رمضان يطرق الأبواب.. فأين أهل الإقبال؟
بقلم: د. عبدالعزيز رجب
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
لقد
اقترب ضيف كريم، وحلّ بنا موسم عظيم، إنه شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران،
الشهر الذي تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب النار، وتُصفّد فيه الشياطين،
ويُنادي فيه منادٍ:
"يا
باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر" [رواه الترمذي وابن ماجه].
إنه
الشهر الذي تُسكب فيه الدموع عند الأسحار، وتُرفع فيه الأكف بالدعاء، وتخشع القلوب
بآيات القرآن، الشهر الذي أنزله الله هدايةً للأنام، ونورًا للقلوب والأفهام، فقال
تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًۭى لِّلنَّاسِ
وَبَيِّنَـٰتٍۢ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185].
مرحبًا
برمضان! مرحبًا بشهر القرب من الرحمن! مرحبًا بشهر الصلاة والقيام، والتوبة
والغفران! فيه ليلة هي تاج الليالي، وزهرة الأيام، ليلة خير من ألف شهر، قال الله
عنها: ﴿لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌۭ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 3].
كيف كان النبي ﷺ يستعد لرمضان؟
لم
يكن النبي ﷺ يستقبل هذا الشهر العظيم كأي شهر، بل كان يترقبه بشوق، ويستعد له
بفرح، ويبشر أصحابه بقدومه، فيقول: "أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه،
فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم
ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا" [رواه الطبراني].
وكان
ﷺ في رمضان بحرًا متدفقًا من الخير، لا يُسأل شيئًا إلا أعطاه، كما قال ابن عباس
رضي الله عنه: "كان رسولُ الله ﷺ أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان
حين يلقاه جبريل" [متفق عليه].
وحينما
تقترب العشر الأواخر، كان يجتهد اجتهادًا لا مثيل له، فتقول عائشة رضي الله عنها: "كان
النبي ﷺ إذا دخل العشر شدّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله" [متفق عليه].
كيف كان الصحابة والسلف يستعدون لرمضان؟
إن
الصحابة والسلف الصالح لم يكونوا يعدون رمضان شهرًا عاديًا، بل كانوا يرونه فرصة
العمر، وجائزة المتقين، فكانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه
ستة أشهر أن يتقبله منهم!
يُروى
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان أول من جمع الناس على التراويح، وأول من أنار
المساجد بالقناديل في رمضان، فلما رآها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: "نوّر
الله لكَ يا ابن الخطاب قبرَك، كما نوّرتَ مساجد الله بالقرآن" [كنز العمال].
وكان
الحسن البصري رحمه الله يقول: "إن الله جعل رمضان ميدانًا لخلقه، يستبقون فيه
بطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا".
حتى السماء تستعد لرمضان!
إذا
جاء رمضان، تغيّرت أقدار الكون، وتبدّلت قوانين الغيب، فأبواب الجنة تُفتح، وأبواب
النار تُغلق، والشياطين تُصفّد، والرحمات تُسكب، فقد قال النبي ﷺ: "إذا جاء رمضان،
فُتحت أبواب الجنة، وغُلّقت أبواب النار، وصُفّدت الشياطين" [متفق عليه].
فيا
له من موسم عظيم! فهل أعددت نفسك لتكون من الفائزين؟
كيف نستعد لرمضان؟
1-
التوبة النصوح الآن وفورًا
رمضان
ليس مجرد أيام تُعد، بل هو أبواب تُفتح، وفرصة تُمنح، فمن أراد أن يدخل رمضان
بقلبٍ صافٍ ونفسٍ مقبلة، فعليه أن يتوب توبة صادقة، قال الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى
اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].
2-
الدعاء بأن يُبلغك الله رمضان
كان
معلى بن الفضل يقول: "كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه
ستة أشهر أن يتقبله منهم".
3-
الفرح بقدومه
رمضان
ليس شهر المشقة، بل هو شهر الفرح بالقرب من الله، فقد قال النبي ﷺ: "لِلصَّائمِ
فرحتانِ: فرحةٌ عند فِطرِه، وفرحةٌ عند لقاءِ ربِّه" [متفق عليه].
4-
وضع خطة عملية
*
اجعل لك خطةً واضحةً:
-
ختم القرآن
-
صلاة التراويح والقيام
-
حضور الدروس والمحاضرات
-
إفطار الصائمين
-
صلة الأرحام
-
العمرة في رمضان
5-
العزم الصادق على اغتنامه
قال
الله تعالى: ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [محمد: 21].
فليكن
لنا عزم صادق أن نجعل هذا الرمضان نقطة تحول في حياتنا، وأن نخرج منه بقلوب أنقى،
وأعمال أتقى.
6-
التهيئة النفسية والروحية
اقرأ
عن فضائل رمضان، واستمع إلى الدروس، وتدبّر القرآن، حتى تُقبل عليه بقلبٍ متشوّق، وروحٍ
متعطشة لنفحاته.
وأخيرًا..
-
هنيئًا لمن اغتنم رمضان، فجعل أيامه طاعة، ولياليه عبادة!
-
وويلٌ لمن فرّط فيه، فمرت لياليه باللهو، وأيامه بالغفلة!
-
وربّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش!
فاللهم
بلغنا رمضان، وأعنّا على صيامه وقيامه، وبارك لنا فيه، وتقبّله منا، واعتق رقابنا من
النار، واجعلنا من الفائزين فيه، برحمتك يا أرحم الراحمين!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.