البحث

التفاصيل

انتصار على طاغية: مكاسب ومحاذير!!

الرابط المختصر :

انتصار على طاغية: مكاسب ومحاذير!!

الكاتب: التهامي مجوري

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

عندما انطلق الحراك السوري في سنة 2011، رفع شعارات كثيرة تندد بالظلم والاستبداد وغير ذلك من مظاهر الإهانة، منها "الشعب ما ينذل"، و"عليك الدور يا دكاتور"، فعبر بذلك على حقيقة تسكن عمق الشعب السوري العربي الأصيل، فكان من طبيعة النظام السوري المتغطرس، أن يرد وفق منظومته الاستبدادية بشعار مقابل يعبر به عن طغيانه "الأسد أو نحرق البلد"، ولما روجع رأس الدولة ممن اتصل به، عدل الشعار فأصبح "الأسد أو لا أحد".

وقد حقق الله للشعب السوري مبتغاه، بعدما عن رفضه الذل عبر تمرد شعبي دام ثلاثة عشر عاما من المقاومة بجميع أشكالها، وكانت نهاية النظام بهروب الدكتور، وانتهى الطاغية إلى ما انتهى إليه.

وهنا كانت بداية الفرحة العارمة التي فرحها الشعب بعد أكثر من نصف قرن من الطغيان السياسي والتطرف السلطوي الطائفي والإذلال المتعمد، لكي لا يكون مستقبلا لهذا البلد الطيب، إلا في ظل استبداد الأسد وآله... وإلى جانب هذه الفرحة توجد محاذير لا بد من الانتباه إليها والتنبيه عليها، بحكم المكانة التي تتمتع بها الجمهورية العربية السورية، تاريخا وجغرافية وثقافة وحضارة وواقعا، فهي في موقع الابتلاء المستمر، مجبرة على قبول التحدي، كيفما كان، وبأي صورة كان، ومهما كلفها ذلك من ثمن.

سوريا محاطة بقوى لها مكانتها وثقلها، ولها مصالحها، ولها مواقفها منها ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ومن ثم كتب على الشعب السوري قبول التحدي والتفاعل المناسب لهذا الواقع بكل مكوناته، لتحقيق ما يطمح إليه، وما ينتظره منها المجتمع العربي والإسلامي... فهي في واقع لا تحسد عليه، كما أنها مؤهلة لخوض التجربة كما خاضتها قديما وستنجح بإذن الله؛ لأن العمق الحضاري الثقافي للشعب السوري، لا يسمح له بالرضا بالدنية، ولعل ما عاشه خلال فترة حكم العائلة العلوية الطائفية، يمثل الشاذ الذي يحفظ ولا يقاس عليه.

وبعيدا عن نشوة الفرح التي شاركنا بها إخواننا في سوريا، وتشاؤل الذين ينظرون إلى سقوط نظام الأسد، سقوك لطرف مقاوم يأسفون له، فإن الشعب السوري قد حقق مكسبا مهما، ولكن ما ينتظره من صعوبات، وما سيواجهه من مصاعب ليس بالهين، على شعب كان "مستعمرا" استعمارا طائفيا، تحت غطاء العروبة والمقاومة... نظام مبني على 70 بالمائة من جيشه من طائفة واحدة ومن والاها، وتشكيلة أمنية بلغ تعدادها نصف مليون من عناصر الأمن والمخبرين...

