كيانُ المرأة في الإسلام:
احترامٌ لأنوثتِها وحمايةٌ لحقوقِها
بقلم: د. علي محمد الصلابي
الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الإسلامُ
يحافظ على كيونة المرأة وأنوثتها، حتى تظلَّ ينبوعاً لعواطف الحنان والرقة
والجمال، ولهذا أحلّ لها بعضَ ما حُرِّم على الرجال، بما تقتضيه طبيعة الأنثى
ووظيفتها، كالتحلّي بالذهب ولبس الحرير الخالص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إنّ هذين حرامٌ على ذكور أمتي، حل لإناثهم» (سنن ابن ماجه رقم: 3595).
كما
أنّه حرّم عليها كل ما يجافي هذه الأنوثة، من التشبه بالرجال في الزي والحركة والسلوك
وغيرها، فنهى أن تلبَسَ المرأةُ لبسة الرجل، كما نهى الرجل أن يلبَسَ لبسة المرأة،
ولعن المتشبّهات من النساء بالرجال، مثلما لعَن المتشبهين من الرجال بالنساء، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة، ولا ينظرُ اللهُ إليهم
يومَ القيامةِ: العاقُّ لوالديه، والمرأةُ المترجلة والدّيوثُ».
والإسلام
يحمي هذه الأنوثة ويراعي ضعفها، فيجعلها أبداً في ظلِّ رجل مكفولةَ النفقات،
مكفيةَ الحاجات، فهي في كنف أبيها أو زوجها أو أولادها أو إخوتها، ويجب عليهم
نفقتها، وفق شريعة الإسلام، فلا تضطرها الحاجة إلى الخوض في لجج الحياة وصراعها،
ومزاحمة الرجال بالمناكب.
والإسلامُ
يحافِظُ على خُلُقها وحيائها، ويحرص على سمعتها وكرامتها، ويصون عفافها من خواطر
السوء، وألسنة السوء؛ فضلاً عن أيدي السوء أن تمتدَّ إليها، ولهذا يوجِبُ الإسلام
عليها:
أ ـ
الغضُّ من بصرها والمحافظة على عفتها ونظافتها: قال تعالى: ﴿وَقُلْ
لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور: 31].
ب ـ
الاحتشام والتستر في لباسها وزينتها دون إعناتٍ لها، ولا تضييقٍ عليها، قال تعالى:
﴿ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن﴾ [النور: 31].
ج ـ
ألا تبدي زينتها الخفية -كالشعر والعنق والنحر والذراعين والساقين - إلا لزوجها
ومحارمها الذين يشقُّ عليها أن تستتر منهم استتارها من الأجانب، قال تعالى: ﴿ولاَ
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ
بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ
نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي
الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى
عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ [النور: 31].
د ـ أن
تتوقر في مشيها وكلامها، قال تعالى: ﴿وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ
مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: 31].
وقال سبحانه: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ
وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا ﴾ [الأحزاب: 32]
فليست ممنوعة من الكلام، وليس صوتها عورة، بل هي مأمورةٌ أن تقول قولاً معروفاً
(القرضاوي، ملامح المجتمع المسلم، ص 366-367).
هـ أن تتجنب كل ما يجذب الانتباه إليها، ويغري
بها، من تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة. فهذا ليس من خلق المرأة العفيفة قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّما امرأةٍ استعطرتْ، ثم خرجتْ من بيتِهَا
ليشمَّ الناسُ ريحها فهي زانية» (سنن الترمذي، رقم: 2786).
و ـ أن
تمتنع عن الخلوة بأي رجلٍ ليس زوجها ولا محرْماً لها:صوناً لنفسها ونفسه من هواجس
الإثم، ولسمعتها من ألسنة السوء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يخلونَّ
رجلٌ بامرأةٍ إلا مع ذي محرم» (البخاري، رقم: 1088).
ز ـ
ألا تختلط بمجتمع الرجال الأجانب إلا لحاجة داعية ومصلحة معتبرة، وبالقدر اللازم:
كالصلاة
في المسجد، وطلب العلم، والتعاون على البر والتقوى، بحيث لا تُحْرَمُ المرأةُ من
المشاركة في خدمة مجتمعها، ولا تنسى الحدود الشرعية في لقاء الرجال.
