأمة، خاصة أهل السنة، يتبنى هذا الرأي الكثير من أهل العراق وسوريا واليمن بسبب الجرائم التي ارتكبتها هذه القوى الشيعية التي تدعي المقاومة، ولا يخفى على أحد التأثير العاطفي في هذا الرأي مع وجاهته، وظهور دلائله الواقعية والتاريخية.

الطرف الثاني: يرى أن مشاركة القوى الشيعية حقيقية وليست مسرحية، وأن مقاومتها جهاد خالص، وأن النية فيها صادقة، يتبنى هذا الرأي البعض من أهل فلسطين ولبنان، وكذلك شعوب أخرى لم تتعرض لمواجهات مباشرة مع الشيعة.

الطرف الثالث: يرى أن القوى الشيعية مليئة بالأحقاد الطائفية، وأنها ارتكبت جرائم شنيعة ضد المسلمين، خاصة في سوريا والعراق واليمن. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع من الإقرار بمواقفها في دعم ونصرة فلسطين، خاصة غزة، مع الوعي بأن هذه المواقف الداعمة لا تخلو من حسابات ومصالح. ولكن في النهاية، تصب هذه المواقف في مواجهة العدو الأكبر في هذا الظرف، وهو المشروع الصهيوني الأخطر، والذي يسعى للقضاء على القضية الفلسطينية والسيطرة على المنطقة برمتها.

وفي الختام، مع التقدير والتفهم للطرف الأول ووجاهة رأيه، وضعف رأي الطرف الثاني، فإن فقه السياسة الشرعية والموازنة بين المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات، يقود إلى أن رأي الطرف الثالث هو الأقرب إلى النظرة المتوازنة، التى تتوفر فيه الدقة في التصور الشامل لا الجزئي، الذي يتناسب مع قاعدة "الحكم على الشيئ فرع عن تصوره"، كما تتوفر فيه مقالة: "ليس الفقيه من يعرف الخير من الشر، ولكن الفقيه من يعرف خير الخيرين، وشر الشرين"، ويرجى أن يكون فيه الحكمة "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا ".

وفي رأيي المتواضع حسب متابعتي للجدل حول الأحداث، فإن أفضل من عبّر عن الرأي الوسط وقدم مقاربة له، فضيلة العلامة الدكتور عصام البشير نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو المعروف بالفقه الدقيق والنظر العميق، والتمكن في التأصيل والتنزيل، جزاه الله خيرا ونفع به، في بيانه الأخير الذي جاء في وقته، ويستحق الاطلاع عليه، والتأمل فيه، ومدارسته بكل أناة وهدوء.

اقرأ: أ.د. عصام أحمدالبشير يكتب: "مداخل منهاجية حول الأحداث التي تمر بها الأمة المسلمة"

والله أعلم.

اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِا لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

اللهم نسألك الهدى والسداد، وأن تهيئ للأمة من أمرها رشدا، وتفرج عنها وتقيها شر عدوها الظاهر والباطن.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. 


: الأوسمة


المرفقات

التالي
مسيرة حاشدة في الرباط تنديدًا بالاحتلال ودعمًا للقضية الفلسطينية
السابق
في عالمٍ هذا حالُهُ

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع