الرابط المختصر :
ولد أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في شوال سنة أربع وتسعين ومائة 194 للهجرة في بخاري ، وألهم حفظ الحديث وهو ابن عشر سنين كما يقول عن نفسه ، وحين بلغ من عمره ست عشرة سنة صحب أمه وأخاه للحج بمكة ، وبعد أن أنهوا المناسك عاد أخوه وأمه وبقى هو بمكة في طلب الحديث .
طلب الحديث في كبريات منارات العلم في عصره على أيدى أكابر العلماء والمحدثين في مكة ، والمدينة ، وبغداد ، والبصرة ، والكوفة ، ومصر ، والشام ، وبخاري ، وبلخ ، ومرو .
وعن كتابه المعروف بصحيح البخاري قال : كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال بعض أصحابنا: لو جمعتم كتابا مختصرا لسنن النبي - صلى الله عليه وسلم - فوقع ذلك في قلبي ، فأخذت في جمع هذا الكتاب (الجامع الصحيح ) ، وصنفته في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى ، وما أدخلت فيه إلا ما صح، وتركت من الصحاح كي لا يطول الكتاب ، وأخرجته من زهاء ستمائة ألف حديث .وما وضعت فيه حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك، وصليت ركعتين .
وللأسف هناك بعض من لا يعرف سنن الغسل أو الأغسال المستحبة أو الواجبة في الفقه الإسلامي يتطاول على رجل في طهارة البخاري ويسخر من صحيحه .
ومما يستأنس به في هذا الصدد ما ذكره أبو زيد المروزي الفقيه قال : كنت نائما بين الركن والمقام، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال لي: يا أبا زيد، إلى متى تدرس كتاب الشافعي، ولا تدرس كتابي ؟ فقلت: يا رسول الله وما كتابك ؟ قال: (جامع) محمد بن إسماعيل.
نحن تتحدث عن رجل عطرت سيرته مجالس الصالحين ، وزين صحيحه مكتبات الدنيا وحلق العلم . ولا يذكر الحديث الصحيح إلا والبخاري في مقدمة المأمومين والمقصودين ،ولذلك كان من المسلمات لدى أهل العلم الشرعي إذا نقل أحدهم حديثا عن صحيح البخاري يكفى أن يقول : رواه البخاري ، غير محتاج إلى حكم عليه من أئمة الحديث وعلماء الجرح والتعديل .
كتابه الجامع الصحيح هو أعلى الكتب الستة سندا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- ، وذلك لأن البخاري كان أسن الجماعة، (وهم البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ) وأقدمهم لقيا للكبار، أخذ عن جماعة يروي الأئمة الخمسة عن رجل عنهم.
سلمت له الأمة ممثلة في علمائها بإمارة الحديث وإمامته .قال الحاكم : البخاري إمام أهل الحديث . وقال ابن خزيمة : ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأحفظ له من محمد بن إسماعيل .
وفى توثيقه للحديث وتثبته قال : كنت إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه وكنيته ونسبته وحمله الحديث.فإن لم يكن سألته أن يخرج إليَ أصله ونسخته.
واعترافا بفضله ، ومعرفة بحقه ، وإنزالا لقدره ، كان يحيى بن جعفر يقول: لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل من عمري لفعلت ، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموته ذهاب العلم . وجاء الإمام مسلم بن الحجاج إلى البخاري فقال: دعني أقبل رجليك يا سيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله .
وقال أبو عيسى الترمذي: لم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل .وقال أحمد بن حنبل : ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل .
وفى حفظه وإحاطته بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمرو بن العلاء : حديث لا يعرفه البخاري ليس بحديث .
مثله في الزهد والورع لا يعبأ بمن ينالون من عرضه ، إنه ينظر إلى الآخرة التي نساها من تطاولوا عليه ، وعند الله تجتمع الخصوم .
قال بكر بن منير: سمعت أبا عبد الله البخاري يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا. وعقب على هذا الإمام الذهبي فقال : صدق - رحمه الله - ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس، وإنصافه فيمن يضعفه، فإنه أكثر ما يقول: منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر، ونحو هذا. وقلَ أن يقول: فلان كذاب، أو كان يضع الحديث، حتى إنه قال: إذا قلت: فلان في حديثه نظر، فهو متهم واه، وهذا معنى قوله: لا يحاسبني الله أني اغتبت أحدا، وهذا هو والله غاية الورع .
اشتد به المرض في آخر أيامه ، فدعا بدعوات ثم اضطجع فقضى نحبه في قرية تسمى خرتنك من قرى سمرقند سنة ست وخمسين ومائتين للهجرة 256هـ
قال بعض من حضروا جنازته :لما دفناه فاح من تراب قبره رائحة غالية أطيب من المسك، فدام ذلك أياما .
إن رجلا في قدر وقيمة البخاري لا يبغضه إلا جاهل أو حاقد أو صاحب هوى وغرض ، وإن الهوى شر إله عبد في الأرض .
اللهم إني شهدت بما علمت عن عبدك محمد بن إسماعيل مما جاءنا في أوثق مصادر التراجم والأعلام ، وبرئت ممن أساء إليه ونال منه ، فاجعل شهادتي قربة منى إليك ، وأمارة يعرفني بها يوم العرض عليك ، واجعلني ممن يشفع له – إن كان من أهل الشفاعة - بين يديك .