تفكيك منظومات الاستبداد (٤٥): يا ثوار سوريا.. أقيموا حد الحرابة على المغتصبين
بقلم: جاسر عودة
إذا كنتَ حاكمًا أو مسؤولًا في دولة، فلا يصح شرعًا ولا عقلًا أن تضع اللين أو الرحمة في غير موضعها، وإلا كنت مخلًا بأمانة الحكم ومعطلًا لفرائضه التي فرضها الله، وإن قلتَ -وأنت حاكم مسؤول في دولة- إنك لا تحب أن تلقى الله وعلى يديك دماء أحد حتى القتلة والسفاحين والمغتصبين، فأنت ضعيف، ولا ينبغي أن تتصدى لأمانة الحكم لأنك لست أهلًا لها، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي اؤتمن عليه فيها، وقتل القتلة العامدين والمغتصبين المحاربين من حقها وأمانتها. لن تكون أرحم من محمد ﷺ الذي أرسله الله رحمة للعالمين، والذي عفا -كمثال- عن أهل مكة عفوًا عامًا ولكنه في نفس الوقت أمر بقتل عتاة المجرمين ولو تعلقوا بأستار الكعبة.
ومنذ أن قامت (الثورة المضادة) بفتح السجون لقمع الثورات التي قامت على الأوضاع الفاسدة الظالمة في عالمنا العربي، كنا نظن أن الاغتصاب في سجون طواغيت العرب حالات فردية، وقد وصل إليَّ -شخصيًا- عدد محدود من الأسئلة على مدار السنوات العشرة الماضية تستفتي في جواز الإجهاض من الحمل من الاغتصاب في السجون المصرية، فظننت أنها حالات شاذة. إلا أن الذي يتكشف هذه الأيام -من شهادات الأسرى المحررين من السجون السورية ومن وجود الأطفال في تلك السجون- هو أن اغتصاب النساء في سجون الثورة المضادة كان سياسة متبعة وحربًا ممنهجة وجريمة مقصودة، وهذا مستوى مختلف من الشيطنة والإجرام يتطلب اجتهادًا مختلفًا للتعامل معه في شرع الله وقوانين العدالة، ويتطلب حسمًا وحزمًا لا يتنافى مع العفو العام عن أصحاب الخلاف السياسي، أو حتى العفو عن المقاتلين والجنود الذين استسلموا بعد هزيمتهم في الحرب، محاربين لمحاربين.
ومن باب أداء أمانة العلم بالتشريع الجنائي الإسلامي وفي سياق فقه الواقع الحالي، فإنني -كأخ محب وطالب علم متخصص- أهيب بالإخوة الثوار في سوريا باعتبار الاغتصاب جريمة حرابة متكاملة الأركان، وتطبيق ”حد الحرابة“ الشرعي على مغتصبي النساء في السجون، ومعهم كل من أمر بتلك الجريمة وسهّل وقوعها ممن فوقهم من صانعي السياسات الأمنية إلى رأس الهرم. قال تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم - المائدة ٣٣).
وإدخال المغتصب في حد الحرابة ليس غريبًا على الفقه الإسلامي. صحيح أن بعض الفقهاء في تاريخنا لم يدخلوا ما اصطلح على تسميته بـ ”الحرابة في الفروج“ في حد الحرابة واقتصروا على جريمة سرقة الأموال بقطع الطريق، إلا أن هذا رأي ضعيف يستند على شكلية وحرفية لا دليل عليها، ويفوت المقصود الأصلي من هذه العقوبة المفروضة في شريعة الإسلام، حتى أن ابن حزم الأندلسي رحمه الله الذي عُرف عنه ظاهريته وحرفيته الشديدة لما عرّف الحرابة التي تستوجب الحد كتب يقول عنها: ”كل من حارب المار أو أخاف السبيل بقتل نفس أو أخذ مال أو الجراحة أو انتهاك فرج فهو محارب“ (المحلى ١١/٣٠٨)، فاعتبر انتهاك الفروج بالاغتصاب من أنواع الاعتداء كالقتل والسرقة والجراحة، وهو قياس بالأولى على أي حال لأنه أشد إفسادًا، وإذا كان من يفعل ذلك بالمارة في الطريق مجرمًا، فالذي يفعله بالمسجونات تحت مسؤوليته في سجن حكومي أفحش اعتداءًا وأشد جرمًا، وأكثر استحقاقًا للخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة.
وصدق ابن العربي المالكي رحمه الله حين كتب عن هذه المسألة يقول: ”سألت من كان ابتلاني الله به من المفتين [أي عن الحرابة في الفروج] فقالوا ليسوا محاربين لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج فقلت لهم إنا لله وإنا إليه راجعون ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته ولو كان فوق ما قال الله عقوبة [يقصد آية الحرابة] لكانت لمن يسلب الفروج، وحسبكم من بلاء صحبة الجهال وخصوصا في الفتيا والقضاء“ (أحكام القرآن ٢/٩٥).
والحرابة في الفروج هو نفسه مصطلح ”الاغتصاب“ القانوني الذي نعنيه هنا، وهو الذي حكم به عدد من المجامع الفقهية المعاصرة وقوانين العقوبات في بلاد الأغلبيات المسلمة بالإعدام أو السجن المؤبد على مرتكبه، وهي فتوى متكررة من دار الإفتاء المصرية، وتُرجمت مؤخرًا إلى قانون رقم ١١ لسنة ٢٠١١م ونص المادة ٢٦٧: "من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب بالإعدام“، واعتبار الاغتصاب من الحرابة هو أيضًا فتوى هيئة كبار العلماء في الدورة الثامنة عشرة لمجلس هيئة كبار العلماء بالطائف (قرار رقم ٨٥، ١٤٠١ هـ)، وذكرت نفس الحكم دائرة الإفتاء بالأردن ضمن قرارها (رقم ٢٠٤ - ٢٠٠٤م بتاريخ ١٦ من ذي القعدة ١٤٣٥ هـ)، وهو من القوانين والفتاوى الرسمية في عدد من بلاد الأغلبيات المسلمة، وإن لم تكن كلها.
يا إخواننا الثوار، لا يمكن أن يبدأ عهد جديد في سوريا إلا بالقصاص في هذه الجريمة، ولابد من تطبيق الحكم: (أن يُقَتَّلوا) بتشكيل قوة خاصة لاعتقال ومحاكمة -بشكل ناجز- وإعدام كل من تورط في اغتصاب النساء في الجهاز الأمني كله، ومعهم كل من أمر بذلك ممن فوقهم في سلم صانعي السياسات الأمنية حتى رأس الهرم، وأن يتم ذلك في أبشع صورة ممكنة، وأقترح أن تكون العقوبة بالرمي بالرصاص بعد ربطهم على هيئة الصلب، وذلك حتى تبدأ الحكومة الجديدة بوضع الأساس لثقافة جديدة في عهد جديد يحترم كرامة الإنسان وأعراض الناس. ليس وراء هذا الإجراء حكم عادل حقيقي ولا مصالحة وطنية رشيدة. والله المستعان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د. جاسر عودة: عضو مجلس الأمناء ورئيس لجنة التعريف بالإسلام في الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين.
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة
عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.