البحث

التفاصيل

السنغال: جمعية أنصار القرآن في تياس تنظم ندوة علمية متميزة حول سورة الكهف بمشاركة نخبة من العلماء

الرابط المختصر :

السنغال: جمعية أنصار القرآن في تياس تنظم ندوة علمية متميزة حول سورة الكهف بمشاركة نخبة من العلماء

 

نظّمت جمعية أنصار القرآن السنغالية يوم السبت 14 ديسمبر، في مسجد قباء بمدينة تياس بجمهورية السنغال، ندوة علمية بعنوان: "سورة الكهف"، بمشاركة نخبة من العلماء والباحثين.

وقدم عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور أنجوغو امباكي صمب محاضرة بارزة بعنوان: "البعد السياسي في سورة الكهف"، والتي ألقاها باللغة الولوفية، اللغة المحلية الأكثر انتشارًا في البلاد، مما أتاح وصول الرسالة إلى شريحة واسعة من الجمهور.

وسلط الدكتور صمب الضوء على الجوانب السياسية المتعمقة في سورة الكهف، مما أثار تفاعلًا كبيرًا بين الحضور. إلى جانب ذلك، قدّم أستاذ التفسير بابكر سار، والأستاذ لمين جوب، والأستاذ حضرمي انجاي أوراق عمل ثرية تناولت محاور متعددة حول السورة.

الندوة شهدت حضورًا مميزًا من شخصيات بارزة، منهم الوزير السابق للاقتصاد عبد الله جوب، وإمام مسجد قباء الشيخ خليفة امباي، وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور عبد الله لام.

كما شارك وفد البعثة الأزهرية في السنغال، والأستاذ الجامعي يونس آن، والمدير الأسبق لمكتب الندوة العالمية في السنغال الأستاذ سيدي غالي لوح، ورئيس جمعية أنصار القرآن الحسين انيانغ، ومديرة مدرسة المنبع الإسلامي الحاجة زينب جوب.

وتميزت الفعالية بتنوع الحضور، حيث جمعت مدرسي القرآن الكريم في مدينة تياس، وعددًا من ممثلي الطرق الصوفية، إضافة إلى وفد من مصلحة مفتشية العمل التابعة لوزارة العمل.

وتأتي هذه الندوة ضمن جهود جمعية أنصار القرآن لتعزيز الوعي القرآني وتسليط الضوء على الأبعاد المختلفة للقرآن الكريم، بما يعكس عمق الرسالة الإسلامية ويؤكد على أهمية القيم الإنسانية والاجتماعية التي يحملها الكتاب العظيم.

(نصّ مداخلة الدكتور انجوغو امباكي صمب)

محاضرة: مقاصد السياسة الشرعية من خلال قصة ذي القرنين

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إن القرآن الكريم كتاب الله المنزل، وهو شامل لكل زمان ومكان، يتناول جميع شؤون الحياة، من الدين والأخلاق إلى السياسة والاقتصاد، قال تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:89] ومن أهم مقاصد القرآن الكريم وموضاعاته الأساسية ما يتعلق بتدبير الشأن الام لجماعة المسلمة بما تحقق لها المصالح وتدفع عنهم المفاسد، قال ابن عاشور رحمه الله في معرض ذكر مقاصد القرآن في مقدمة تفسيره الفريد : "سياسة الأمة وهو باب عظيم في القرآن القصد منه صلاح الأمة وحفظ نظامها"[1]

 وقد اختار الله تعالى أن يورد لنا في كتابه قصصًا كثيرة لأممٍ مضت، وعبر عن حياتهم وأعمالهم، وذلك ليكون لنا عبرة وعظة، وليعلمنا كيف نتعامل مع الحياة الدنيا، وكيف نستعد للحياة الآخرة.

ومن مسالك القرآن الكريم في بيان مقاصد السياسة الشرعية ذكر قصص الملوك الصالحين والقادة الفاتحين العادلين، ولا شك ان من أبرز هذه القصص قصة ذي القرنين، والتي وردت في سورة الكهف (الآيات: من 83 إلى 98) وهي قصة تحمل في طياتها الكثير من الدروس والعبر، وتكشف لنا عن جوانب مهمة من السياسة الشرعية، والتي هي مجموعة القواعد والمبادئ التي تحكم طريقة تدبير شؤون المجتمع والدولة على هدى من الله وما شرعه لعباده من لإسعاد البشرية وإقامة القسط بين الناس.

أولا: التعريف بمقاصد السياسة الشرعية:

مقاصد السياسة الشرعية هي ((الحكم والغايات والأسرار التي من أجلها شرعت الأحكام المتعلقة بتدبير الشأن العام للأمة)) أو هي: ((المصالح والمنافع الناتجة عن التشريعات الإسلامية المتعلقة بالإمامة والولاية )) والله أعلم. [2]

فمن أمعن النظر في الأحكام المتعلقة بالسياسة وتدبير الشؤون العامة والخاصة للأمة يجد أن للشارع الحكيم مقاصد وغايات وحكما وأسرارا يريد تحقيقها من خلال تلك التشريعات، وهي تلك المقاصد الكلية التي نص عليها في بعض الأدلة، أو استنبطها العلماء من النصوص الشرعية، وفق المنهج الأصولي في الكشف عن المقاصد والغايات الشرعية.

ثانيا: من هو ذو القرنين؟

ذي القرنين هو رجل صالح أوتيه الله من الملك ما لم يؤت أحد من قبله، فقد ملك أقطار الأرض، وسافر شرقًا وغربًا، وقهر العديد من الشعوب، ولكن لم يجعل ملكه وسلطانه سببًا للطغيان والاستبداد، بل استخدمه في خدمة الإسلام والمسلمين، وفي نشر العدل والإنصاف بين الناس.

أهم مقاصد السياسة الشرعية من خلال قصة ذي القرنين.

1-         إقامة الدين ونشر القيم والأخلاق النبيلة.

إن ذا القرنين من أعظم الفاتحين الذين عرفهم التاريخ، وقد مكنه الله له في الأرض لنشر دينهم وإعلاء كلمته وبسط العدل والاستقرار في اقطارها، قال تعالى { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف: 84] والله تعالي لا يمكن في الأرض إلا المصلحين الذي يقيمون دينه ويسوسون الناس على ضوء شرعه ومنهاجه ويقيم القسط ، قال تعالى { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 40، 41 ]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (( فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانًا مبينًا ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا، وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم ...، فإذا اجتهد الراعي في إصلاح دينهم ودنياهم بحسب الإمكان كان مِن أفضل أهل زمانه وكان من أفضل المجاهدين في سبيل الله ))[3].

2-         العدل والإنصاف:

العدل والإنصاف من أهم مقاصد السياسة الشرعية، قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]

من أهم المقاصد التي ظهرت جليًا في قصة ذي القرنين هو العدل والإنصاف، فقد تعامل مع جميع الشعوب التي قابلها بعدل وإنصاف، حتى مع الذين كفروا به، فقد أعطى كل ذي حق حقه، ولم يظلم أحدًا، قال تعالى {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} [الكهف: 86/88]

3-         تحصيل القوة واستعمالها في الإصلاح والبناء والتعمير :

 ومن مقاصد السياسة الشرعية والتوجيهات الربانية للجماعة المسلمة تحصيل القوة وعدم الضعف والاستكانة، قال تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[الأنفال: 60، 61] والقوة تشمل الوحدة وامتلاك كل أنواع القدرات المادية من اقتصاد وتكنولجيا وقوة عسكرية وغيرها مما تنهض بها الدول والشعوب، قال ابن عاشور رحمه الله تعالى "فمن مقاصد الإسلام أن تكون الأمة الإسلامية مرهوبة الجانب محترمة، منظور إليها في أعين الأمم الأخرى نظرة المهابة والوقار، يخشون بأسها ليردعهم عن مناوشتهم إياها وتكدير صفو الأمن فيها[4]"

ولقد مكن الله لذي القرنين و كان قويًا قادرًا على حماية شعبه، وفي نفس الوقت كان عادلًا لا يظلم أحدًا، وكان دولته ذات قوة عسكرية كبيرة مكنته من فتح البلاد ونشر دين الله تعالى، وكما كانت تعتمد على نفسها في الصناعة والبناء وإقامة البنى التحتية، كل ذلك في تعاون مع الأيدي الوطنية والمهارات المحلية المدربة من شعبه {قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 94/97]

4-         الرأفة والرحمة بالرعية وعدم إثقال كواهلهم بالضرائب أو أكل أموالهم بغير الحق.

فخير الأمراء والحكام هم الرحماء لشعوبهم المحبون لهم، وعن عوف بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم ))، قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: (( لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة)).[5]

ومن الرحمة بالرعية حفظ المال العام وإنفاقه فيما يحقق مصالحهم من تعليم وصحة وتوفير الغذاء وبناء المرافق ونحوها، كان عمر يحلف على أيمان ثلاث: يقول: ((والله ما أحد أحق بهذا المال من أحد، وما أنا بأحق به من أحد، والله ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا المال نصيب إلا عبدا مملوكا، ولكنا على منازلنا من كتاب الله تعالى وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم : فالرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجل وقدمه في الإسلام، والرجل وغناؤه في الإسلام، والرجل وحاجته، و والله لئن بقيت بهم ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو يرعى مكانه)) . [6]

5-         التوكل على الله تعالى في إقامة المشاريع والشكر له بعد الإنجازات الكبيرة.

فم يكن ذو القرنين من الحكام الذي يعتمدون في بناء دولهم على الخارج، ومن ثم يخضع لضغوطهم وإملاءاتهم، بل كان يستعين بالله تعالى ثم بقدرات دولته وسواعد شعبه وكفاءاته، قال تعالى {قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف: 94، 95]

وقال تعالى {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف: 97، 98].



[1]ابن عاشور، التحرير والتنوير، 1/36، ط 1420هـ

[2] انجوغو امباكي صمب، من المقاصد الكلية للسياسة الشرعية، ص 41، ط 2، 2024م

[3] السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية ، تأليف أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ، ص35 ،

[4] أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ، ص 216

[5] صحيح مسلم ، 3/1481 ، برقم ( 1855)

[6]  مسند أحمد ، 1/389 ، برقم ( 292 )


: الأوسمة


المرفقات

التالي
عواصم ومدن أوروبية تشهد مظاهرات واسعة تنديدًا بالإبادة في غزة وتضامنًا مع الفلسطينيين
السابق
مقارنة بين منهج الشاطبي ومنهج ابن عاشور في مبحث المقاصد

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع