اتباع
سنن أهل الكتاب والمشركين: مظاهر ودلالات
كتبه: د. انجوغو امباكي صمب
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
لاتباع
سنن أهل الكتاب والمشركين مظاهر كثيرة ومتنوعة تنعكس على جميع مجالات التدين وفي
كل جوانب الحياة، قال الإمام الآجري رحمه الله : (( من تصفح أمر هذه الأمة من عالم
عاقل، علم أن أكثرهم العام منهم يجري أمورهم على سنن أهل الكتابين كما قال النبي
صلى الله عليه وسلم، وعلى سنن كسرى وقيصر وعلى سنن أهل الجاهلية، وذلك مثل السلطنة
وأحكامهم، وأحكام العمال والأمراء وغيرهم، وأمر المصائب والأفراح والمساكن واللباس
والحلية، والأكل والشرب والولائم، والمراكب والخدم والمجالس والمجالسة، والبيع
والشراء، والمكاسب من جهات كثيرة))،
وبلغتنا المعاصر فإن الإمام الآجري رحمه الله يرصد في زمانه مظاهر اتباع أكثر
مسلمي زمانه لسنن أهل الكتاب وتشبههم بهم في مجال السياسة والحكم والإدارة
والاجتماع والاقتصاد والعمارة والفن.
وفيما يلي أخطر مظاهر اتباع بعض المسلمين لسنن أهل الكتاب
والمشركين:
1-
الردة
إلى الشرك والوثنية.
أخطر
مظاهر اتباع سنن أهل الكتاب والمشركين النزوع إلى الشرك والوثنية بعد الإيمان
والإسلام، حيث يرتد فئام من الناس عن التوحيد بسبب الجهل والتقليد وكثرة المضلين،
حتى ترجع طوائف من أهل القبلة إلى صريح الشرك بالله تعالى كالدعاء والاستغاثة
والنذر والنحر والركوع والسجود لغير الله تعالى، بل قد يدخل بعضهم في الديانات
الوثنية الشركية كالمجوسية والماسونية وعبدة الشيطان ونحوها، وتحقق فيهم قوله صلى
الله عليه وسلم (( لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها، شبرا بشبر
وذراعا بذراع))، فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم؟ فقال: (( ومن الناس إلا
أولئك)) ،
قال ابن تيمية رحمه الله معلقا على الحديث (( وهذا بعينه صار في هؤلاء المنتسبين
إلى التشيع ; فإن هؤلاء الإسماعيلية أخذوا من مذاهب الفرس وقولهم بالأصلين: النور
والظلمة، وغير ذلك أمورا، وأخذوا من مذاهب الروم من النصرانية، وما كانوا عليه قبل
النصرانية من مذهب اليونان...))، وقد يظن بعض العلماء والدعاة هذا الكلام مبالغة
من ابن تيمية رحمه الله، وينكرون أن يصدر مثل هذه الأفعال ممن ينتسب إلى الإسلام،
وهذا جهل منهم بالواقع وبالشرع معا، فمن عاش في بعض المجتمعات الإسلامية التي
انتشرت فيها المذاهب الضالة والفرق المنحرفة رأى وسمع أشد مما حكاه ابن تيمية عن
الشيعة الإسماعيلية، وقد صح من علامات الساعة ردة بعض أهل الإسلام وعبادتهم
للأصنام والعياذ بالله ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم، قال: ((لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة))، وذو الخلصة
طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية)) ،
قال الطيبي رحمه الله : قوله: ((أليات نساء دوس)): (( هي جمع ألية، وهي في الأصل
اللحمة التي تكون في أصل العضو((الخلصة)): هو بيت كان فيه صنم لدوس وخثعم وبجيلة
وغيرهم، وقيل: ذو الخلصة الكعبة اليمانية التي كانت باليمن، وقيل: ذو الخلصة: اسم
الصنم نفسه...، والمعنى: أنهم يرتدون إلى جاهليتهم في عبادة الأوثان، فتسعى نساء
دوس طائفات حول ذي الخلصة، فترتج أعجازهن))،
وهذا المظهر ليس مقتصرا على صنيع نساء دوس عند ذي الخلصة، ففي كثير من بلاد
الإسلام اليوم نشاهد ما يندى له الجبين من تهافت العامة وخاصة النساء على قبور
وأضرحة الصالحين، للطواف بها والتمسح على جدرانها والتوجه إلى أصحابها بالدعاء
والاستغاثة وتقديم النذور، بل وصل جهل بعضهم إلى زيارة قبور دواب شيوخهم والعياذ
بالله.
2-
تحريف الكلم
وتأويل النصوص الشرعية.
لا
يقع أهل الديانات في الانحراف ويضلوا عن السبيل حتى يحرفوا ما بأيديهم من الكتب
المنزلة من عند الله تعالى ويؤولوا نصوصها تأويلا فاسدا، وذلك سبب ضلال أهل الكتاب
ومن اتبع سننهم من طوائف المسلمين، قال تعالى { فَوَيْلٌ
لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا
كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}،
وقوله {فَوَيْلٌ } : (( أي تحسر وهلك...، {لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ}:
يعني المحرفين، ولعله أراد به ما كتبوه من التأويلات الزائغة{بِأَيْدِيهِمْ } تأكيد
كقولك: كتبته بيميني { ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا
بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا} : كي يحصلوا به عرضاً من أعراض الدنيا{ فَوَيْلٌ لَهُمْ
مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ}: يعني المحرف {وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ }
يريد به الرشى))، وقال
تعالى { مِنَ
الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا
وَعَصَيْنَا}، وقوله {
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ }: (( أي من الذين هادوا قوم يحرفون
الكلم : أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها بإزالته عنها وإثبات غيره فيها،
أو يؤولونه على ما يشتهون فيميلونه عما أنزل الله فيه))،و
جاء في مختصر الصواعق المرسلة (( فهذه الطريق المذمومة التي سلكها علماء اليهود،
وقد سلكها أشباههم من هذه الأمة...، وكثير من هؤلاء الأشباه يحرفون كلام الله
ويكتمونه، لئلا يحتج به عليهم في خلاف أهوائهم، ، ما لم يمكنهم منعه من الكتاب
والسنة وكتمانه سطوا عليه بالتحريف وتأولوه على غير تأويله، ثم يعتمدون على آثار
موضوعة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه موافقة لأهوائهم وبدعهم،
فيقولون هذا من عند الله، ويحتجون به ويضعون قواعد ابتدعوها وآراء اخترعوها،
ويسمونها أصل الدين وهي أضر شيء على الدين))،
وهذا وصف لحال الجهمية والمعطلة وأمثالها من الفرق التي ظهرت في التاريخ الإسلامي،
وينطبق على غيرهم ممن جاء بعدهم من الذين سلكوا منهج التحريف والتأويل في كل زمان
ومكان، كتلك النابتة التي تدعو إلى إعادة تفسير القرآن الكريم وشروح أحاديث رسول
الله صلى الله عليه وسلم، على قواعد وأسس مخالفة لما وضعها أئمة المسلمين وعلمائهم
السابقين، ولكن يعيش لهم الجهابذة من علماء الإسلام المعاصرين ودعاتهم المتبصرين،
كما تصدى أئمة السلف لتلك الفرق والنحل، قال الشيخ عبد الرحمن الميداني كاشفا عن
مخطط أعداء الإسلام في استخدام هذا التيار التحريفي لهدم الإسلام (( إن التدارك
الشيطاني من قبل أصحاب المذاهب الفكرية الضالة بعد سقوطها الشنيع فلسفة وبرامج
وتطبيقات، قد اختار حيلة إلباس هذه المذاهب ثيابا تخيل للأغرار من أهل الأهواء
والشبهات أنها مفهومات إسلامية، وأن نصوص القرآن والسنة النبوية تدل عليها، إذا
قرأت قراءة معاصرة بأعين الفلاسفة المتعمقين، أو جرى تأويلها بما يتلاءم مع رؤاهم
الفلسفية)).
3-
تبديل
الشرائع والأحكام.
من
نتائج التحريف والتأويل الفاسد للنصوص الشرعية تبديل الشرائع والأحكام المتلقاة من
تلك النصوص، وكل من اشتغل بالتحريف والتأويل الفاسد فسيصير حتما إلى تبديل وتغيير
الشرائع والأحكام، واليهود معروف منذ القدم بتبديل الشرائع الإلهية والتلاعب
بالأحكام الشرعية، وكان أحبارهم ورهبانهم يحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله
فيطيعونهم في ذلك، فسمى الله فعلهم هذا في القرآن عبادة، قال تعالى{ اتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ...}،
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ((ما تجدون في التوراة في شأن الرجم))، فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد
الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على
آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع
يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول
الله صلى الله عليه وسلم فرجما، قال عبد الله: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها
الحجارة.
وظلت
الشريعة الإسلامية المطهرة بعد نزولها على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتطبيقها
في القرون المفضلة وما بعدها، ظلت قرونا طويلة في حفظ وصيانة وتوقير ورعاية إلى أن
جاء ملك التتر جينكيزخان فوضع لهم الياسق أو الياسا، وهو(( وهو عبارة عن كتاب
مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى: من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية
وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنينه شرعا
متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم))،
وفي العصور المتأخرة من تاريخ الأمة الإسلامية وبعد سقوط الخلافة العثمانية
بالتحديد(1924 م )، تفرقت كلمة المسلمين وانتشرت بينهم البدع والمحدثات وتكالبت
عليهم الأمم من كل حدب وصوب، بدأ المسلمون يتخلون عن الشريعة الإسلامية ويستبدلون
بها غيرها من القوانين الوضعية والأعراف الجاهلية، إلى أن وصل الحكم بالشريعة في
بعض البلاد الإسلامية جريمة وعلامة للتخلف والرجعية، قال الشيخ سفر الحوالي رحمه
الله (( وعندما تصاب أمة من الأمم بهذا المرض المدمر "فقدان الذات" فإن
أبرز أعراضه يتمثل في الانبهار القاتل بالأمم الأخرى والاستمداد غير الواعي من
مناهجها ونظمها وقيمها، وقد وقع ذلك في حياة الأمة الإسلامية تأويلاً لقوله صلى
الله عليه وسلم (( لتركبن سنن من كان قبلكم ...)) ولم يكن أخطر من هذا المرض إلا
الجهل بحقيقته وعدم إدراك أسبابه.
4-
إضاعة
الصلاة واتباع الشهوات.
إن
كثيرا من ذرية الأنبياء وسلالة الصالحين اجتالتهم الشياطين وأضلوهم عن سواء
السبيل، فوقعوا في البدع والمعاصي وتركوا ما كان عليه أسلافهم من الإيمان بالله
تعالى والأعمال الصالحة، وظنوا أن نسبهم وصلتهم بالصالحين سيشفع لهم عند الله يوم
القيامة، قال تعالى{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ
يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ
يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ
الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا
فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }،
قال ابن كثير رحمه الله ((فخلف من بعد ذلك الجيل الذين فيهم الصالح والطالح خلف
آخر لا خير فيهم، وقد ورثوا دراسة الكتاب وهو التوراة وقال مجاهد: هم النصارى، وقد
يكون أعم من ذلك {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى}: أي يعتاضون عن بذل الحق
ونشره بعرض الحياة الدنيا ويسوفون أنفسهم ويعدونها بالتوبة ...))،
وقال تعالى{ فَخَلَفَ مِنْ
بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ
يَلْقَوْنَ غَيًّا}،
قال ابن كثير رحمه الله (( فخلف من بعدهم خلف أي قرون أخر أضاعوا الصلاة وإذا
أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع، لأنها عماد الدين وقوامه وخير أعمال
العباد، وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها،
فهؤلاء سيلقون غيا، أي خسارا يوم القيامة))،
قال أبو زهرة رحمه الله ((وهكذا تكون الحال، إذا ضعفت القلوب والهمم وضعف الإيمان،
ولا حول ولا قوة إلا بالله، ينسون المواثيق التي أخذت عليهم؛ ولذا يوبخهم القرآن
الكريم)).
وكما
ضيع أولئك الذرية من سلالة الأنبياء والصالحين الصلوات واتبعوا الشهوات سيفعل
الخلوف من هذه الأمة والعياذ بالله، وذلك حين يبلى القرآن في قلوبهم، فيتلونه فلا
يتجاوز حلوقهم، ويتغنون به في المحافل والمجامع وينظمون له المسابقات، ثم يحرمون
التحاكم إليه في المحاكم والبرلمانات، فعن معاذ بن جبل
رضي الله عنه مرفوعا، قال: ((سَيَبْلَى الْقُرْآنُ فِي صُدُورِ أَقْوَامٍ كَمَا يَبْلَى
الثَّوْبُ فَيَتَهَافَتُ، يَقْرَءُونَهُ لَا يَجِدُونَ لَهُ شَهْوَةً وَلَا
لَذَّةً، يَلْبَسُونَ جُلُودَ الضَّأْنِ عَلَى قُلُوبِ الذِّئَابِ، أَعْمَالُهُمْ
طَمَعٌ لَا يُخَالِطُهُ خَوْفٌ، إِنْ قَصَّرُوا، قَالُوا: سَنَبْلُغُ، وَإِنْ
أَسَاءُوا، قَالُوا: سَيُغْفَرُ لَنَا، إِنَّا لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا)).
وكذلك تشيع الفواحش في الذين آمنوا ويجاهر
الفساق بالمعاصي ويعلنونها في المجتمع المسلم، حتى لا تكاد تميز بينه وبين
المجتمعات الأخرى في الميوعة والتسفخ والتهتك، فعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل، لتركبن طريقتهم
حذو القُذة بالقذة، حتى لا يكون فيهم شيء إلا كان فيكم مثله، حتى إن القوم لتمر
عليهم المرأة، فيقوم إليها بعضهم فيجامعها ثم يرجع إلى أصحابه؛ يضحك إليهم ويضحكون
إليه))،
وقد أصبحنا نرى في بلاد الإسلام كل ما كنا نسمع عنه في بلاد الكفر من أنواع
الفواحش وصنوف المنكرات، ما بين صالونات الميسر والقمار، وحانات الدعارة والفجور،
ونوادي الرقص والتعري...إلخ
5-
فساد
العلماء وميلهم إلى الدنيا.
ومما
آل إليه أمر اليهود والنصارى فساد علمائهم وميلهم إلى الدنيا ونقضهم عهد الله
وميثاقه، وتخليهم عن واجب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبدل أن
يكونوا هداة مهتدين أصبحوا ضالين مضلين، واشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، قال
تعالى{ فَبِمَا نَقْضِهِمْ
مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ
الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ
تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا
إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ
فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }،
وقوله {فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ}: (( طردناهم من رحمتنا، أو
مسخناهم أو ضربنا عليهم الجزية. {وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً} : لا تنفعل عن
الآيات والنذر{ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ}: استئناف لبيان قسوة
قلوبهم، فإنه لا قسوة أشد من تغيير كلام الله سبحانه وتعالى والافتراء عليه، ويجوز
أن يكون حالاً من مفعول {لَعَنَّاهُمْ } لا من القلوب إذ لا ضمير له فيه{وَنَسُوا
حَظًّا}: وتركوا نصيباً وافياً {مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} من التوراة، أو من اتباع
محمد صلّى الله عليه وسلّم، والمعنى أنهم حرفوا التوراة وتركوا حظهم مما أنزل
عليهم فلم ينالوه، وقيل معناه أنهم حرفوها فزلت بشؤمه أشياء منها عن حفظهم{وَلا
تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ}: خيانة منهم، أو فرقة خائنة أو خائن
والتاء للمبالغة، {إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} لم يخونوا وهم الذين آمنوا منهم،
وقيل استثناء من قوله{ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاصْفَحْ} إن تابوا وآمنوا أو عاهدوا والتزموا الجزية وقيل: مطلق نسخ بآية السيف
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} تعليل للأمر بالصفح وحث عليه وتنبيه على
أن العفو عن الكافر الخائن إحسان فضلاً عن العفو عن غيره))
قال السعدي رحمه الله ((فكل من لم يقم بما أمر الله به، وأخذ به عليه الالتزام، كان
له نصيب من اللعنة وقسوة القلب والابتلاء بتحريف الكلم وأنه لا يوفق للصواب ونسيان
حظ مما ذُكِّر به، وأنه لا بد أن يبتلى بالخيانة، نسأل الله العافية))،
وقال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ
وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ
سَبِيلِ اللَّهِ}، وقوله {لَيَأْكُلُونَ
أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ} : (( لأن المقصود الأعظم من جمع المال الأكل فسمى
الشيء باسم ما هو أعظم مقاصد واختلفوا في السبب الذي من أجله أكلوا أموال الناس
بالباطل فقيل إنهم كانوا يأخذون الرشا من سفلتهم في تخفيف الشرائع والمسامحة في
الأحكام، وقيل إنهم كانوا يكتبون بأيديهم كتبا يحرفونها ويبدلونها ويقولون هذه من
عند الله ويأخذون بها ثمنا قليلا )) ،
وهذا المصير السيء الذي انتهى إليه أمر علماء بني إسرائيل حصل لبعض علماء هذه
الأمة، فاتبعوهم في تلك الخصال المذمومة حذو القذة بالقذة، وبدل أن يكونوا ورثة
النبي محمد صلى الله عليه وسلم في تبليغ الرسال وأداء الأمانة، أصبحوا من خلفاء
إبليس وجنوده، وبعضهم صار إبليس من جنده، لعظم فساد وشره، قال ابن عيينة رحمه الله:
((كان يقال من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبّادنا ففيه شبه من
النصارى))، قال
ابن رجب رحمه الله ((ووجه هذا أن الله ذم علماء اليهود بأكل السحت، وأكل الأموال
بالباطل والصد عن سبيل الله ، وبقتل النبيين بغير حق، وبقتل الذين يأمرون بالقسط
من الناس، وبالتكبر عن الحق وتركه عمداً خوفاً من زوال المأكل والرياسات وبالحسد
وبقسوة القلب، وبكتمان الحق، وتلبيس الحق بالباطل ، وكل هذه الخصال توجد في علماء
السوء من أهل البدع ونحوهم)).
6-
فساد
العبّاد وميلهم إلى الرهبانية.
وإذا
كان فساد العلماء بترك العمل بما علموا من شرع الله تعالى، وترك الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله والاشتغال بجمع حطام الدنيا، فإن فساد العبّاد
يكون بالابتداع والإحداث في الدين، والميل إلى الرهبانية واعتزال الحياة والأحياء
وإيثار الخمول والخلوة، بدعوى الزهد والتبتل، وكل ذلك حصل في علماء بني إسرائيل
كما أخبر الله تعالى في القرآن الكريم، قال تعالى{ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى
آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ
الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً
وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ
رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ
آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}،
وقوله {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}: (( أي:
فرضنا عليهم تلك الرهبانية، ولم نأمرهم بها، ولكن فرض عليهم وكتب في الجملة أن
يطلبوا رضوان اللَّه فابتدعوا تلك الرهبانية؛ رجاء أن يكون فيها رضوان اللَّه،
واللَّه أعلم {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}: أخبر أنهم ابتدعوا شيئا لم
يكتب عليهم، ثم ذكر أنهم لم يرعوه حق رعايته، ذمهم، لتركهم الرعاية لما ابتدعوه)).
وقد
اتبع فريق من العبّاد في هذه الأمة سيرة الرهبان من أهل الكتاب، فسلكوا سبيل
الرهبانية وتعبدوا بالبدع والمحدثات، وحرموا على أنفسهم الطيبات وشقوا على أنفسهم
بالرياضات، وأظلمت أرواحهم بالأوهام والخيالات، فعن ابن كريب رضي الله عنه، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا اتخذ الفساق القصص وحذت أمتي حذو الرهبان
فالهرب من الدنيا هربا)), قيل: وما حذو الرهبان؟ قال: ((يأخذون بشكلهم وشدتهم في
العبادة))، قال
ابن رجب رحمه الله ((وأما النصارى فذمهم الله بالجهل والضلالة، وباللغو في الدين
بغير الحق، ورفع المخلوق إلى درجة لا يستحقها، حتى يدعى فيه الإلهية، واتباع
الكبراء في التحليل والتحريم، وكل هذا يجد في جهال المسلمين المنتسبين إلى العبادة
من هذه الأمة...))،
وقال ابن الجوزي رحمه الله عن تلبيس إبليس على بعض الزهاد ((ومن تلبيسه على الزهاد
إعراضهم عن العلم شغلا بالزهد فقد استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير...، ومن
تلبيسه عليهم أنه يوهمهم أن الزهد ترك المباحات فمنهم من لا يزيد على خبز الشعير
ومنهم من لا يذوق الفاكهة ومنهم من يقلل المطعم حتى ييبس بدنه ويعذب نفسه بلبس
الصوف ويمنعها الماء البارد وما هذه طريقة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ولا طريق أصحابه وأتباعهم)).
7-
الغلو
في الأنبياء والصالحين.
نعى
القرآن الكريم على أهل الكتاب غلوهم في دينهم وفي أنبيائهم وصالحي عباد الله منهم
، قال تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا
عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ
اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا
بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ
إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}،
وفي الآية الكريمة نهي للنصارى عن الغلو في عيسى ابن مريم، وهو أعظم ما وقعوا فيه
من الغلو، حيث تفرقوا في حقيقته إلى أربعة
فرق كبرى، وهي اليعقوبية، والملكانية، والنسطورية، والمرقوسية، فأما اليعقوبية
والملكانية فقالوا في عيسى أنه الله، وقالت النسطورية إنه ابن الله، وقالت
المرقوسية ثالث ثلاثة، ولم تصب أية فرقة منهم الحقيقة وكلها غالية مجانبة للصواب،
فأرشدهم الله تعالى إلى حقيقة عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وطبيعته ووظيفته،
وهي أنه عبد الله ورسوله،
وقال تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا
وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }،
وفي الآية الكريمة النهي عن الغلو في عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وفي
الأحبار والرهبان، لأنهم غلوا في نبيهم وقالوا فيه مقالات باطلة، وغلوا في علمائهم
وعبادهم فأطاعوهم في التحليل والتحريم وتبديل الشرائع المنزلة.
ومع
كل التحذير الوارد عن الغلو في القرآن والسنة النبوية المطهرة، فإن الشيطان استجرى
طوائف من هذه الأمة فزين لهم الغلو في النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما غلت
اليهود والنصارى في أنبيائهم، فعن مطرف قال: قال أبي: انطلقت في وفد بني عامر إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أنت سيدنا، فقال ))السيد الله))، قلنا:
وأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا، فقال: (( قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم
الشيطان))، قال
الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (( فيه مسائل: الأولى: تحذير الناس من الغلو، الثانية:
ما ينبغي أن يقول من قيل له: أنت سيدنا))،
وعن ابن عباس رضي الله عنها، سمع عمر رضي الله عنه، يقول على المنبر: سمعت النبي
صلى الله عليه وسلم يقول: (( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا
عبده، فقولوا عبد الله، ورسوله))،
قال ابن بطال رحمه الله قوله: ((لا تطروني)) : (( الإطراء مجاوزة الحد في المدح
والكذب فيه، وذلك أن النصارى أفرطوا في مدح عيسى عليه السلام وإطرائه بالباطل
وجعلوه ولدا لله تعالى، فمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يطروه بالباطل)).
وقد
خالف بعض المسلمين أمر النبي صلى الله عليه وسلم فأطروه كما أطرت النصارى عيسى بن
مريم أو زادوا، واعتقدوا فيه ما لا يجوز أن يعتقده إنسان إلا في الله سبحانه
وتعالى، وقصدوه بما يقصد به الله من أنواع العبادة والتعظيم، كل ذلك بدعوى المحبة
والتوقير، وكذلك فعلوا بالأولياء والصالحين، بل وببعض الزنادقة ودعاة الضلالة
والطواغيت، حيث فضلهم بعض الجهال على الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام،
وعكفوا على قبورهم وطافوا بها كما يطوف الحجاج والمعتمرين بالبيت الحرام.
8-
الظلم
وفساد الحكم.
وهذا
المظهر يتعلق بالسياسية وتدبير الشأن العام وإقامة العدل بين الناس، وهو من أخطر
أنواع الفساد التي وقع فيها أهل الكتاب والمشركون، وقلدهم فيها بعض المسلمين، قال
تعالى { وَكَيْفَ
يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ
يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا
أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ
الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ
بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا
تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ
بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ
بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ
وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً
لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ}، وفي
هذه الآيات الكريمات أمر الله تعالى لأهل الكتاب بالحكم بما أنزل الله والحكم على
من لم يحكم به بالكفر والظلم الفسق، وذلك لما في الحكم بغير ما أنزل الله من
مناقضة الإيمان بالله تعالى، ومن الظلم والجور والاعتداء على حقوق الآخرين،
والخروج عن طاعة الله سبحانه، وجاء رجل إلى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يسأله عن
تفسير قوله تعالى { وَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} و قوله { وَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} و قوله {وَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، هل هو في
بني إسرائيل وحدهم ؟ فقال حذيفة: نعم الأخوة لكم بنو إسرائيل إن كان لكم كل حلوة،
ولهم كل مرة، كلا والله لتسلكن طريقهم قد الشراك))،
وقال تعالى عن المشركين { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ
يُوقِنُونَ}، قال
ابن كثير رحمه الله (( ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل
خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها
الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات
والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم))،
وقال تعالى { أَمْ
لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ
وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقوله
{ أَمْ
لَهُمْ شُرَكَاءُ }: (( استفهام تقرير وتوبيخ لما ذكر تعالى أنه شرع للناس ما وصى
به نوحا...، أخذ ينكر ما شرع غيره تعالى، والشركاء هنا يحتمل أن يراد به شركاؤهم
في الكفر كالشياطين والمغوين من الناس،
والضمير في {شرعوا}عائد على الشركاء، والضمير في {لهم} عائد على الكفار المعاصرين
للرسول...)).
و في
زمن النبي صلى الله عليه وسلم حدثت بعض المحاولات لتغيير حكم الله تعالى
وتبديله، فكان موقف النبي صلى الله عليه
وسلم منها موقفا صارما وحاسما، لم يقبل
أبدا أن يغير أو يبدل شرع الله من أجل أهواء البشر وهو صلى الله عليه وسلم حي، فعن
عائشة رضي الله عنها، أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن
يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن
زيد، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (( أتشفع في حد من حدود الله)) ، ثم قام فاختطب، ثم قال: (( إنما أهلك الذين
قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه
الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها))،
وفي الحديث تحذير ما كان عليهم الأمم الماضية من الظلم والمحاباة، قال ابن تيمية
رحمه الله ((حذرنا من مشابهة من قبلنا في أنهم كانوا يفرقون في الحدود بين الأشراف
والضعفاء، وأمر أن يسوى بين الناس في ذلك، وإن كان كثير من ذوي الرأي والسياسة قد
يظن أن إعفاء الرؤساء أجود في السياسة)).
وبعد
مضي الخلافة الراشدة التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم وزكاها، بدأت عروة
الحكم بشرع الله تنتقض شيئا فشيئا، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة
تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة))،
وتمثلت صور انتقاض عروة الحكم في البداية في مخالفة بعض الخلفاء والملوك في الأمة
عن منهح الإسلام في السياسة، سواء في طرق اختيار الخلفاء أو في إدارة شؤون الرعية
أو في علاقة الدولة الإسلامية مع الدول الأخرى أو في رسالة الدولة الإسلامية
ووظيفتها في هداية البشرية ونشر الدعوة الإسلامية في الدول الأخرى، وقد لخص لنا
النبي صلى الله علليه وسلم في حديث شريف جليل الأطوار التي تمر بها الدولة
الإسلامية وبين الخصائص السياسية لكل طور من تلك الأطوار، فعن حذيفة رضي الله عنه،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم
يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن
تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا، فيكون ما شاء الله أن
يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية، فتكون ما شاء الله أن
تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج نبوة))،
وفي الحديث أن الدولة الإسلامية ستمر بخمسة أطوار، وهي (النبوة ) وهي أعظم هذه
الأطوار وأفضلها فهو الطور الذي كان النبي
صلى الله علليه وسلم يسوس فيه الأمة بما أراه الله، ثم ( الخلافة الراشدة ) وهو
فترة حكم الخلفاء الأربعة وفترة حكم الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا
الطور متصل بطور النبوة، ويليه في الفضل ، ثم ( الملك العاض ) وهو طور الملوك
المسلمين الذين ورثوا الحكم عن أسرهم وآبائهم، فحافظوا على الدين والشريعة
بالجملة، مع تجاوزات واقعة في سياساتهم لشؤون الأمة العامة، ثم ( الملك الجبري)
وهو فترة المتسلطين على رقاب الأمة ممن لم يحفظوا دين الله تعالى ولم يطبقوا شرعه
ولم يرعوا مصالح الأمة، ثم ( خلافة على منهاج النبوة )، وهو الطور الذي يعود فيه
للأمة مجدها السليب وعزها التليد، وذلك حين تتوب إلى ربها وتعود إلى دينها، ونسأل
الله تعالى أن يكون ذلك قريبا.
9-
المبالغة
في تعظيم الأمراء والقادة.
إن
فارس والروم وسائر أمم الشرك والكفر تعظم أمرائها وقادتها تعظيما كبيرا، بل يكادون
يعبدونهم من دون الله ويصفونهم بصفات الربوبية، وذلك لأن أولئك الأمراء والقادة
كانوا يستخفون رعاياهم ويستكبرون عليهم ويبطشون بهم أشد البطش، حتى ينقادوا لهم
ويطيعوهم طاعة عمياء، ويعتقدون فيهم خصائص الألوهية، وقد بلغ من طغيان فرعون أن
ادعى الألوهية والربوبية، واستعبد رعيته واستخدمهم في مصالحه ومصالح قومه، قال
تعالى { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ
إِلَهٍ }،{ هَلْ
أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى
(16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ
تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ
الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ
فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ
نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى }،
وقال تعالى {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا
يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي
نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }،
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )) لما
كانت الليلة التي أسري بي فيها، أتت علي رائحة طيبة، فقلت: يا جبريل، ما هذه
الرائحة الطيبة؟ فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها قال: قلت: وما شأنها؟
قال: بينا هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم، إذ سقطت المدرى من يديها، فقالت: بسم الله،
فقالت لها ابنة فرعون: أبي؟ قالت: لا، ولكن ربي ورب أبيك الله، قالت: أخبره بذلك
قالت: نعم، فأخبرته فدعاها، فقال: يا فلانة، وإن لك ربا غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك
الله، فأمر ببقرة من نحاس فأحميت، ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها))،
وجاء في حديث أصحاب الأخدود والغلام مع الملك (( وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص،
ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة،
فقال: ما هاهنا لك أجمع، إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله،
فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن بالله فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه
كما كان يجلس، فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: ولك رب غيري؟ قال:
ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له
الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص، وتفعل و تفعل، فقال: إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله،
فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب ...)).
ولهذا
كان من أهم مقاصد بعثة الأنبياء والمرسلين ووظيفة الدعاة والمصلحين تحرير العبادة
من جميع صور العبادة والتذلل لغير الله تعالى، قال تعالى { وَنُرِيدُ
أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ
أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ
وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ
(6) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ
فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ
إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أخنى
الأسماء يوم القيامة عند الله رجل تسمى ملك الأملاك )).
و قد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من
التشبه بأهل الكتاب والمشركين في المبالغة في تعظيم الملوك تقديسهم بأي نوع من
أنواع التقديس، فعن جابر رضي الله عنه، قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يكبر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا
قياما، فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعودا، فلما سلم قال ))إن كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم،
يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم، إن صلى قائما فصلوا
قياما، وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا))،
قال ابن تيمية رحمه الله ((ففي هذا الحديث أنه أمرهم بترك القيام الذي هو فرض في
الصلاة، وعلل ذلك بأن قيام المأمومين مع قعود الإمام يشبه فعل فارس والروم
بعظمائهم، في قيامهم وهم قعود، ومعلوم أن المأموم إنما نوى أن يقوم لله، لا لإمامه...،
وفي هذا الحديث أيضا نهى عما يشبه فعل فارس والروم وإن كانت نيتنا غير نيتهم لقوله
((فلا تفعلوا)) فهل بعد هذا في النهي عن مشابهتهم في مجرد الصورة غاية)) .
هذا،
وقد بالغت أقوام من أمة الإسلام في تعظيم الملوك وتقديسهم والخوف منهم، حتى
أطاعوهم في معصية الله ومخالفة أمره، وصدقوهم في كذبهم، وأعانوهم في ظلمهم، وخضعوا لهم كأنهم أرباب وذلوا لهم كأنهم آلهة،
ولعل من أشهر النماذج على المبالغة في تعظيم الملوك وتقديسهم محمد بن هانئ
شاعر المعز، وكان مبالغا في مدحه والثناء عليه، حتى له كاذبا مكذبا:
مَا
شِئْتَ لاَ مَا شَاءَتِ الأَقدَارُ *** فَاحْكُمْ فَأَنْتَ الوَاحِدُ القَهَارُ
10- قتل الدعاة والمصلحين واضطهادهم .
من
أعظم جرائم أهل الكتاب والمشركين وسننهم التي سجلها التاريخ قتل الأنبياء
والمصلحين، ومعاداة الدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، قال تعالى { أَفَكُلَّمَا
جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا
كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}،
وقوله {وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } : ((يعني مثل زكريا ويحيى وسائر من قتلوه، وذلك
أن اليهود كانوا إذا جاءهم رسول بما لا يهوون كذبوه فإن تهيأ لهم قتله قتلوه،
وإنما كانوا كذلك لإرادتهم الدنيا وطلب الرياسة))،
وقال تعالى{إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ
النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ
مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}،
قال ابن كثير رحمه الله ((هذا ذم من الله تعالى لأهل الكتاب بما ارتكبوه من المآثم
والمحارم في تكذيبهم بآيات الله، قديما وحديثا...، ومع هذا قتلوا من قتلوا من
النبيين حين بلغوهم عن الله شرعه بغير سبب ولا جريمة منهم إليهم، إلا لكونهم دعوهم
إلى الحق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس وهذا هو غاية الكبر))،
فهذه الآيات وغيرها من الآيات تقص علينا
بصدق جرائم قتل بني إسرائيل لكثير من أنبيائهم ومصلحيهم وتوارث أجيالهم لهذه السنة
القبيحة.
و قد
اتبع هذه السنة السيئة بعض الظلمة من الأئمة ومن معهم من الوزراء والقضاة وعلماء
السوء، فعن أبي عطاء اليحبوري
رحمه الله عن عبادة بن الصامت رضي الله : (( يا أبا عطاء، كيف تصنعون إذا فر
قراؤكم وعلماؤكم منكم حتى يصيروا إلى رءوس الجبال مع الوحش؟ قال: قلت: ولم يفعلون
ذلك؟ قال: خشية أن تقتلوهم، قال: قلت: سبحان الله، أنقتلهم وكتاب الله بين أظهرنا
نقرأه؟ قال: ثكلت أبا عطاء أمه، ألم تؤت اليهود التوراة ثم ضلوا عنها وتركوها؟ ألم
تؤت النصارى الإنجيل ثم ضلوا عنه وتركوه؟ إنما هي السنن يتبع بعضها بعضا، إنه
والله ما من شيء كان ممن قبلكم إلا سيكون فيكم)).
11-
الاحتفال بأعياد
أهل الكتاب وتهنئتهم بها .
ومن
من صور اتباع سنن أهل الكتاب والمشركين التشبه بهم فيما هو من خصائصهم، وهي
الأقوال والأعمال والتصرفات التي لها علاقة بعقائدهم الباطلة أو بمناهجهم الفاسدة،
دون ما كانت من جنس العادات المباحة أو العلوم النافعة أو التجارب المفيدة، ومن
ذلك الاحتفال بأعيادهم الدينية أو المشاركة فيها أو تهنئتهم بها، وهو مما عمت به
البلوى في هذا العصر والله المستعان، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ
الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}،
وقوله: {لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}: ((قيل: هو الشرك وعبادة الأصنام، وقيل الكذب
والفسق والكفر واللغو والباطل، وقال محمد ابن الحنفية: هو اللغو والغناء. وقال أبو
العالية وطاوسوابن
سيرين والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم: هي أعياد المشركين..))قال
أبو زهرة رحمه الله ((الزور: هو كل باطل مزور مزخرف بحيث يؤثر في النفس مرآه، وهو
زخرف باطل، فيدخل في ذلك اللهو العابث والقول الماجن، والكذب والفحش وفسوق القول،
فعباد اللَّه الرحمن الذين شرفوا بالانتساب إليه لَا يحضرون هذا النوع من الباطل،
لأنه من سوق الخطائين الذين تروج بضاعته بينهم))،
ومن الزور المنهي شهوده عيد ميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام الذي يحتفل به
النصارى في مطلع يناير، فهو مبني على عقيدة فاسدة وهي الاعتقاد ببنوة المسيح عليه
الصلاة والسلام لله سبحانه وتعالى، وعلى خطأ تاريخ كما ذهب إلى ذلك المحققون من
أهل التاريخ.
وعن ثابت
بن الضحاك رضي
الله عنه، قال: نذر رجل على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينحر إبلا
ببوانة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟)) قالوا:
لا، قال: ((هل كان فيها عيد من أعيادهم؟)) قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ((أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم))،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ((وإذا كان الذبح بمكان عيدهم منهيا عنه،
فكيف الموافقة في نفس العيد بفعل بعض الأعمال التي تعمل بسبب عيدهم...، ومعلوم أن
ذلك إنما هو لتعظيم البقعة التي يعظمونها بالتعييد فيها، أو لمشاركتهم في التعييد
فيها، أو لإحياء شعار عيدهم فيها، ونحو ذلك)).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.