البحث

التفاصيل

إلى صديقي: الذي لم يعجبه سقوط طاغية وانتصار شعب (1)

الرابط المختصر :

إلى صديقي: الذي لم يعجبه سقوط طاغية وانتصار شعب (1)

كتبه: التهامي مجوري

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

صديقي ليس شريرا وليس كارها للشعوب المستضعفة، أو مناصرا للطواغيت والجبابرة؛بل هو للخير وللشعوب الإسلامية كلها، ولكن التبس عليه الأمر وأختلطت مصالح الأمة بمفاسدها، بسبب خيبته وسوء ظنونه وأوهامه التي استصحبها، وهو يتابع أحداث ليبيا واليمن والعراق...، فلم يصدق أن سوريا انتصرت على الأسرة الطائفية النصيرية...، وإنما اعتبر كل ما وقع عبارة عن صفقة أمريكية تركية في غفلة من المعارضة السورية بجناحيها السياسي والعسكري، بدليل أن الصهاينة بعد سقوط النظام راحوا يقصفون سوريا ومواقعها الحساسة، ولا أحد استنكر ولا دافع على الشعب السوري...، بمن في ذلك الثوار الذين استلموا السلطة أو استولوا عليها... ومن ثم فإن ما يجري في سوريا ليس إلا مؤامرة محكمة المفاصل، والضحية دائما لن تكون إلا سوريا والشعب السوري.

ورغم أنني أقدّر تخوفات صديقي، بسبب اختلال موازين القوة، فإنني أطمئنه بأن الشعب السوري انتصر على نظامه الفاسد، وعلى طغاته الذين استعبدوه لأكثر من نصف قرن... فتهاوى النظام كما تتهاوى جبال الثلج التي تتعرض لحرارة الشمس، ومؤهل لتجاوز محنه ومواصلة النضال من أجل القضاء على بقايا الفساد وآثار الإفساد التي دامت أكثر من نصف قرن.

لقد أعجبني تعليق الممثل الشهير درير اللحام عن هروب الأسد، عند قوله لم يسقط النظام وإنما هرب الرئيس...؛ على أن النظام بسبب الهروب تعرض لما هو أسوأ من السقوط؛ لأن السقوك يُكْسب القائمين على النظام فضيلة المقاومة، لأن معنى يفيد أن هناك مقاومة، عجز الرئيس عن مغالبة خصومه فهرب، في الوقت الذي كان يبنغي أن يدافع عن شعبه، في مواجهة القادمين من الغزاة والظلمة!!

اما وقد هرب الرئيس، وتخلى عن حماته وحوارييه... فتلك رذيلة ما بعدها نذالة ولا خسة ولا خبث سريرة.

ومع هذه الفرحة التي أراد أن يعيشها الشعب السوري بسقوط الطاغية، وُجد من بعض الناس ومنهم صديقي الذي يقول إن "قلبه على سوريا" راحوا "يبشرون" الشعب السوري بالويل والثبور لما ينتظره من أزمات ومصاعب، ومن عملاء مفترضين في فئات المعارضة السورية المتنوعة...،

ومن ثم أتوجه إلى صديقي وهؤلاء الذين يبشرون بالخراب، أن هذا الحدث العظيم الذي لا يمكن أن يوصف إلا بأنه منعرج من منعرجات التحولات التي يشهدها العالم اليوم، ومرحلة من مراحل التحول الذي عرفه العالم منذ أكثر من ربع قرن، وهو يتغير وتتغير معالمه في جميع المجالات... قد يصيب سوريا بعض الذي نكره، كما أصيب غيرُها بسبب ما تفرزه التحولات الكبرى، ولكنه منعرج هام وفي صالح الشعب السوري مهما كانت النتائج؛ لأن المعركة غير متكافئة في ظل صراع القوى الكبرى، ومجرد البقاء والمقاومة في ظل هذه التحولات فضل كبير، خاصة بالنسبة لموقع كموقع سوريا ودورها في خارطة العالم العربي، إذ هي إضافة إلى طبيعتها ومكانتها التاريخية والثقافية، محاطة بالمخاطر كلها، سواء بما يمكن أن تفرزه الساحة الوطنية من إشكالات، أو بما تفرضه طبيعة التغيرات التي سيشهدها العالم العربي خاصة.

ثم إن ما تمر به سوريا اليوم، هو استمرار لبدايات التحول الدولي التي بدأت في نهاية ثمانينيات القرن العشرين، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين، ليدخل العالم مرحلة من التغيرات والتحولات والصراعات التي كان يريد الأمريكان فيها فرض القيادة الأحادية، بحيث يكون هو الوحيد راعي العالم وقائده في بعث صور للقيادة الأحادية بعد سقوط خصمه...، فكان غزو العراق وسقوط نظامه، وغزو افغانستان تحت غطاء محاربة الارهاب، وإشعال الفتن هنا وهناك، وكانت التحولات سرعة وبطءا، إلى أن جاء الربيع العربي فسقطت أنظمة استبدادية لا يختلف إثنان في العالم في طبيعتها الفاسدة الكاتمة للأنفاس تباعا، فهرب بن علي، وعزل مبارك، وسقط علي عبد الله الصالح وقتل، كما سقط القذافي وقتل، ثم تم التآمر على هذه الشعوب المنتفضة، واستمرت المأساة، واستمر نظام الأسد بدعم من المتآمرين على الشعوب، وبقي الوضع على ما هو عليه مدّا وجزرا، إلى أن بدت بعض ملامح الصورة التي سيكون عليها العالم بعد اليوم، بعد بدو صعود الصين والهند كقوتين جديدتين على الساحة، وعودة روسيا إلى ميدان الصراع من جديد، وتوجت هذه التحولات الكبرى بعملية طوفان الأقصى في 7 اكتوبر 1923، واستمراره في مواجهة الصهاينة في غزة، أكثر من سنة، لتعود المعركة الإنسانية إلى مربعها الذي، كانت عليه قبل الحرب العالمية الثانية، ليفرض على العالم كله أن يعيد النظر في كل شيء من القيم المعرفية والاجتماعية والسياسية والقانونية.