فعلى المستوى الخارجي، وبالضبط على الحدود يوجد الكيان الصهيوني عدو الأمة الأول والممثل للقوى الاستعمارية الغربية كلها، وما قام به هذا الكيان، إثر سقوط نظام الطاغية، غني عن التعليق، وكأن ما قام به كان بترتيب مع النظام السابق وبإقرار تآمري دولي على سوريا ومستقبلها، والذين يتباكون عن تحطيم الأسلحة المخزنة في "حوانيت" محور المقاومة، لم يسألوا أنفسهم –مجرد سؤال- ماذا فعل محور المقاومة بهذه الأسلحة؟ الكيان الصهيوني كان واضحا فيما فعل حيث قال إنه يخاف أن تقع هذه الأسلحة بيد آخرين لا يُؤْمن جانبهم، ولا تربطنا بهم أية اتفاقية، أما محور المقاومة!! فكان ملتزما باتفاقيات 1974، التي تمنع النظام الطائفي من غزو الكيان الصهيوني!! ولكنهم لم يتورعوا في اتهام المسؤولين الجدد بالتساهل مع هذا الكيان الغاصب، ويلومونهم على عدم الرد أو التنديد بما فعل الصهاينة، وكأن هؤلاء المسؤولين الجدد دخلوا البلاد على ظهر دبابة أمريكية أو روسية كما فعل إخوان لهم من قبل.

وإلى جانب الكيان، توجد دولة العراق، الشقيق الذي كُتِب عليه أن يكون عدوا لسوريا طيلة عمر الحكم الطائفي، وسيستمر هذا العداء بكل أسف؛ لأن النظام العراقي تغير بعد سقوط صدام حسين، وهو الآن محتل إيرانيا...، بصورة ما وبتواطؤ من قوى داخلية تابعة لإيران، وهو يتململ بحثا عن التخلص من هذا الاحتلال الطائفي الصفوي الذي لا يرقب في عربي أو سني في المنطقة إلا ولا ذمة.

وإذا كانت سوريا مطالبة بالنسبة للموقف مع الكيان باحتضان المقاومة؛ بل والمساهمة في رفع الغبن عن الشعب الفلسطيني، وهو تحصيل حاصل ولا أظن أن السوريين في حاجة لمن يعطيهم الدروس في ذلك، وكما أسقطوا طاغية كان يعد من فطاحلة المساومين والمتاجرين بالقضية الفلسطينية وباحتضان المقاومة، سيساهمون حتما بالقدر الذي تسمح به لهم ظروفهم، ريثما تتعدل الخريطة الجديدة التي ستكون للشرق الأوسط والمنظومة الدولية الجديدة، فإنها سوف تكشف لنا عن العبقرية السورية في معالجة قضايا دول الجوار مع العراق ولبنان خاصة. البلدان اللذان لها بهما علاقة مباشرة.

ولبنان الجار الذي كان يحتله النظام السوري لسنوات بمبررات أوضح ما فيها أن لبنان موقع جغرافي لتصفية الحسابات الدولية، وكما يقال في العلاقات الدولية "بؤرة توتر"، لكن الدور السوري فيه كان بمثابة الوصي الذي لا يأذن للبناني بالحركة إلا بإذنه، ولم يغادر هذا النظام السوري لبنان إلا بعد أن ترك دولة رهينة لحزب في تحالف مشبوه بينه وبين إيران وهذا الحزب الذي هو حزب الله، في إطار خدمة الدولة الإيرانية وخطتها الاستراتيجية، التي لا علاقة لها بما يعلن من قضايا إلا بمقدار... ومنها المقاومة رأس المال الرابح.

والله لا أريد أن أذكر بسوء أو أشكك في نية من بذل أو أنفق ولو دولارا واحدا في سبيل المقاومة، ولكن ما حيلتي عندما أرى شعبا مرتهنا لصالح دولة، مثلما ارتهن حزب الله دولة لبنان، وارتهن نظام الطاغية بشار أسد الشعب السوري؛ بل ويقاتل حزب الله الشعب السوري إلى جانب النظام الطاغية الأسد، وكل ذلك بحجة الانتصار لمحور المقاومة... أية مقاومة هذه التي هجَّرت الفلسطينيين واخرجتهم من لبنان وهم أول المعنيين بالمقاومة، وتمنع المقاوم من أي جهة كانت إن لم يكن من الذين تزكيهم إيران وحزب الله.

