نخبة من الباحثين يناقشون الإسلام
والمسلمين: الجذور التاريخية والامتداد في السياق الفرنسي
في إطار سلسلة الندوات العلمية التفاعلية التي يقدمها
مركز اجتهاد للدراسات والتكوين في بلجيكا، أقيمت الندوة التفاعلية الرابعة تحت
عنوان: “الإسلام والمسلمون في السياق الفرنسي: الجذور والامتداد التاريخي”، وذلك
يوم السبت 7 ديسمبر 2024، عبر تقنية التحاضر عن بُعد، بمشاركة مجموعة من الخبراء
والباحثين البارزين.
وقد شارك في الندوة كل من: الدكتور موسى مرغيش، مؤسسة
رهانات في ليل-فرنسا، والدكتور يوسف نويوار، أستاذ وباحث بجامعة بول فاليري
مونبيلي-فرنسا، والدكتور بدران بن لحسن، الباحث في مركز ابن خلدون للعلوم
الإنسانية والاجتماعية-جامعة قطر، بينما قامت الأستاذة صابرين البقالي، مديرة مركز
اجتهاد، بتسيير الندوة.
كما ألقى الدكتور بولعوالي التجاني، رئيس مركز
اجتهاد، كلمة افتتاحية تحدث فيها عن أهداف الندوة وأحدث المبادرات التي قام بها
المركز.
افتتحت الندوة بمداخلة للدكتور موسى مرغيش تحت عنوان
"مرتكزات فهم الحضور الإسلامي في فرنسا"، حيث تناولت مداخلات هامة حول
كيفية دراسة الحضور الإسلامي في فرنسا من منظور تاريخي ومعاصر.
كما شدد على ضرورة التعامل مع هذا الموضوع بجدية
وصرامة، وأهمية استيعاب السياقات التاريخية التي شكلت هذا الحضور.
وقد قسّم الدكتور مرغيش مداخلته إلى ثلاث نقاط
أساسية: الأولى تتعلق بمعضلة الدين في التاريخ الفرنسي، والثانية تناولت جهود
فرنسا في التعرف على الإسلام والمجتمعات الإسلامية، مشيرًا إلى أن اللقاء بين
فرنسا والإسلام ليس حديثًا، بل يعود إلى العصور الوسطى مع لقاء شارلمان مع هارون
الرشيد، ثم مرّ بتجربة الاستعمار وصولًا إلى العصر الحالي.
أما النقطة الثالثة فكانت عن التحديات التي يواجهها
المسلمون في فرنسا، لا سيما في غياب قوانين تحمي الأقليات الدينية والإثنية.
كما اختتم الدكتور مرغيش مداخلته بالإشارة إلى ثلاثة
تيارات رئيسية ساهمت في تشكيل صورة الإسلام في فرنسا: التيار الرومنسي، تيار
الإسلاموفيل، في مقابل تيار الإسلاموفوبيا.
مأسسة الإسلام في فرنسا
ونقد الاستعمار الفرنسي
في المداخلة الثانية التي حملت عنوان: "مأسسة
الإسلام في فرنسا"، تناول الدكتور يوسف نويوار السياق التاريخي المعاصر لوجود
الإسلام والمسلمين في فرنسا منذ السبعينات وحتى اليوم. وقد طرح العديد من الأسئلة
التي كانت محور مداخلته، مثل: من هم مسلمو فرنسا؟ وهل يمكن الحديث عن أقلية مسلمة
منسجمة؟ كيف استطاع المسلمون إثبات وجودهم في المجتمع الفرنسي؟ وكيف تفاعلت
الحكومة الفرنسية مع هذا الحضور؟ وما هي الهيئات والمنظمات التي تمثل المسلمين
أمام الدولة؟.
واختتم الدكتور نويوار مداخلته بالإجابة على تلك
الأسئلة، مشيرًا إلى أن مطالب المسلمين في البداية كانت تركز على إنشاء المساجد
وتعليم الدين الإسلامي للأجيال الجديدة، ثم تطورت هذه المطالب إلى مطالب أوسع لفرض
الوجود الإسلامي في المجتمع الفرنسي.
وخلص إلى أن الحضور الإسلامي في فرنسا تحقق من خلال
ديناميتين: الأولى أفقية، تتعلق بالحاجيات الدينية والثقافية التي طالب بها
المسلمون منذ السبعينات، والثانية عمودية، تتعلق بتدبير الحكومة الفرنسية،
والمنتخبين، والمجتمع المدني، والدول الأصلية للمهاجرين.
أما المداخلة الثالثة، فكانت للدكتور بدران بن لحسن عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، تحت عنوان: "نقد مالك بن نبي للظاهرة
الاستعمارية مع التركيز على مسار الاستعمار الفرنسي في الجزائر وآثاره على الثقافة
والمجتمع".
وقد تناول الدكتور بدران بن لحسن الموضوع من منظور
مالك بن نبي، حيث قدم قراءة فكرية تساهم في فهم اللقاء الحضاري بين المسلمين
والأوروبيين، وتحديدًا بين المسلمين والفرنسيين من خلال الاستعمار.
واستعان الدكتور بدران بن لحسن بنظرية "القابلية
للاستعمار" عند مالك بن نبي، وكذلك مفهوم "تبعية الغالب للمغلوب"
عند ابن خلدون، مشيرًا إلى الشعارات التي استخدمها الغرب لتبرير استعمار الشعوب،
مثل "عبء الرجل الأبيض"، الذي كان يزعم أن على الرجل الأبيض المتفوق
حضاريًا توعية "الهمج" من شعوب المستعمرات.
كما تناول آليات الاستعمار، التي شملت فرض النظام
الاقتصادي الغربي، وفرض المعايير الثقافية الغربية، وخلق الانقسامات بين الشعوب
المستعمرة.
وفيما يتعلق بالجزائر، أشار الدكتور بدران إلى أن
الاستعمار الفرنسي أدى إلى نتائج شديدة الوضوح، أبرزها التنصير، والفرنسة،
والتجهيل، والإفقار.
تطلعات جديدة لمواصلة
الحوار حول الإسلام في الغرب
وفي ختام الندوة، أكد الدكتور التجاني بولعوالي، رئيس
مركز اجتهاد ورئيس تحرير مجلة "اجتهاد" للدراسات الإسلامية والعربية في
أوروبا، على أن هذه الندوات تندرج ضمن مشروع كبير رغم قلة الإمكانيات المتاحة.
وأوضح أن هذه الندوات تُعتبر مرحلة تأسيسية لما
سيتبعها من ندوات ومحاضرات، حيث أعلن عن تنظيم الندوة الخامسة في هذا الشهر حول
السياق الفرنسي أيضًا، تليها ندوة في بداية العام المقبل حول سياق أوروبي آخر، مع
احتمال الانتقال لاحقًا إلى سياقات أخرى خارج السياق الأوروبي مثل السياق الأمريكي
والكندي، ثم إلى مناقشة قضايا عامة تهم المسلمين في الغرب.
وأشار إلى تطلعه لجمع هذه السياقات المختلفة في
كراسات خاصة سيتم نشرها لاحقًا.
كما أشاد الدكتور بولعوالي بمجلة "اجتهاد"،
معتبرًا إياها المجلة الدورية العلمية الأوروبية الأولى ذات المرجعية الإسلامية
المتخصصة في دراسة الإسلام في أوروبا من منظور إسلامي داخلي.
وفي الختام، فتح باب النقاش للمشاركين من طلبة
وباحثين وخبراء ومهتمين، الذين أثروا الندوة بعدد من الأسئلة والمداخلات التي
تناولت أهم جوانب جذور الوجود الإسلامي في فرنسا وامتداده التاريخي.
هذه الندوة تمثل خطوة هامة في تعزيز الفهم المتبادل
وتوسيع آفاق الحوار بين الإسلام والمجتمعات الغربية.
المصدر: كش بريس