الدولة الباهتة التي أنشأها السيسي وأعوانه لا تزال تعلن عن هشاشتها من موقف إلى آخر.. دعك من الخسة والنذالة التي أبدوها في تعاملهم مع الطالبات والنساء والشيوخ والأطفال، فتلك قصة أخرى، ولها حديث آخر.
مع بدء الموسم الدراسي تتفتح الآمال، وتشرق النفوس والعقول، وتستقبل البيوت والطلاب عاما تعليميا جديدا يأملون أن يخوضوه بنجاح، ويقطعوه بتوفيق، إلا في وطني المختطف مصر!!
مصر التي افتتح أكابر مجرميها عامها الدراسي (2014 – 2015) بتجريد ألفي حملة أمنية على البيوت لإطفاء زهورها، وكسر نخيلها، وتجفيف نيلها البشري الثر.
مصر التي قبضت على الطلاب من بيوتهم وهم يتأهبون للسفر إلى جامعاتهم، ونشرت رايات الحزن في البيوت، وعلقت أعلام الخوف في سكك الجامعات وطرق الكليات والمدارس والمعاهد التعليمية.
مصر التي حول مجرموها الجامعات إلى ثكنات عسكرية تحرسها شركات أمن خاصة تتقن القتل، وتتكلم لغة السلاح والرصاص، وتتفاهم بلهجات الاعتقال والسجن والاختطاف.
مصر التي لم يكف انقلابييها جهازُهم القمعي المسمى بوزارة الداخلية بجلاوزته وجلاديه وأجهزته وقناصته وقتلته، فاستأجرت صنفا آخر من المجرمين والقتلة والمرتزقة... إنهم "بلاك بلوك" بغير قناع!
مصر التي تحول المسئولون في جامعاتها من رجال علم وتعليم إلى مخبرين وبصاصين، ونطقت ألسنتهم وتكلمت جوارحهم بقيم الوضاعة، وكشفت عن أن خلف الحُلل النظيفة التي تكسوهم نفوسا ملوثة، ووراء الصور اللامعة نفوسا كئيبة وضمائر مريضة.
مصر التي سلط فيها الانقلابيون عبيدها على أحرارها، وعدّت الطالب الجاسوس الذي يبلغ عن زميله "وطنيا" حرا يبلغ عن "مخرب" خطير!! إنه اللعب على أنغام الوضاعة، والاستجاشة لمعاني السفالة القابعة خلف حجب نفوس كثيرة.
* * *
إن مصر التي نعرف ويعرف العالم قد وجهت شبابها ورجالها لاستقبال عمرو بن العاص وجيشه حين جاء منقذا لها من الظلم والتسلط الروماني، حين أقبل وفي يده سيف العدل، وفي قلبه نور الإيمان، وفي فمه لسان الحق.
إن مصر التي نعرف ويعرف العالم قد جردت جيشها لردع الصليبية الغازية، ودفع شرها عن الأمة بأسرها، ثم جردت جيشها لكسر التتر ودفع طوفانهم الهادر عن تخريب العالم المعمور شرقه وغربه، وأرسلت المجاهدين والعسكريين لإنقاذ فلسطين، ولولا دم الخيانة الذي يجري في نفوس مريضة ما سمعنا عن دولة صهيون إلا في كتب التاريخ.
إن مصر التي نعرف ويعرف العالم هي قبلة العلم ومثابة الثقافة العربية والإسلامية، مصر الأزهر والجامعات والحضارة الزاهرة والريادة الأولى للتحضر البشري.
مصر التي نعرف - حتى في أيام طغاة الفراعنة الأولين – لم تجرد جيشها لقتل أبنائها، ووأد مستقبلهم، واختطاف بناتها وأطفالها.. إن فرعون الذي طارت سيرته في التاريخ نموذجا للطغاة المتسلطين والضُّلّال الزائغين، كان أعقل من أولئك السفهاء الذين يديرون أمر مصر بلا عقلٍ فقيه ولا خلق حميد.
إن صفحات الانقلاب سودٌ كالحات، ولن تحفظ لهم سيرتهم دنيا، ولن تبقي لهم سياستهم دينا، فقد أسروا وطنا لا شخصا، واستباحوا أمة لا رجلا، وحسبوا أن آلتهم القمعية التي صنعتها رشاوى يقدمونها في صورة رواتب وعطايا محرمة سوف تكفيهم أمر هذا الشعب..
* * *
وإنا لنشعر أن القوم قد أخذوا نصيبهم من النصيحة والموعظة، فكم ذكّرهم المذكرون بأنه لا دين ولا خلق ولا وطنية ولا إنسانية تبيح لهم أن يفعلوا ما يفعلون من قتل وتعذيب وتقطيع للأرحام وتخريب للحياة، كما نصحهم الناصحون بأن تصرفاتهم لن تحفظ لهم دنياهم وستضيع عليهم آخرتهم، ولكن غلب عليهم الصمم والخرَس والعمى..
بل استأجروا من لابسي العمائم من يسوّق لهم باطلهم على أنه الحق الصراح، وظلمهم على أنه العدل التام، وتخريبهم على أنه الإعمار والإزهار، فعتوا عما نهاهم عنه الناصحون، وتنكبوا الطريق الذي ينبغي أن يسلكه العقلاء من حفظ الحقوق وصون الحرمات.. وقوم هذه سيرتهم لن يبقي لهم الدهر دولة، وستحصدهم الأيام القريبة حصدا.
لذا علينا أن نضرب عنهم صفحا، ونتجه بالكلام اتجاها آخر يؤتي أكلا، ويجد أذنا سامعة وقلبا فاقها، فنتجه بكلامنا إلى أحبابنا الطلاب الأحرار.
* * *
أيها الشباب في الكليات والجامعات، لستم أول من ضحى وثبت، وإن جبنتم – عافاكم الله – فلن تكونوا أول من جبن، إلا أن صفحات الشجعان التي حُفظت لنا ليست كصفحات الجبناء.. مات الجميع في النهاية، لكن بقيت صفحات تشرق ويتلألأ الضياء في جنباتها، وصفحات أخرى جللها العار، وكساها سوء السيرة.
ما رماكم جنرالات الانقلاب ورجال أعماله بكل هذه القوة إلا لأنكم تهزون أركانهم، وتزعزعون بنيانهم. إن أصواتكم التي تتردد – ولو بين جدران الجامعة وفي داخل الكليات - يسمعها العالم، وتتابعها الدنيا، وتوصل رسالة إلى الأرض كلها بأن الثورة مستمرة، وأن قضية الشرعية لم تمت..
رسالتكم تقول: إن سجون الظالمين آلمتنا، واعتداءهم على الأعراض أبكى عيوننا، وتفريقهم بيننا وبين شهدائنا برصاص الظلم قد جرح قلوبنا، إلا أن هذا كله يغرس لنا مزيدا من العلامات على الطريق التي نعرفها، طريق الإيمان والحرية والوقوف في وجه البغي والظلم، وردع أهل الجور والطغيان.
يا طلاب مصر، لستم فقط مستقبل أمتكم وأملها المشرق، بل أنتم اليد القوية التي تطرق الآن أبواب السجون لإنقاذ المضهدين، وإطلاق الحرائر الأسيرات، ورد المطاردين إلى بيوتهم ومتاجرهم ومصانعهم ومكاتبهم.. اليد التي تحنو على أم شهيد، وتمسح شعر ابن شهيد، وتواسي زوجة شهيد.
أنتم السواعد الفتية التي تهز كراسي الإجرام عن أن يستقر لها أمر، أو يسلم لها حكم.. صوتكم الصارخ يزلزل كرسي السيسي ورجاله، وراياتكم التي ترفعونها "يسقط يسقط حكم العسكر" "نام وارتاح يا شهيد دي الثورة عادت من جديد" - تحطم آمالهم في النجاة من الحساب العادل والقصاص المكتوب.
إيقاف الدراسة يهزهم، تسيير التظاهرات يصيبهم بلوثة عقلية، تعليق اللافتات والملصقات المنددة بهم وبدولتهم وبعارهم وشنارهم يغزوهم بالإحباط، تحديهم وتحدي جبروتهم يؤلمهم، كشف عملائهم وفضحهم يفض أنصارهم عنهم، توعية من لا يفهم من الطلاب والموظفين ينقص من أرضهم التي كسبوها بالكذب الإعلامي والدجل الفضائي.
إنها معركة كسر الرقاب لا عض الأصابع.. شديدة هي، فيها خوف لكن الرجاء في الله يغالبه، فيها ألم ولكن الأمل ينافسه، فيها ثمن لكن الثمن الذي تكفل الله به خير وأبقى.
اكسروا بثباتكم وصبركم وتضحياتكم رقبة الانقلاب، وخذوها فرصة لتسجيل أمجاد خالصة لوجه الله تعالى. لقد قاتل زملاؤكم عصاباتِ الصهاينة في فلسطين من قبل فكانت صفحة مجد باهر، وتظاهروا ضد الاستعمار الإنجليزي في شوارع القاهرة والمحافظات، ونسفوا بالقنابل معسكراتهم في القناة فكانت صفحة أخرى سبقتها صفحات وستتلوها صفحات بإذن الله تعالى.
ما توقف زملاؤكم عن التظاهر والاعتراض على الظلم الاجتماعي والانحراف السياسي والفساد الاقتصادي منذ عرفت بلادكم الجامعات، فكان يهتز لأصواتكم عرش فؤاد وفاروق وكرسي الرؤساء الجمهوريين من بعده.
ولا يغنينا هذا كله عن التفكير في التفعيل الدقيق لطاقاتكم، والتوظيف المحكم لتجمعاتكم، والتجديد في الوسائل، وتعديد الأساليب والطرق التي تنهكون به الانقلاب وأجهزته، وتحقيق التكامل بينكم وبين حراك الشارع ضد الانقلاب، مع ضرورة التواصل مع الإعلام الحر مكتوبا ومسموعا ومرئيا، والله تعالى خير الناصرين.