السورة
القرآنية الأكثر تهديدًا للمشروع الصهيونيّ
بقلم: د. عطية
عدلان
عضو الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين
ما يبدو للكثيرين هو أنّ
سورة بني إسرائيل (الإسراء) هي السورة الأكثر إزعاجًا للصهاينة، والأكثر
تهديدًا للمشروع الصهيونيّ، وعلى الرغم مما حملته السورة من معان وحقائق، ابتداءً
من خبر الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى، بما يحمله من دلالات ذات أبعاد عميقة في الصراع، ومرورًا بالحديث عن علوّ
بني إسرائيل الأول والثاني والمآل الذي يفضي إليه كل منهما، وانتهاءً بذلك الخبر
الذي أراه -على وجه من وجوه تفسيره- أشدّ وقعًا: {وَقُلْنا
مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ
الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفًا}، على الرغم من ذلك كله فإنّ
السورة الأكثر إزعاجًا وتهديدًا للصهاينة ولمشروعهم ليست الإسراء، وإنّما سورة
أخرى يغفل عنها الكثيرون.
الوعد
الإبراهيمي بين الحقيقة والافتراء
إذا عدنا إلى التوراة التي
في أيدي الصهاينة اليوم وجدنا في سفر التكوين منها أصلًا لمشروعهم، يتمثل في الوعد
الذي صدر بالأصالة عن إبراهيم، لكنّه أُعقب بتأكيد من يعقوب وسُبق بتوطيد من نوح،
على هذا النحو: في الإصحاح التاسع: “فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه
الصغير فقال: ملعون كنعان، عبد العبيد يكون لأخويه، وقال: مبارك الرب إله سام،
وقال: ليكن كنعان عبدًا لهم”، وفي الإصحاح الثاني عشر: “قال الرب لإبرام اذهب من
أرضك، ومن عشيرتك، ومن بيت أبيك، إلى الأرض التي أُريك… وكان الكنعانيون حينئذ في
الأرض وظهر الرب لإبرام وقال: لِنَسْلِكَ أُعطي هذه الأرض”، وفي الإصحاح الثامن
والعشرين: “أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق، الأرض التي أنت مضطجع عليها
أعطيها لك ولنسلك، ويكون نسلك كتراب الأرض وتمتد غربا وشرقا وشمالا وجنوبًا،
ويتبارك فيك وفي نسلك جميعا لقبائل الأرض”، وكنعان في زعمهم جدّ العرب، بينما
المعلوم بالضرورة من التاريخ والأنساب أنّ العرب من الشعوب السامية، لكنّها
المكابرة الإسرائيلية.
ذلكم هو الوعد المفترى الذي
يبني عليه الصهاينة مشروعهم، أمّا الوعد الحقّ الذي جاء في الكتاب الذي لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو هذا الذي جاء في سورة البقرة: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمامًا قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ
عَهْدِي الظَّالِمِينَ}، فالذي جرى بموجب هذه الآية أنّ الله امتحن
إبراهيم عليه السلام بأحكام شريعته، فأتمّها وقام بها خير قيام؛ فكان مما عجله
الله له من الأجر أن أعطاه شرف الإمامة على البشرية والحراسة لمنهج الله، فتطلع
إبراهيم إلى استمرار هذا الشرف في ذريته، ودعا ربه بذلك، فأعطاه الله وعدًا
مشروطًا بأنّ من انحرف من ذريته وظلم لا يناله هذا الوعد، فالوعد في أصله وعد
بالإمامة أمّا الأرض فليست أصلًا في صميم الوعد، وإن كان استحقاقها يأتي مترتبًا
على القيام بمهام هذه الإمامة، فلمّا انحرف بنو إسرائيل ذهب عنهم ما فُضِّلوا به
على عالمي زمانهم، وذهب معه شرف الإمامة.
الوارثون
للوعد في آخر الزمان
ولم تكتف السورة بهذا
التقرير الخطير؛ بل أتبعته بالإشارة إلى الأحقّ بهذا الوعد في هذا الزمان وإلى يوم
الدين، حيث انعطف السياق مباشرة بعد الحديث عن الوعد الحقّ إلى الحديث عن البيت
العتيق والبلد الحرام ثم إلى الحديث عن الأمة الإسلامية على هذا النحو التأسيسيّ
الذي يحمل المعنى المقصود وزيادة: {وَإِذْ
جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ
إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا
بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. وَإِذْ قالَ
إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ
الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ
كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ. وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ
وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً
لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِكَ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}؛ مما يؤكد أنّ الأمة الإسلامية هي التي ورثت
الوعد بالإمامة، وورثت معه كل التركة.
الآفات التي
استوجبت نزع الحقّ
الجرأةُ على الله وعلى
رُسُلِ الله.. الحنينُ إلى الجاهلية.. نكثُ العهود ونقضُ العقود.. التحريفُ
والتزييف للوحي الإلهيّ.. التلبيسُ على الناس وكتمان الحقيقة.. تركُ العمل إلى
اللجاج والجدل.. الادعاء الفارغ واتباع الأماني.. استباحة الدماء.. الحسد الأسود..
التهالك على الدنيا.. اتباع السحر والخرافة.. اعتمادُ الحيلة للالتفاف على
التكليف. تلك هي الآفات التي أفضت إلى نزع شرف الإمامة على البشرية والخلافة على
منهج الله من بني إسرائيل، تلك هي الأفعال التي وضعتهم في دائرة الظلم الذي يزيل
النعم ويجلب النقم ويمنع النَّيْلَ الأعظم: {لا
يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}، ولقد كشفت سورة البقرة عن تلك السوءات؛
ليكون ذلك الكشف والفضح تأسيسًا للحدث الهائل، وليكون كذلك تنبيها لهذه الأمة
وتحذيرًا لها من المزالق التي انحدر فيها بنو إسرائيل، وذلك قبل أن تنخرط السورة
الكريمة في بناء التشريع المتماسك الرشيد الذي يهيئ الأمة الإسلامية للقيام بهذا
الواجب الكبير.
مقامنا
ومقامهم بين الماهية والهوية
ثمّ لم تكتف السورة بهذا
كلِّهِ بل أكدت أنّ الإسلام هو دين إبراهيم، مَن رغب عنه فقد سفه نفسه، هو دينه
الذي أوصى به بنيه؛ فكان هو دين جميع أنبياء بني إسرائيل، وذلك قبل أن تقرر السورة
أنّ هذا الإسلام هو {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ
أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}، ولأنّ الأمر على هذا النحو من العمق
والتميز كان لا بد من تمايز الهويات التي تعبر عن تمايز الماهيات، فجاء تحويل
القبلة؛ لأنّ الأمة الوسط لا يصح أن تذوب هويتها في هوية الساقطين؛ فالبقرة -إذن-
هي الأكثر تهديدًا، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي
كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.