إنَّ
الإسلامَ بهذه الأحكام يحمي أنوثةَ المرأة من أنياب المفترسين من ناحية، ويحفظ
عليها حياءها وعفافها بالبعد عن عوامل الانحراف والتضليل من ناحية ثانية، ويصونُ
عرضها من ألسنة المفترين والمرجفين من ناحية ثالثة، وهو -مع هذا كله - يحافِظُ على نفسها
وأعصابها من التوتر والقلق، ومن الهزّات والاضطرابات، نتيجة لجموح الخيال وانشغال
القلب، وتوزع عواطفه بين شتى المثيرات والمهيّجات وهو أيضاً - بهذا الأحكام
والتشريعات - يحمي الرجل من عوامل الانحراف والقلق، ويحمي المجتمع كلّه من عوامل
السقوط والانحلال (القرضاوي، ملامح المجتمع المسلم، ص 368).
وفي
سياق تقدير الإسلام لأنوثة المرأة ورقتها، فقد أمر بمعاشرتها بالمعروف والإحسان
إليها، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19].
وهو حق جامع يتضمن إحسان المعاملة في كلِّ علاقة بين المرء وزوجه، من حسن الخلق،
ولين الجانب، وطيب الكلام، وبشاشة الوجه، وتطييب نفسها بالممازحة، والترفيه عنها.
وفي
مقابل هذه الحقوق أوجبَ عليها طاعةَ الزوج في غير معصيةٍ، والمحافظة على ماله، فلا
تنفِقُ منه إلا بإذنه وعلى بيته، فلا تدخِلُ فيه أحداً إلا برضاه، ولو كان من
أهلها.
وهذه
الواجبات ليست كثيرةً ولا ظالمةً في مقابل ما على الرجل من حقوق يجب أن يوفرها
ويضمنها للزوجة، فمن المقرر أنَّ كل حق يقـابـلـه واجب، ومن عدل الإسلام أنـه لم
يـجعل الواجبـات على المرأة وحدَها، ولا على الرجل وحده، بل قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ
مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة:
228]. فللنساء من الحقوق مثل ما عليهنّ من الواجبـات.
ومن
جميل ما يروى أنّ ابن عباس رضي الله عنه وقف أمام المرآة يصلِحُ هيئته ويُعَدِّلُ
من زينته، فلما سئل في ذلك قال: أتزيّنُ لامرأتي كما تتزيّنُ لي، ثم تلا الآية
الكريمة: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228]. وهذا من عميق فقه الصحابة للقرآن
الكريم (القرضاوي، ملامح المجتمع المسلم، ص 340) (الأفغاني، الإسلام والمرأة، ص
72).
ولم
يهدر الإسلامُ شخصية المرأة بزوجها، ولم يذبها في شخصية زوجها، كما هو الشأن في
التقاليد الغربية التي تجعل المرأة تابعة للرجل، فلا تُعرف باسمها ونسبها ولقبها
العائلي، بل بأنها زوجة فلان. أما الإسلام فقد أبقى للمرأة شخصيتها المستقلة
المتميزة، ولهذا عرفنا زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم بأسمائهنّ وأنسابهنّ،
فخديجة بنت خويلد، وعائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وميمونة بنت الحارث، وصفية
بنت حُيَي، وكان أبوها يهودياً محارباً للرسول صلى الله عليه وسلم.كما أنّ شخصيتها
المدنية لا تنقص بالزواج، ولا تفقد أهليتها للعقود والمعاملات وسائر التصرفات،
فلها أن تبيع وتشتري، وتؤجر أملاكها وتستأجر، وتهب من مالها وتتصدق وتوكل وتخاصم. وهذا
أمرٌ لم تصل إليه المرأة الغربية إلاّ حديثاً، ولازالت في بعضِ البلاد مقيَّدةً
إلى حدٍّ ما بإرادة الزوج (القرضاوي، ملامح المجتمع المسلم، ص 341) (الأفغاني،
الإسلام والمرأة، ص 72).
المراجع: