البحث

التفاصيل

رحلة الإسراء والمعراج: معجزة العلم والإيمان

الرابط المختصر :

رحلة الإسراء والمعراج: معجزة العلم والإيمان

بقلم: د. عبدالعزيز رجب

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

في تاريخ الإسلام أحداث عظيمة تحمل معاني ودروسًا خالدة، ومن أبرزها رحلة الإسراء والمعراج التي تمثل معجزة إلهية تجاوزت حدود العقل البشري. هي ليست مجرد واقعة تاريخية، بل هي منهج حياة يقدم للمسلمين دروسًا في الصبر، الإيمان، والأمل، ويعلمهم كيف يمكن التغلب على المحن باليقين في وعد الله.

هذه الرحلة المباركة جاءت في توقيت عصيب، حيث عانى النبي محمد صلى الله عليه وسلم أشد صور الإيذاء النفسي والجسدي، لكنها كانت رسالة إلهية بأن الفرج قريب، وأن المحن تسبق المنح العظيمة.

الإسراء والمعراج: توقيت إلهي في أصعب المحن

قبل الإسراء والمعراج، واجه النبي صلى الله عليه وسلم عامًا مليئًا بالمصاعب، عُرف بعام الحزن، حيث فقد أعظم سندين له في دعوته، زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، التي آمنت به حين كذبه الناس، وعمه أبي طالب الذي حماه من أذى قريش.

كما تعرض النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف لأشد صور الإهانة والطرد، حتى أنه رفع يديه إلى السماء قائلاً: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس..." (رواه الطبراني).

وسط هذا الألم العظيم، جاءت رحلة الإسراء والمعراج لتكون بمثابة تكريم إلهي للنبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيتًا لقلبه. يقول الله تعالى: [سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا] (الإسراء: 1).

هذا التوقيت يؤكد أن الله تعالى لا يترك عباده المؤمنين، وأن أعظم الفرج يأتي في أشد لحظات الظلمة.

قال الشاعر:

إذا اشتدت بك البلوى ففكر ** في ألم نشرح وهل يأس يضير؟

ألست ترى بأن الليل ينقضي ** وأن الفجر ينتظره البشير؟

تفاصيل الرحلة: معجزات تتجاوز الخيال

بدأت الرحلة عندما أُتي بالنبي صلى الله عليه وسلم البراق، وهو دابة نورانية فائقة السرعة، وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "دابة أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه" (رواه مسلم).

في لحظات معدودة، انتقل النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، وهناك صلى إمامًا بجميع الأنبياء.

بعد الإسراء، صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات السبع، حيث التقى بعدد من الأنبياء، وشهد من آيات الله الكبرى ما يعجز البشر عن وصفه.

مشاهد ودروس من السماوات السبع:

1. السماء الأولى: التقى بآدم عليه السلام، مذكرًا بأصل البشرية ومسؤولية الخلافة في الأرض

2. السماء الثانية: التقى بعيسى ويحيى عليهما السلام، لتأكيد أهمية التضحية في سبيل الدعوة

3. السماء الثالثة: التقى بيوسف عليه السلام، درسًا في الصبر والجمال في مواجهة الابتلاءات.

4. السماء الرابعة: التقى بإدريس عليه السلام، رمز العلم والعمل الصالح.

5. السماء الخامسة: التقى بهارون عليه السلام، نموذج القيادة الحكيمة.

6. السماء السادسة: التقى بموسى عليه السلام، درسًا في الصبر والقيادة وسط التحديات.

7. السماء السابعة: التقى بإبراهيم عليه السلام، أبو الأنبياء، ورمز الإيمان والتوكل الكامل على الله.

سدرة المنتهى والصلاة

وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى، حيث فرض الله تعالى الصلاة على المسلمين، لتكون صلة يومية بين العبد وربه.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (رواه مسلم).

نتعلم من الإسراء والمعراج:

1. الأمل بعد المحن

رحلة الإسراء والمعراج تؤكد أن أشد اللحظات ظلمة تسبق الفجر. وسط أزماتنا الشخصية أو الجماعية، يجب أن نؤمن بأن الله تعالى قادر على تبديل الحال بأمره.

2. وحدة الأمة

صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بجميع الأنبياء في المسجد الأقصى تدل على وحدة الرسالات السماوية. وهي دعوة للمسلمين اليوم لتوحيد صفوفهم وتحقيق أهدافهم المشتركة.

3. المسجد الأقصى: رمز العقيدة والوحدة

اختيار المسجد الأقصى محطةً في الرحلة يرسخ مكانته العظيمة، ويدعونا إلى العمل من أجل تحريره وحمايته من أي اعتداء.

4. الصلاة: عبادة ترتقي بالروح والجسد

الصلاة ليست مجرد عبادة، بل هي وسيلة للتواصل مع الله، وملاذ يعيد للنفس توازنها. وقد أثبتت الدراسات الحديثة أثر الصلاة في تعزيز الصحة النفسية وتقليل القلق.

قال الشاعر:

هي الروح في بحر الحياة إذا هوت ** ملاذ الأمان والمكان المطهر

رحلة الإسراء والمعراج ليست قصة تاريخية فقط، بل منهج حياة يعلمنا الإيمان بالله، الصبر في مواجهة المحن، والسعي الدؤوب لتحقيق النجاح.

كما رفع الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى، فإنه قادر على أن يرفع الأمة الإسلامية من أزماتها إذا التزمت بدينها، وتوحدت على أهدافها الكبرى.

قال تعالى: [إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا] (الشرح: 6).

فلنجعل من دروس الإسراء والمعراج زادًا نستلهم منه القوة لبناء أنفسنا وأمتنا.

*فيا أمة الإسلام، لا تيأسي، واعلمي أن مع الصبر والعمل يأتي الفرج، وأن الله لا يخذل عباده المؤمنين*.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
لحظات خاشعة ومشهد مهيب.. وفاة قارئ إندونيسي أثناء تلاوة سورة الإسراء

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع