البحث

التفاصيل

الفقه وحسن الفهم

الرابط المختصر :

 أول حقوق العلم على طالبه أو صاحبه: أن يبذل فيه جهده، حتى يحكمه ويتقنه ويهضمه، وينتقل به من مرتبة "العلم" إلى مرتبة "الفقه". الفقه بالمعنى القرآني والنبوي لا بالمعنى الاصطلاحي، الذي معناه تحصيل علم الفروع على مذهب من المذاهب.

والفقه بهذا المعنى المنشود أخص من العلم، لأن معناه لغة: الفهم والتفطن وحسن الإدراك، ومقتضى هذا ألا يقف عند الظواهر، وإنما يغوص إلى المقاصد، وألا تشغله الألفاظ عما وراءها من معان، وألا تغرقه الجزئيات فينسى الكليات.

والقرآن طلب منا النفير للتفقه في الدين لا لمجرد التعلم، فقال تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين).

والحديث النبوي المتفق عليه يقول: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين".

وأول مراتب هذا الفقه: أن ينتقل من الرواية إلى الدراية، من الحفظ إلى الفهم، فيفهم عن الله ورسوله مرادهما، ويسأل أهل العلم ويحاورهم حتى يفهم ويفقه.

وقد قال سلفنا: ليس العلم بكثرة الرواية، إنما هو نور يقذفه الله في القلب.

وفي الحديث الشريف: "رب حامل فقه ليس بفقيه".

وفي القرآن الكريم قد صور لنا الذي يحمل العلم ولا يفقهه ولا يفهم أسراره، بالحمار الذي يحمل نفائس الأسفار (أي الكتب) ولا يدري عما تحتويه شيئا، وهذا ما وصف به القرآن اليهود في عصر النبوة حين قال: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا).

أخذ هذا المعنى شاعر مسلم، فوصف به الذين يحملون العلم ولا يعون مقاصده، ولا يغوصون فيه، فقال:

زوامل للأسفار لا علم عندهم

 وفي حديث الصحيحين عن أبي موسى تشبيه العالم الفاهم المعلم بالأرض الطيبة التي قبلت الماء الذي نزل عليها من السماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وانتفع الناس بها، كما شبه العالم الراوي بالأرض التي لم تقبل الماء، ولكنها احتفظت به، فشرب الناس منه، وسقوا وزرعوا، ففرق الحديث بين العلماء الوعاة، والعلماء الرواة، ومن هنا ركز علماء السلف على الدراية أكثر من الرواية.

إن آفة كثير من المشتغلين بعلم الدين خاصة هو "الحرفية" في فهم نصوصه، وجمودهم على ظواهر ألفاظه، وعدم وقوفهم على أسراره، لأنهم دون هذه المرتبة بحكم مؤهلاتهم العقلية والنفسية، ولكن مشكلتهم أنهم يضعون أنفسهم في زمرة "الأئمة"، ويتصدرون الصفوف للدعوة، والتعليم والإفتاء!

وهؤلاء عادة يعوقون عملية التغيير المطلوب، ويقفون عقبة في طريق الإصلاح والتجديد الإسلامي، وكثيرا ما شكا منهم المجددون الأصلاء أمثال ابن تيمية وابن القيم قديما، وأمثال محمد عبدة، ورشيد رضا حديثا.

ولقد رأيناهم أشد على دعاة التجديد والإصلاح من "العلمانيين" وخصوم الدين في بعض الأحيان، وقديما قالوا: عدو عاقل خير من صديق أحمق.

ــــــــ

- عن كتاب "الحياة الربانية والعلم" للشيخ القرضاوي.

 http://www.qaradawi.net/new/library2/284-2014-01-26-18-53-16

 


: الأوسمة



التالي
هكذا تحدث الشيخ طه حسين
السابق
الأخلاق في الطب - الحلقة الخامسة والأخيرة

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع