غزّة.. كارثة
إنسانية وصمتٌ دولي
بقلم: د. سعد الحلبوسي
عضو الاتحاد العالمي
لعلماء المسلمين
غزة، تلك البقعة
المحاصرة من كل مكان، تواجه اليوم كارثة إنسانية غير مسبوقة، فالموت يحيط بها من
كل جانب بين وطأة القصف الوحشي، والحصار والتجويع المتواصلين، ومشاهد سقوط
الأبرياء يوميًا في مجازر مروعة يندى لها جبين الإنسانية، بينما يقف العالم بأسره عاجزًا
أو صامتًا أمام غطرسة الاحتلال وعنجهيته وعربدته دون رادع، وكأن حقون الانسان
وميثاق الامم المتحدة وضع على مقاسات الاحتلال دون الفلسطينيين المتمسكين بأرضهم والمنافحين
عن كرامتهم منذ 70 سنة، وعلى الرغم من أن الشعوب العربية والاسلامية تواصل تضامنها
الكبير، إلا أن الموقف الرسمي العربي والدولي لا يرقى إلى حجم الكارثة الإنسانية
التي تعصف بغزة في كل لحظة.
إن غزة تعيش اليوم واحدة
من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخها، إذ يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في ظل حصار
وتجويع خانق لم تشهده الانسانية من قبل، اضافة الى إنعدام الخدمات الأساسية لحياة
الناس، فتعطيل المستشفيات والمرافق الحيوية، مع نقص شديد للدواء والمستلزمات
الطبية، وأصبح إنقاذ المصابين شبه مستحيل، في حين تملأ الغارات الإسرائيلية
المستمرة الشوارع بالجرحى والموتى أمام مرأى العالم الذي يدعي حقوق الانسان!!
ومع هذا كله، ففي كل
يوم، تحصد غارات الاحتلال عشرات الأرواح من المدنيين الذين يعيشون منذ سنة في تشريد
متواصل، فالعائلات تُقتل تحت الأنقاض، بينما أغلب المستشفيات خرجت عن الخدمة ولا
تملك القدرة على استيعاب هذا العدد الكبير من الجرحى والمصابين، وبالرغم من أن صور
المجازر تتناقل عبر وسائل الإعلام، إلا أن التحرك الدولي لوقف هذه الجرائم يكاد
يكون معدومًا.
إن بعض الشعوب العربية
لا تزال تعبر عن تضامنها مع غزة، بالتظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي تنتشر في
شوارع العواصم العربية، حيث يهتف الناس لدعم الشعب الفلسطيني، ويطالبون بوقف القصف
ورفع الحصار، ووسائل التواصل الاجتماعي تشتعل يومياً بالغضب والحزن، والتعاطف
الشعبي مع غزة يتواصل يومًا بعد يوم.
لكن المؤسف هو الموقف
الرسمي العربي الذي بات خجولاً ومحدودً، فبعض الدول العربية اكتفت بإصدار بيانات
شجب واستنكار، دون اتخاذ خطوات فعلية للضغط على المجتمع الدولي لوقف المجازر
المتكررة يومياً، بل ربما هناك دول عربية أخرى أصبحت قريبة من التطبيع مع الكيان،
مما يزيد من شعور الشعوب العربية بالخيانة والخذلان.
وعلى ما يبدو فإن
الحسابات السياسية والتوازنات الإقليمية قد طغت على المسؤولية الأخلاقية
والإنسانية تجاه غزة، فبعض الحكومات العربية التي كانت في السابق الداعم الرئيسي
للقضية الفلسطينية، تراجعت في مواقفها، وتركت القطاع المحاصر يواجه مصيره وحده دون
تدخل مباشر لإنهاء هذه المأساة.
وليسمع العالم أن كل
يوم جديد يزيد من الكارثة الانسانية في غزة، لان استمرار القصف على غزة يخلف عشرات
القتلى ومئات الجرحى من الاطفال والنساء، وربما العائلات تُقتل في مكانها مرة
واحدة، والأطفال يُدفنون تحت الأنقاض، بينما يعجز العالم عن اتخاذ أي موقف إنساني حقيقي
لوقف هذه المجازر الوحشية.
ان الشعوب الحرة لم تعد
تحتمل تلك الصور اليومية المؤلمة للضحايا ومشاهد الجثث المنتشرة في شوارع غزة التي
يعرضها الاعلام أمام أعين المجتمع الدولي، وان الردود الدولية لاتزال معيبة ولا
تتجاوز كلمات الاستنكار والقلق، ففي ظل هذا العجز الدولي، يُترك الفلسطينيون وحدهم
في مواجهة واحدة للموت بأبشع حملات القتل والتدمير في العالم.
ورغم أن غزة تعيش كارثة
إنسانية غير مسبوقة، إلا أن المجتمع الدولي صامت ويبرر عربدة الاحتلال بذريعة
الدفاع عن النفس، وإذا صحى قليلاً من رقدته أمام الكوارث الانسانية للفلسطينيين
فإنه يكتفي بإصدار بيانات خجولة لا ترقى إلى حجم الكارثة، فهل الدول الكبرى، التي
تدعي دعم حقوق الإنسان، تلتزم الصمت أو تكتفي بتصريحات رمزية دون أي خطوات عملية
لوقف شلالات الدم والموت اليومي والتجويع والاذلال وامتهان الكرامة وسلب الارادة
في الدفاع عن النفس والارض والمقدسات؟!!
إن الموقف الرسمي
العربي قد تراجع كثيراً وبشكل ملحوظ عن السابق في دعم القضية الفلسطينية، وكان
الاجدر بالحكومات العربية حمل القضية الفلسطينية على أكفهم والطواف بها في المحافل
الدولية والضغط على المجتمع الدولي لإنهاء المعاناة، ففي هذه المعركة تمايزت
الصفوف ولا ينبغي التخلف عن الدور المنوط بهم، ولا استبعد ربما بعض المسؤولين
العرب لم يعودوا يروا في غزة أولوية في مسؤولياتهم، وتركها تواجه مصيرها وحيدها،
فإذا اختلفوا مع المقاومة يجب ان لا يختلفوا على حقوق الشعب الفلسطيني وحياة حرة
كريمة له تليق بمكانة الفلسطينيين التاريخية في الحفاظ على المقدسات التي يرتفع
بها كل مسلم وعربي على وجه الارض.
يا احرار العالم ويا
اصحاب الضمير الحي، إن ما يحدث في غزة يتطلب تحركًا عاجلًا لتشكيل موقف موحد يحرّك
المجتمع الدولي للتدخل المباشر ووقف المجازر ورفع المعاناة وحقن دماء الابرياء،
وهذه ليست مسؤولية أخلاقية فقط، بل هي التزام قانوني وفقًا للمواثيق الدولية، ويجب
ان تفهم الشعوب الحرة هذه المسؤولية وتطالب حكوماتها بالتحرك الفعلي لإنهاء معاناة
الفلسطينيين، لأن الحكومات لا تزال مقيّدة بحسابات سياسية وإقليمية، ولعل هذا
التحرك هو الصدمة الكهربائية المنتظرة، وإن أحوج ما نحتاجه الآن هو تحرك دولي
وعربي جاد يضع حدًا لهذه المجازر ويخفف من معاناة الأبرياء في غزة وبالخصوص في
جباليا وبيت لاهيا، لأن كل يوم يمر دون تدخل هو يوم جديد من الدماء والاشلاء
والكوارث والدمار.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر
عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.