شيخ الأقصى وأمين منبره على أرض الجزائر

شيخ الأقصى وأمين منبره على أرض الجزائر

 

في زيارة للجزائر الشقيق، تلبية لدعوة المجلس الإسلامي الأعلى الذي يرأسه الشيخ مبروك زيد الخير، يلتقي الشيخ عكرمة سعيد صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى المبارك، مع الشعب الجزائري ومؤسساته في إطار جولته الخارجية التي تهدف إلى نقل معاناة القدس والمسجد الأقصى، ورفع الصوت ضد العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني. وقد رحب الشيخ مبروك زيد الخير بالشيخ عكرمة صبري، معتبراً أن زيارته هي حدث تاريخي يعكس عمق الروابط بين الجزائر وفلسطين.

سرور الشعب الفلسطيني باحتفاء الجزائر بالإمام عكرمة

حظي الشيخ عكرمة صبري باستقبال حافل من قبل المؤسسات الدينية في الجزائر، التي عبرت عن تقديرها الكبير لهذا الرجل الذي يعد أحد أبرز رموز المقاومة الفلسطينية. فقد ثمنت العديد من المؤسسات الدينية في فلسطين هذا الاستقبال الرسمي والشعبي، معتبرة أن تكريم الشيخ عكرمة صبري في الجزائر هو تكريم للشعب الفلسطيني بأسره.

هذا الاستقبال يعكس عمق العلاقة التاريخية بين فلسطين والجزائر، ويؤكد على الدعم المتواصل الذي تقدمه الجزائر لقضية فلسطين.

من هو الشيخ عكرمة صبري؟

الشيخ عكرمة صبري، يعتبر من أبرز الشخصيات الإسلامية في فلسطين، يعد أحد الرموز الكبرى للصمود والمقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي. وُلد الشيخ عكرمة في القدس عام 1938م، في أسرة علمية عريقة، حيث كان والده الشيخ سعيد صبري، قاضيًا ومؤسسًا للهيئة الإسلامية العليا في فلسطين، أحد القامات الكبرى التي تصدت للاحتلال الإسرائيلي بشجاعة. من هذه الأسرة العلمية، نشأ الشيخ عكرمة، ليواصل مسيرته في خدمة العلم والدعوة، ويصبح أحد أبرز رجال الدين في فلسطين.

أطول خطيب على منبر الأقصى:

على مدار 53 عامًا، يعتبر الشيخ عكرمة صبري أطول من خطب على منبر المسجد الأقصى المبارك. منذ أن تولى الخطابة، لم يتوقف عن أداء هذا الدور العظيم في قول الحق من هذا المنبر الطاهر، حيث يصدح بالكلمة الصادقة في مواجهة الاحتلال، متحديًا التهديدات والضغوطات التي يتعرض لها. لم يكن الشيخ عكرمة صبري مجرد خطيب، بل كان صوتًا مدافعًا عن القدس والأقصى، وكان خطبه وما يطرحه على المنبر دائمًا محملًا بالحقائق التي تتحدى الاحتلال وتفضح محاولاته لتهويد المدينة المقدسة.

استقلالية منبر الأقصى: خطب لا تجرؤ الأيدي على التدخل فيها

ومن ملامح استقلالية الشيخ عكرمة على منبر الأقصى، أنه قد اتبع نهجًا في الخطابة يعكس تمسكه الكامل بحرية الشعب الفلسطيني ونضاله. فقد حرص على أن تكون خطبه مستقلة تمامًا، لا يسمح لأي شخص بالتدخل في مضمونها أو توجيهها. هذا الموقف الجريء يجسد تمسكه بالحرية والاستقلال ورفضه لأي شكل من أشكال الهيمنة أو الرقابة على خطبته، ما يجعله رمزًا للثبات على المبادئ والنضال.

الشيخ عكرمة صبري: مسيرة علمية ودعوية طويلة

بدأ الشيخ عكرمة صبري مسيرته في التدريس في مدارس الأقصى الشرعية، حيث تخرج على يديه عدد من كبار علماء القدس. ثم تولى عدة مناصب في مجال التعليم والدعوة، منها مدير المدارس الشرعية في المسجد الأقصى ومدير الوعظ والإرشاد في القدس. وفي عام 1994م، تم تعيينه مفتيا للقدس والديار الفلسطينية، حيث أسس جهاز الفتوى في فلسطين ومجلس الفتوى الأعلى. ومنذ ذلك الوقت، أصبح الشيخ عكرمة مرجعية إسلامية بارزة في فلسطين، وواحدًا من أبرز المدافعين عن المسجد الأقصى.

مقاومة الاحتلال: الشيخ عكرمة صبري رمز الثبات

رغم تقدمه في السن، إذ تجاوز الخامسة والثمانين من عمره، لا يزال الشيخ عكرمة صبري يواصل مقاومة الاحتلال بكل بسالة. فقد تعرض للعديد من الاعتقالات والتهديدات من قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي كانت تسعى إلى تهميشه أو إخراجه من وطنه. ومع ذلك، ظل ثابتًا في موقفه، رافضًا فكرة الهجرة أو التنازل أو التفاوض حول الأقصى، ومؤكدًا تمسكه بأرضه التي تحمل تاريخ نضاله وجهاده.

دور ميداني بارز في الفعاليات الوطنية وفعاليات مقاومة الاحتلال:

إلى جانب دوره الديني، كان للشيخ عكرمة صبري دور ميداني نضالي بارز، حيث شارك في العديد من الفعاليات الوطنية وفعاليات مقاومة الاحتلال التي كانت تهدف إلى الدفاع عن الأقصى والمقدسات الإسلامية. وكان له موقف حاسم في التصدي لمحاولات الاحتلال الإسرائيلي تهويد المسجد الأقصى، وهو ما تجسد في رفضه القاطع للإجراءات الإسرائيلية التي كانت تهدف إلى تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، كما حدث في هبة باب الأسباط عام 2017.

اعتقال الشيخ عكرمة وقرار إحالته للمحاكمة

قبل خمسة أشهر، اعتقل الاحتلال الإسرائيلي الشيخ عكرمة صبري من منزله في القدس بعد مداهمة منزله إثر خطبة ألقاها في المسجد الأقصى المبارك، ليقرر منع دخوله إلى المسجد في خطوة انتقامية. يذكر أن الشيخ عكرمة صبري قد كسر هذا القرار سابقًا بالقوة، حيث دخل الأقصى محمولا على الأكتاف عام ٢٠٢٠ م في موقف تاريخي يعكس تمسكه بحق المسلمين في الصلاة في مساجدهم.

ورغم التهديدات والاعتقالات، ظل الشيخ عكرمة صبري ثابتًا في موقفه، ورفض الخضوع لقرارات الاحتلال. حاليًا، يستعد فريق الدفاع عن الشيخ للمثول أمام محكمة الاحتلال للاستماع إلى لائحة الاتهام التي توجه إليه، والتي تتضمن تهمًا بالتحريض على الإرهاب. ومع ذلك، يستهزئ الشيخ عكرمة صبري بهذه الإجراءات، مؤمنًا بقدر الله، لا يرهبه سجن أو قتل.

مؤلفات الشيخ عكرمة صبري: العلم والفكر والكلمة في خدمة القضية

الشيخ عكرمة صبري هو أيضًا مؤلف وكاتب، حيث ألّف أكثر من 25 كتابًا، وشارك في العديد من المؤتمرات والندوات الدولية، مركّزًا في أعماله على قضية فلسطين والمقدسات الإسلامية. وهو يمثل اليوم رمزًا في الصمود والتضحية، ويجسد بأفعاله أقوى رسائل المقاومة والصمود مقتديا بالعلماء العاملين. وعبر جولته الحالية في الجزائر، يواصل الشيخ عكرمة صبري نقل رسالة الأقصى الأسير، داعيًا الأمة الإسلامية إلى الوقوف مع فلسطين وشعبها.

الجزائر وفلسطين: روابط تاريخية ودعوة للدعم المستمر

الجزائر، التي كانت وما زالت من الدول السباقة في دعم الفلسطينيين والوفية لهم، استقبلت الشيخ عكرمة صبري بكل حفاوة، تعبيرًا عن تقديرها الكبير لدور فلسطين في الدفاع عن المقدسات الإسلامية. الشيخ الذي يُلقب بـ "أمين منبر الأقصى" من قبل مئات العلماء الإسلاميين، يُعد نموذجًا يحتذى به في الصمود والعطاء، ويجسد بأفعاله أسمى معاني الوفاء لدينه وأرضه.

الشيخ عكرمة صبري صوت القدس وفلسطين

يبقى الشيخ عكرمة صبري، رغم كل ما يواجهه من تحديات، مثالًا للثبات على المبادئ، وشاهدًا حيًا على أن القدس والأقصى سيظلان في قلب كل مسلم، مهما كانت الظروف وابتعدت المسافات. ومن أرض الجزائر، يواصل هذا الرجل العظيم مسيرته في الدفاع عن الأقصى، منتظراً فرج الله ونصره القريب.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* بقلم: المهندس حمدي محمد، عضو الهيئة الإسلامية العليا – فلسطين.

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.