فالعالم اليوم تعاد صياغته من جديد كما كان ذات يوم من أيام ما قبل الحرب العالمية الثانية... وقدر الشعب السوري أن تكون فرحته في هذا الجو الملبد بالغيوم...، فهي فرحة حُقَّ له أن يعيشها مهما كانت؛ لأنها فرحة بشيء حُرِمه لمدة أكثر من نصف قرن من الزمان... لقد سقط طاغية غير مأسوف عليه، ومهما كانت إيجابيات هذا النظام وطواغيته، فإن شره ومظالمه لم يترك للناس شيئا يذكره به بخير إلا ظاهرا كما يصفه مساندوه إذ يعُدُّونه من محور المقاومة، وهو أشد على المقاومة الحقيقية من العدو بكل أسف... فظاهره يؤوي المقاومة، ولكنه يحرمها من سيادتها على مواقفها، كما وقع لبعض الفصائل الفلسطينية التي فرض عليها موقف مساندة النظام في مواجهة شعبه، وقد استجاب البعض وحارب معه الشعب، أو بمغادرة سوريا إلى وجهة أخرى مجهولة... مثلما وقع مع حماس، ولو كان هذا الناظام صادقا في دعمه للمقاومة، لتركهم وشأنهم في أمر لا ناقة لهم فيه ولا جمل. 

وعليه فإن ما أكتبه في هذه الصفحات، موجه إلى صديقي الذي لم يفرح لفرح الشعب السوري؛ لأنه محب لذلك النظام الفاسد أو مخدوع فيه، أو لكونه خائف على الشعب السوري من مستقبل محفوف بالمكاره والتوترات العالية، لأقول له إن كل ما يمكن أن يقال عن المستقبل المفترض فإنه لن يكون أسوأ مما عاشه هذا الشعب في ظل نظام دمشق الطائفي، الذي لم يأت بخير للأمة...، ورغم أنني لا أدري ما الذي سيقع لسوريا ولغيرها من العالم الإسلامي، في ظل هذه التحولات، التي نحن دون مستواها بلا شك، وكذلك نخبها أقل وعيا من وعي صناعها، إلا أنني مطمئن لواقع الأمة ومستقبلها، ومستبشر بشبابها الذين يحملون من التباشير التي لم يكن يحملها جيلنا لمستقبلنا؛ بل أنا مطمئن لأن الحق فوق كل أحد، من ناصره فقج نال فضله، ومن حرمه أو حرم إدراكه، فإنه هو المغبون، أما الذين اعتمدوا على انفهم واتكلوا على الله، فقد شقوا طريقهم في الواقع الذي يعلمون أن فيه اختلالات، ولكنهم مؤمنون بعدالة قضاياهم، وبالتاي فالنصر قادر لا محالة بالجملة أو بالتقصيط... وغذا كان من قبلنا التقصير فسيستبدلنا الله يقوم آخرين لا يكونون امثالنا.

عندما قرر ثوار الجزائر سنة 1954 ونظموا لقاء لبت فيما هم عازمون على فعله، فيما يعرف في التاريخ الوطني الجزائري بلقاء الـ22، ولكنهم لما بدأوا النقاش تحول بهم الحال إلى مناقشة هل الوقت مناسب لإعلان الثورة أم لا؟ بسبب ضعف الإمكانات وقوة العدو الفرنسي والتحالف الدولي الاستعماري...، فأجهش أحدهم بالبكاء، وهو الشهيد سويداني بوجمعة رحمه الله وضرب الطاولة بقوة، وقال للمجتمعين أهذا محل مثل هذا لكلام؟ يقول محمد بوضياف وهو واحد من القيادة الـ22،كنا نعتقد كلنا أو أغلبنا على الأقل أن ما قمنا به كان مغامرة، ولذلك تذكرنا أنا ومحمد العربي بن مهيدي، قصة وقعت لنا في سنة 1945، عندما حصدت آلة الموت الاستعمارية 45 ألف من الجزائريين، ردا على مظاهرة بسيطة قام بها الشعب إثر الحرب العالمية الثانية، تطالب فرنسا بالوفاء بعهدها الذي قطعته على نفسها تجاه الشعب الجزائري... يقول بوضياف مررنا –هو بن مهيدي- على شيخ فسمعناه يقول بتلك المناسبة: هذه الجولة خسرناها لكن الجولة القادمة سنربحها... لا شك أن هذه القصة في حقيقتها تعبر عن تعلُّق بوهم وشهوة يتعلق بها اليائسون...، ولكن أهمية القضية وعدالتها جعلت من الشهيد العربي بن مهيدي يقول "القوا بالثورة في الشارع يلتقطها الشعب"، وذلك ما وقع بالفعل ألقيت الثورة في الشارع فالتقطها الشعب وحقق ما يهدف إليه... فقرر الشعب طرد الاستعمار فطرده، بثمن غالي جدا أكثر من مليون شهيد ولكنه طرده.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
التغيير للأفضل مع عام جديد

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع