منذ أيام انطلقت الحملة الانتخابية في تونس الحبيبة مؤذنة بمرحلة جديدة في تاريخ بلادنا، نطوي فيها صفحة الانتقالي، ونرسي نظاما سياسيا مستقرا أساسه ديمقراطية تضمن الأمن والتنمية.
في السنة الماضية عشت نفس الشعور الذي خالجني أكثر من مرة قبل الثورة حين كنت اجلس في مطارات العالم، وارى شعار "الخطوط الجوية التونسية" فاستغرق في حلم العودة مثل أي تونسي حرم من وطنه. قبل سنة وفي ذروة الأزمة السياسية كنت احلم مثل أي مواطن تونسي باللحظة التي نصادق فيها على دستور توافقي، وحكومة مستقلة وهيئة انتخابات وقانون انتخابات.
الحمد لله، كما تحقق حلم العودة إلى وطني الحبيب، تحقق حلم تجاوز الأزمة. وكما كان حلم العودة حلم وطن يبحث عن الحرية لا حلم شخص يبحث عن حل فردي يفرض عليه التطبيع مع الدكتاتورية كان حلم إنهاء الأزمة حلم شعب لا شخص ولا حزب.
لقد تصور الدكتاتور أن القمع سيدفع النهضة إلى الاستسلام أو الرضوخ للمساومات الرخيصة، فخاب أمله وسقط نظامه وفر خائبا مرتعدا إلى الخارج.
في السنة الماضية تصور الإرهاب انه سيقهر تونس بضرباته الجبانة، فتصدت له الحكومة برئاسة الأخ علي لعريض، وصنفت أنصار الشريعة تنظيما إرهابيا، يقبع اليوم اغلب قياداته في السجن، وتختبئ القلة الباقية في جحور الجبن.
في السنة الماضية سمعنا أصواتا تقول إن النهضة تبحث عن مخرج آمن وأنها تستعد لعقد صفقات سرية، وأنها لا تمانع في القيام بأي شيء يضمن لها البقاء في الحكومة أو عدم المحاسبة بعد مغادرتها.
كنا نقول إن النهضة لن تسلم الحكومة إلا لشخص يحمي الحرية ويضمن تواصل المسار الانتقالي، وبعد إنجاز الدستور وتركيز هيئة الانتخابات.
هل خذلت النهضة شعبها؟
هل كان موقفنا مناورة تكتيكية أم موقفا مبدئيا يغلب مصلحة تونس على مصلحة الحزب؟
لقد وعدتكم في السنة الماضية بأننا سنحافظ على الدولة وسنحمي الحرية، وبأنه تونس لن تعود لعصر القمع والاستبداد، وأنها لن تتردى في الفوضى الشاملة وأنها ستقهر الإرهاب، وان النهضة ستقود النخبة إلى الوفاق مهما كانت التضحيات المطلوبة.
وعدتكم بأننا سنحقق الحلم، وسنبقي تونس بعون الله وتوفيقه الشمعة المضيئة الوحيدة في الربيع العربي والدوحة الشامخة في غابة عصفت بها الأعاصيرأو لستم تشعرون أبنائي وبناتي التونسيين والتونسيات بالفخر، وأنتم تقودون قطار الحرية والديمقراطية في العالم العربي؟
بماذا تشعرون أبنائي وبناتي التونسيين والتونسيات وملايين العرب في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر ... يحلمون بالعيش في دولة حرة مستقرة مثل تونس؟
هل حققنا كل أحلامنا؟
بالطبع لا. كما وعدتكم بالحرية والديمقراطية التزم اليوم بأننا سنحقق معا الأمن الشامل والتنمية. لقد أنجزنا معا الاستحقاق السياسي للثورة، وتنطلق بلادنا بحظوظ وافرة لتحويل الثورة إلى ثروة، والحرية إلى رفاه وازدهار بإذن الله
في كل جولاتي الخارجية في الأشهر الماضية، كنت اسمع التنويه بتجربتكم أيها التونسيون والتفاؤل بالمستقبل المشرق لثورتكم، وبعض الأسئلة عن التحديات الماثلة أمام تجربتنا، بقديم يريد العودة، وشركاء في الوطن لم يحسموا خياراتهم بعد، أهي الوفاق والشراكة في الوطن والحكم أم الإقصاء وتقسيم المجتمع إلى تقدميين ورجعيين ؟.
النهضة رؤيتها واضحة.
لن نحكم بمفردنا
مقاومة الإرهاب أولوياتنا المطلقة الى جانب تحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي وإعادة الاعتبار للطبقة المتوسطة والشرائح محدودة الدخلملتزمون بدعم مكاسب المرأة والشباب وضمان الحرية، والكرامة للمثقف والفنان، الذي تركته عقود من التهميش في وضع اجتماعي صعب.
لقد حققت الثورة لتونس حلم الريادة في الحرية والديمقراطية، بعد أن كانت بلادنا محل انتقادات وتنديد من كل حدب وصوب بسبب سجلها السيئ في حقوق الإنسان والحريات.
كان الدكتاتور يقول إن حقوق الإنسان الحقيقية هي ضمان الطعام والمسكن وان الحرية من الكماليات. الثورة لم تكن ثورة جياع، بل ثورة أحرار يعشقون الحرية، ولكن الحرية التي تضمن الأمن والديمقراطية والتنمية.
من أجل ذلك رفضنا المغامرات السياسوية، وكانت النهضة من احرص القوى السياسية على وحدة الدولة والمجتمع لأننا لا نرى الثورة عامل هدم وتخريب، أو فرصة للانتقام والتشفي، وحتى حين قلل البعض من جهودنا في مقاومة الفساد وبأننا لم نضع في السجن من مسؤولي العهد البائد، ما يكفي للبرهنة على أننا حركة ثورية، كانت إجابتنا واضحة وهي أن العدالة لا يجب أن تخضع للتسييس والحسابات، وان العدالة الانتقالية كفيلة بمحاسبة كل من أجرم في حق الشعب.
لا أحد يزايد على النهضة في الثورية، ولا في التضحية من اجل الحرية والإسلام ، ولا في الواقعية، لذلك رفضنا الإقصاء وذهبت بنفسي في ساعة متأخرة من الليل إلى المجلس الوطني التأسيسي حتى أكون مع كتلة النهضة وهي تسقط قانون العزل السياسي، وتضمن حق خصومنا السياسيين في الترشح.
لم نفعل ذلك لنتقاسم السلطة مع احد، ولكن حتى يسجل التاريخ أن النهضة أوقفت مسار توريث الأحقاد، وقادت شعبها نحو المستقبل عوض أن تزج به في دوامة تصفية خلافات الماضي.
من منطلق المسؤولية الوطنية تصرفنا بعد الثورة، وبعد ان حصلنا على ثقة الشعب في الانتخابات الماضية، وقبلنا تشكيل الحكومة رغم أننا كنا على قناعة بان بعض المنهزمين في الانتخابات رفضوا حكومة الوحدة الوطنية التي دعونا إليها، حتى تغرق السفينة، ويجدوا أنفسهم في موضع المنقذ.
الحمد لله لم تغرق السفينة، وأخطاء النهضة في الحكم التي تعلان منها الكثير لم تؤثر على نجاح التجربة، وما هي تونس تعيش عرسا رائعا، وواهم من يعتقد أن الشعب التونسي، سيضع ثورته بين قوسين وسيعتذر لمن ثار عليه يوما. وأن أصنام الحزب الواحد والحاكم المطلق والانتخابات المزيفة والإعلام الخشبي والمال المحتكر في عائلة الحاكم ستعودومن نفس المنطلق نخاطب شعبنا اليوم ونخاطب شركاءنا في الوطن: لنذهب الى انتخابات توحد ولا تفرق، وتفرز نظاما سياسيا تشاركيا مستقرا يحقق الرفاه والتقدم والأمن.
حققنا معا أبنائي وبناتي التونسيين والتونسيات جزء من الحلم. وسنحقق بمشيئة الله الجزء المتبقي بعد الانتخابات. لقد اسقطتم الأصنام وقررتم أن لا تعودوا إلى سجن الخوف والتخويف والاضطهاد، وحققتم بثورتكم حلم الريادة، ونلتم عن جدارة إعجاب العالم وتقديره. فواصلوا المسيرة. واصلوا المسيرة .
هذه رسالتنا وهذا حلمنا وهذا وعدنا الذي يعرف شعبنا انه وعد صادق، واقعي، وطني، قابل للتحقيق، من اجل تونس وشعبها الذي أثبت انه كسر القيد ليعيش حرا، في بلد آمن مزدهر، بإذن الله وتوفيقه