ولعل الجار الأقل خطورة هو النظام التركي، الذي ساند السوريين في معركتهم مع نظامهم الفاسد، وأقول الأقل سوءا؛ لأن النظام التركي أيضا ليس جمعية خيرية، فهو دولة لها طموحاتها ولها موقعها ومكانتها في المنطقة، ومن ثم فإن الأتراك سوف يعملون على تحقيق مصالح بلادهم تجاه سوريا وتجاه غيرها، ورغم أن الأتراك كانوا على عداء دائم مع البعثيين في سوريا، ولكنهم لن يكونوا مع النظام الجديد كما كانوا من قبل، مثلما نتوقع موقف السوريين بنظامهم الجديد تجاه العراقيين أيضا، بعد زوال البعث وتطرفه.

فسوريا اليوم في امتحان كبير وصعب، من عدة جهات، من جهة أنها مجبرة على العمل في اتجاه تصحيح المسار السوري مع كل الناس في هذا المحيط الملغم، وعلى جميع المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية... في واقع دولي يتحرك صوب تغيير منظوماته كلها؛ بل هي مطالبة بصفة أكثر إلحاحا، بمعالجة الواقع الوطني والمآسي التي خلفها النظام البائد والبائس، ومنها على وجه الخصوص آثار الحرب المدمرة التي أشعلها النظام على معارضيه وعلى الشعب بأكمله، حربا أكلت الأخضر واليابس.

ويضاف إلى هذه الأثقال التي تنوء بها الدول ذات الثقل والحضور والشرعية، بوادر الحركات المضادة التي بدأت تتحرك، كالتجمعات التي نظمت للمطالبة بالعلمانية، رغم أن المجتمع السوري يقول بلسان حاله تعالوا ننشئ دولة، ثم ننظر فيما سيكون محتواها؛ لأنهم لم يكونوا في دولة وإنما كانوا في ساحة شغرافية تسمى سوريا، ولكنها في الحقيقة كانت دولة طائفية يملكها آل الأسد!! والمجموعات التي تحركت في اتجاه تنظيم مسيرات لإدانة ما فعل الصهاينة، وهذا فعل مشروع اباتداء، ولكنه في لغة السياسة، هو حركة استباقية، تصب في مصب إدانة الإدارة القائمة، التي لم تحرك ساكنا تجاه ما سيفعل الصهاينة بالبلاد!! ويقال أيضا أن الطائفة العلوية تحركت في اتجاه المطالبة بالعفو العام على كل أبناء الطائفة، وكأن امتياز هذه الطائفة حق مكتسب لا يسقط، فمثلما كانوا محضوضين في ظل النظام السابق، ينبغي أن يعفى عن مجرميهم في حق الشعب اليوم، في الوقت الذي كان يجب على هذه الطائفة أن تعتذر للشعب على ما بدر من مجرميها.

إن الكلام بلغة الطوائف والمحاصصة وغيرها من الترتيبات التي سوف تكون حجر عثرة في طريق البناء الوطني، لا بد من اختفائها... الشعب السوري شعب واحد بأكراده ونصرانيين ودروزه وعلوييه، فلا فرق بينهم، ومحاسبتهم ينبغي أن تكون وفق معيار واحد عادل...

صحيح أن أقرب الطوائف إلى هذا النظام البائد هي الطائفة العلوية، وسوف تبدو أنها الأكثر ضحايا في إطار المحاسبة التي ينبغي أن تطال جميع من لطخت أيديهم بدماء الشعب، ولكن هذا هو قدرهم، ولا ينبغي أن تظهر أن المحاسبة خاصة بهذه الطائفة؛ بل كل من أجرم في حق الشعب ينبغي أن يأخذ حقه... أما الكيفية التي يتحقق بها ذلك، فهي من حق الشعب وهو الذي من حقه وضع الصيغة التي تناسبه وتناسب وضعه.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
مصارع الطغاة وتحرير المستضعفين
السابق
جنازة الأستاذ يوسف ندا تُشيع في لوغانو بحضور حاشد من المسلمين في أوروبا والمنظمات الإسلامية

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع