مستقبل أية دولة في العالم، رهين بمدى
العناية بالطفولة
بقلم: بن سالم باهشام
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على
سيدنا محمد واله وصحبه، ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين.
العناصر الأساسية
1 - طلب الذرية حبا في الولد فطرة إنسانية
2 - من أهداف الإسلام استئصال الفساد من الأرض بكل أنواعه
3 - وجوب تقدير البنوة وإحاطتها بما تستحق من البر في الاسلام
4 - مستقبل أية دولة في العالم متوقف على مدى الاهتمام بالطفولة
5 - مفهوم الإكرام الذي أمر به الإسلام تجاه الطفولة
1 - طلب الذرية حبا في الولد فطرة إنسانية
يقول الحق عز وجل في محكم كتابه في سورة آل عمران: ﴿
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِیَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ
رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّیَّةࣰ طَیِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِیعُ ٱلدُّعَاۤءِ﴾
[آل عمران 38]، أيْ لَمّا رَأى زَكَرِيّاء عطاء الله لمريم العذراء عليها السلام،
وعَلِمَ أنَّ القادِر عَلى الإتْيان بِالشَّيْءِ فِي غَيْر حِينه، قادِر عَلى
الإتْيان بِالوَلَدِ عَلى الكِبَر والعقم، والحالة أن أهْل بَيْته قد انْقَرَضُوا،
﴿ دَعا زَكَرِيّا رَبّه﴾ لَمّا دَخَلَ المِحْراب لِلصَّلاةِ جَوْف اللَّيْل،
﴿ قالَ رَبّ هَبْ لِي مِن لَدُنْك﴾، أي مِن عِنْدك ﴿ ذُرِّيَّة
طَيِّبَة﴾، أي ولَدًا صالِحًا، ﴿إنّك سَمِيع﴾ مُجِيب ﴿الدعاء﴾.
لقد قص القرآن الكريم علينا قصة نبي الله زكرياء عليه
السلام، الذي طلب من الله تعالى أن يرزقه ولدا طيبا صالحا، وألح في الطلب، رغم
كونه قد بلغ ما بلغ من العمر، وزوجته عاقر، بالإضافة إلى أنها قد فاتها أوان الحمل
لكبر سنها، بمعنى أن كل احتمالات الحمل كانت منعدمة، ورغم ذلك؛ فإن الأمل في الله
لم ينقطع، والحنين إلى الولد لا زال مستمرا، وتحكُّم الفطرة ودافع الغريزة إلى
الذرية، كل هذا لم يترك سيدنا زكرياء عليه السلام، يستسلم لليأس من الولد، فتوجه
متضرعا إلى الله عز وجل، رافعا أكفه إليه سبحانه، وهو على يقين تام لا شك فيه ولا
ارتياب، أن الله على كل شيء قدير، فكان منه عليه السلام هذا الدعاء، والذي هو طلب
الذرية الطيبة، وجاء دعاؤه عليه السلام بالصيغ المتعددة، وفي أوقات متنوعة، لأن
الله يحب العبد الملحاح، قال تعالى في محكم كتابه في سورة الأنبياء:﴿ وَزَكَرِيَّا
إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾
[الأنبياء 89]، وبقي يدعو ربه عز وجل إلى أن استجاب الله دعاءه، قال سبحانه في
سورة آل عمران: ﴿ فَنَادَتْهُ
الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ
يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا
وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ* قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ
بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ، قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا
يَشَاءُ﴾ [آل عمران: 39، 40]، وقال تعالى في سورة الأنبياء: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا
لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ، إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي
الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾[الأنبياء:
90]، وبهذه البشرى؛ قوي الأمل في نفس سيدنا زكرياء عليه السلام، وحقق الله رجاءه.
إن حب الولد؛ سواء كان ذكرا أو أنثى، فطرة في
الإنسان، وفي كل نفس حية، وإذا كان الله عز وجل قد جعل في هذا الإنسان الفاني، غريزة
حب البقاء والخلود، فإنه اعترف بغرائزه، وجعل لذلك منفذا تتحقق فيه هذه الغريزة،
وهي طلب الولد، وهذا ما يسمونه بغريزة بقاء النوع.
2 - من أهداف الإسلام استئصال الفساد
من الأرض بكل أنواعه
إن الله عز وجل لما كلف هذا الإنسان بالخلافة في
الأرض، وتسلم هذه المسؤولية، كانت الأرض كلها صالحة وخالية من الشرور، وما الشر
الموجود في هذا الكون إلا من الإنسان، لهذا شرع الله الإسلام الذي هو دين الله
الحنيف، لاستئصال جذور الشر من المجتمع بكل الوسائل، كما تستأصل النبتة المضرة من الجذور حتى لا تَنبت
مرة أخرى، أما النبتة الصالحة، فأوجب الله على الإنسان أن يوليها كل أنواع الرعاية،
حتى يشتد عودها، وتأتي ثمارها، وحتى ينشأ في مجتمعنا أفراد أسوياء صالحين لقيادة
العالم، والمحافظة على صلاح الأرض، والزيادة في إصلاحها، لهذا اعتنى الإسلام
بالأطفال، ولفت العقول والأفكار إلى مكانة الطفل في بناء المجتمع البشري، وتكوين
الأمم.
3 - وجوب تقدير البنوة وإحاطتها بما
تستحق من البر في الاسلام
على قدر
اهتمامنا بأطفالنا، على قدر الانتفاع بهم، والتمتع بثمراتهم عند الكبر، وقد ذكر
القرآن مواقف تنبئ عن مدى اعتزاز الآباء بأبنائهم، وعن شدة العطف عليهم، وفي ذكر
القرآن للأبناء، توجيه لنا إلى وجوب تقدير البنوة وإحاطتها بما تستحق من البر، ولا
شك أن الأبناء نعمة من أجلّ النعم، ولذلك يقول سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام
كما جاء في القرآن الكريم في سورة إبراهيم: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ
لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾
[إبراهيم: 39]، فهو يردد عليه السلام حمدا لله تعالى على ما رزقه، فنعمة الأولاد
تحتاج إلى صيانتها بالشكر عليها، فهي زينة الحياة الدنيا، وهي عدة تنفع يوم القيامة،
يوم العرض على الله تعالى.
4 - مستقبل أية دولة في العالم متوقف
على مدى الاهتمام بالطفولة
إذا أردتم معرفة مستقبل أية دولة في العالم، فانظروا إلى
أطفالها، ومدى العناية الموجهة إليهم، وما مدى
اهتمام آبائهم بهم، وما هي الصور العملية التي ترسُخ عند الأطفال في أذهانهم تجاه
والديهم؟ هل هم قدوة صالحة؟ أم قدوة سيئة؟ ومن الذي يربي هؤلاء الأطفال في المدارس؟
وكيف هي أخلاقهم؟ وإذا قاموا برحلة أو مخيم، ما هي أخلاق مؤطريهم...؟
إن تربية الأطفال الذين هم رجال الغد، ليست هي الطعام
والشراب واللباس والكسوة، فهذه تعتبر رعاية، يمكن لكل أحد القيام بها وليست تربية،
وإنما التربية هي إيقاظ الفطرة وتقويمها، قال تعالى في سورة الروم: ﴿ فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا، فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: 30]، وروى مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي
الله عنه، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ( كُلُّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ
عَلَى الْفِطْرَةِ، أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ
يُمَجِّسَانِهِ، فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَمُسْلِمٌ...)
[مسلم
(4/2048، رقم 2658)]، فالفطرة إذن؛ إقامة الوجه لله، وتستوي الفطرة أو تعوج وتحيد
عن الجادة بالتربية، ومن ثم يصبح دور التربية، تنمية الجوانب الفطرية في الإنسان،
وتقويم الانحراف الناتج عن التأثيرات الأسرية والاجتماعية والثقافية، فماذا تلقى
الأولاد من والديهم؟
إن فقدان الرعاية والحنان، والتوجيه السليم، والتربية
الصحيحة، يؤدي بالأطفال إلى ما لا تحمد عقباه، والحقيقة أن الطفولة في مهدها دائما
تقترن بالبراءة والطهر، ولكنها تتحول إلى طفولة بائسة متشردة، تندب حظها، وتقضي جل
أوقاتها بين أزقة التشرد، وطرقات الضياع، تلتمس الرزق والحياة السعيدة، فلا تظفر
بها، لا من يغيث، ولا من يستجيب، فتلجأ مضطرة إلى الانحراف، وارتكاب الجريمة. لأن هؤلاء الأطفال؛ عاشوا في أسر
منحلة ومنحرفة، يفتح عيناه على الكذب والزور والالتواء والسرقة والفحش والتبرج
وانعدام الصلاة وغياب الذكر بكل أنواعه في البيت...، وهكذا تحيط بهم الرذيلة من كل
الجوانب، فلا مفر لهذا الطفل البئيس من حياة التعاسة، والمستقبل المظلم. فأين المسؤولية التي
أوجبها الله على الآباء نحو أطفالهم، وفلذات أكبادهم؟ وأين قول الله جلت قدرته في
سورة التحريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ
غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا
يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]. وأين قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فيما
رواه البخاري ومسلم:
(كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتهِ: ...، والرَّجُلُ رَاعٍ
في أهْلِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأةُ رَاعِيَةٌ في بيْتِ
زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا،....، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ)، [أخرجه
: البخاري 7/41 ( 5200 )، ومسلم 6/7 ( 1829 ) ( 20 )].
إننا بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
نتحقق أن المرأةَ في البيت راعية ومسؤولة، والرجلَ راعي في البيت وخارجه ومسؤول،
لا عن الطعام والشراب والكساء فحسب، ولكن عن التربية الحسنة، والتعليم والتهذيب،
وحسن الخلق، وبهذا يبرز الطفل لميدان الحياة ولدا صالحا وذرية مثالية. وبالأحرى
أمة قوية ونظيفة وشريفة.
عباد الله، إن واجبنا نحو الطفولة أمر عظيم. فإن
تناولناه بالعناية والرعاية، كانت النتائج حميدة ومفيدة، وإن تقاعسنا وتركنا الحبل
على الغارب، برزت النتائج المؤلمة، وحقت كلمة العذاب على الأمة المفرطة في التربية
وحسن الخلق.
5 - مفهوم الإكرام الذي أمر به الإسلام
تجاه الطفولة
إن الإسلام أمرنا بإكرام الأولاد، والإكرام هو الشيء
الزائد على الواجب، روى ابن ماجة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: (أَكْرِمُوا
أَوْلَادَكُمْ، وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ،
فإن أولادكم هدية إليكم).[رواه ابن ماجه،(ح 3671)]. وليس
الإكرام هو التدليل الذي يغرس في نفوس الأطفال الميوعة وعدم الاهتمام بتقويم الأخلاق،
فإن ذلك مفسدة للتربية، وضياع للشخصية، بل الإكرام نوع من تنشيطهم لما هو أعدل وأقوم،
فيشعرون بالكرامة، ويحسون بالعطف والحنان، فتقوى بذلك محبتهم للوالدين، وتتربى في
نفوسهم العزة وشرف النفس، فإذا أهمل الأبوان، جانب الإكرام والإحسان إلى أبنائهم، أحس
الأبناء بالذلة والمهانة في أنفسهم.
إن للإكرام الذي أمرنا به الإسلام تجاه أبنائنا، حد
لا يتخطاه، وللإحسان قدر لا يتجاوزه، ولهاذين الأمرين: الإكرام والإحسان؛ شأن كبير،
وتأثير فعال في إعداد الشخصية المسلمة السوية، إذا صح التوازن بينهما بالقسطاس
المستقيم، وكان كل منهما يسير مع الآخر جنبا إلى جنب في التربية، يقول الإمام
الغزالي رحمه الله في رسالة "أنجع الوسائل": (الصبي أمانة عند والديه،
وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى
كل ما يمال به إليه، فإن عُود الخير وعُلّمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة
أبواه، وكل معلم له ومؤدب، وإن عُوّد الشر وأهمل إهمال البهائم؛ شقي وهلك، وكان
الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له).
وقد أكّد ابن القيم - رحمه الله - هذه المسؤولية
فقال: (قال بعض أهل العلم: إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة، قبل
أن يسأل الولد عن والده، فإنه كما أن للأب على ابنه حقاً، فللابن على أبيه حق،
فكما قال الله تعالى في سورة العنكبوت: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ
بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [العنكبوت: 8]، قال في سورة التحريم: ﴿ قُوا
أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم:
6]، فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم، فمن أهمل تعليم
ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم
من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً،
فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق،
فقال: يا أبتِ إنك عققتني صغيراً، فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً).
لما أدرك علماؤنا من سلفنا الصالح أهمية الاعتناء بالأطفال،
ألفوا في ذلك الكتب بعد تطبيقهم لتلك المبادئ الإسلامية السمحة التي أنشأت رجالا أفذاذا،
وهذا رجل من رجال الإسلام، وهو ابن سينا، العالم والطبيب المسلم ذو الأصول الفارسية،
والذي اشتهر بالطب والفلسفة واشتغل بهما. وقد ولد سنة 370 هـ الموافق(980م)، وتوفي
سنة 427 هـ الموافق (1037م)، وعُرف باسم الشيخ الرئيس، وسماه الغربيون بأمير
الأطباء وأبي الطب الحديث في العصور الوسطى. وقد ألّف 200 كتاب في مواضيع مختلفة،
العديد منها يركّز على الفلسفة والطب. نجده يبسط نظريته في إحدى كتبه فيما يخص هذه
المرحلة من حياة الطفل، حيث قال: (إذا فُطم الصبي عن الرضاع، بدئ بتأديبه ورياضة أخلاقه
قبل أن تهجم عليه الأخلاق اللئيمة، فإن الصبي تتبادر إليه مساوئ الأخلاق، فما تمكن
منه ذلك غلب عليه، فلم يستطع له مفارقة)، فإذا كانت التربية الخلقية هي أول ما يجب
أن يُطبع عليه الطفل منذ نشأته الأولى، فإن هذا الطفل ينشأ لا محالة مستقيم السلوك،
حسن المعاملة مع كل من تجمعهم به صلة، وبقدر ما تتمكن منه الأخلاق الفاضلة، بقدر
ما يبتعد عن الشرور والرذائل، ورحم الله من قال:
وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا
*** عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
وَما دانَ الفَتى بِحِجىً *** وَلَكِن يُعَلِّمُهُ التَدَيُّنَ أَقرَبوهُ
[شعر أبو العلاء المعري]
إن الاهتمام بالأطفال في الجانب الأخلاقي؛ لم يكن مقتصرا
عند السلف الصالح على طبقة الشعب فقط، بل حتى على أبناء الطبقة الحاكمة، فهذا
الملك العباسي هارون الرشيد، المتوفى سنة 193هـ
الموافق 809 م، دفع ولده محمدا الأمين لمعلمه، وأرفق معه هذه الوصية الموجهة إلى
المعلم، كما جاءت في الفصل 32 من مقدمة ابن خلدون: (إن أمير المؤمنين؛ قد دفع إليك
مهجة نفسه، وثمرة قلبه، فصيّر يدك عليه مبسوطة، وطاعتَه لك واجبة، وكن له بحيث
وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن، وعرفه الأخبار، وروّه الأشعار، وعلمه السنن،
وبصّره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته)اهـ، إنها استجابة حاكم
البلد لتوصية الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي قال فيها؛ فيما رواه الشيرازي في
فوائده، والديلمي، وابن النجار في تاريخه، وسنده ضعيف، عن علي رضي الله عنه: (أَدِّبوا
أولادَكم على ثلاثِ خِصَالٍ: حبِّ نبيكم، وحبِّ أهل بيته، وقراءةِ القرآن، فإن
حملة القرآن في ظل الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه)،[أخرجه
الديلمي (1/1/24). قال المناوي (1/226) : ضعيف].
فيا أيها الآباء والأمهات، إذا لم تكن البرامج
التعليمية في مدارسنا قد أولت للقرآن ما يستحقه من عناية، فما دوركم مع أبنائكم وبناتكم
في شأن القرآن الكريم، هل حاولتم أن تبرمجوا لهم حياتهم الدراسية وأنتم المسيرون،
وبيدكم الزمام، لتجمعوا لهم بين الدراسة والقرآن وفترات الراحة والترفيه، دون أن
يحسوا بالملل، أم أنكم أهملتم ذلك؟ فهذا عالم من علماء الأمة، وهو المناوي، من
علماء القرن الحادي عشر يقول: (من أهمل تعليم ولده ما ينفعه، فقد أساء إليه، وأكثر
عقوق الأولاد بسبب الإهمال أولا، ومن ثم قال بعضهم لأبيه: أضعتني وليدا فأضعتك شيخا).
إن الاهتمام بأطفالنا، يبدأ بأن نكون قدوة صالحة لهم،
وبإيجاد البيئة الطاهرة النقية لتربيتهم، ولا يمكن أن يتم هذا على صعيد الأفراد
فقط، إن لم تكن الجهود مكثفة، وإن لم نحمل همّ الآخرين، وإلا ضاع أبناؤنا وأبناء
أفراد مجتمعنا، وتخلف بلدنا، ولحقتنا الذلة. فنسال الله أن يصلحنا لذريتنا لكي
تصلح، وأن يعيننا على إنشائهم وتربيتهم تربية صالحة، وصلى الله وسلم على سيدنا
محمد، كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون إلى يوم الدين، والحمد لله الذي
بنعمته تتم الصالحات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي
كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.