البحث

التفاصيل

"ثبوت الهلال مسألة اجتهادية" والمرجع في ذلك أهل العلم

الرابط المختصر :

"ثبوت الهلال مسألة اجتهادية" والمرجع في ذلك أهل العلم

كتبه: أ.د/ بلخير طاهري الإدريسي

عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول صلى الله عليه وسلم،

من الحروب الفقهية الموسمية التي تطل علينا كل سنة، هي مسألة اختلاف المطالع، وقد تكلم عنها المتقدمون والمتأخرون والمعاصرون، وغرضي من هذا المنشور تقريب الشقة، ووضع اعتبارات علمية، وواقعية، واجتهادية.

فأما الاعتبارات الاجتهادية: هو أن المسألة كانت موكلة ابتداء إلى الرؤية المجردة، فإن عدمت لُجِئ إلى الحساب، بقفل المدة بثلاثين يوم عوضا عن تسعة وعشرين يوماً.

وهذا راجع في حسمه للعلماء، بنقل الثقات للرؤية، وهم من يشرفون على ذلك.

وأما الاعتبارات الواقعية: فهو اختلاف المطالع، تبعا لاختلاف الأقطار، وهذا أمر جيولوجي وفلكي طبيعي، خاصة أن الأمر يختلف من الأرض المسطح إلى ذات الجبال، إلى ذات ناطحات السحب، مما يحجب الرؤية الحقيقية في ظل الإنارة العمومية القوية والكثيفة، ويضاف إلى ذلك الطقس أو الجو المتغير بشكل أحيانا تنعدم فيه رؤية القريب على الأرض فضلا عن البعيد في السماء.

 وأما الاعتبار العلمي: فهذا من خلال الحسابات الفلكية التي تطورت على ممر الأزمان، وأصبحت هناك أجهزة ذكية، يكون رصدها أقرب إلى الحقيقة من العين المجردة،

ولعل هذا يدخل ضمن قوله تعالى: [يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ] (سورة الرحمن:33). فقيل السلطان هو العلم الذي تنفذ من خلاله إلى هذه الأكوان.

وفي هذا الصدد يقول ابن تيمية رحمه الله:" وابن عقيل كان يقول بالأخذ بالحساب في إثبات الهلال، ولا يُعتمد على الشهود، إذا خالفوا الحساب القطعي". المجموع: صرح الحافظ ابن عبد البر في التمهيد أن مسألة ثبوت هلال رمضان خلافية، وأن بعض العلماء قال باعتبار اختلاف المطالع، وبعضهم قال بعدم اعتباره،

حيث قال: "إلى القول الأول اذهب؛ لأن فيه أثرا مرفوعًا، وهو حديث حسَن تلزم به الحجةُ، وهو قول صاحبٍ كبير لا مخالفَ له من الصحابة، وقول طائفة من التابعين، ومع هذا: إن النظر يدل عليه عندي".

وهو يشير إلى حديث كريب، الذي رواه مسلم، وأن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل عليَّ رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال:

فقال: متى رأيتم الهلال؟

فقلت: رأيناه ليلة الجمعة.

فقال: أنت رأيته؟

فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية.

فقال: لكنَّا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه.

فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟

فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وعليه: فإن في المسألة سعة، ولكن لا بد من مراعاة هذه الاعتبارات:

* أولا: إن البقاء على الأصل هو الأسلم، عند الاختلاف في مدلولات الألفاظ في فهم النصوص، واللجوء إلى ظواهر. النصوص عاصم عند الاختلاف في قراءة النص واستثماره.

* ثانيا: إن القول في نفي الفارق بين الأقطار، وأن هذه أمة واحدة مقصد نبيل، ولكن يراع فيها وحدة الخط الفلكي، مع عدم تباعد الأقطار، كما صرح بذلك المالكية.

قال الإمام الباجي: "إذا رأى أهل البصرة هلال رمضان، ثم بلغ ذلك أهل الكوفة والمدينة واليمن، فالذي رواه ابن القاسم وابن وهب عن مالك في المجموعة: لزمهم الصوم".

وذلك أن الشمس والقمر وسائر الكواكب إذا طلعت على بلد واقع على أحد خطوط الطول - ممتدًّا من الشمال إلى الجنوب - كانت مشرقة على جميع البلدان الواقعة على هذا الخط.

وكذلك كل البلاد الواقعة غربي هذا الخط يكون الهلال ثابتًا عندها - مهما اختلفت المطالع - وكلما كانت البلاد أشد بُعدًا من جهة الغرب، كان الهلال أظهر.

وعليه لا بد من مراعاة هذه الخطوط الفلكية، لمن أسلم عقله للحساب الفلكي، واطمأن له.

* ثالثا: ضرورة وجود فلكيين ثقات ضمن لجنة رصد الأهلة، مع بذل الوسع بالقدر الذي يبذله الفقيه عند استنباط الحكم.

حيث جاء في بيان للمجلس الفقهي الأروبي الذي يتخذ من العاصمة الإيرلندية دبلن مقرا له إن 'الحسابات الفلكية الدقيقة بالنسبة لهلال شهر رمضان لعام 1443هـ تؤكد اقتران الهلال يوم الجمعة 29 شعبان/ 01 أبريل 2022 م على الساعة 06:25 بتوقيت غرينيتش، وعليه سيكون أول شهر رمضان المبارك يوم السبت 02 أبريل".

وأوضح ذات البيان أن رؤية الهلال ستكون ممكنة بالتلسكوب في الجزء الغربي من أفريقيا وفي الأميركتين".

* خامسا: يجب أن يكون هناك خط فقهي واضح وثابت غير مزاجي، يحافظ على نظام ونسق المذهب، مهما كان الاختيار في المسألة الاجتهادية. وهذا ما يسمى عندنا بالمجاريات، أو ما جرى عليه العمل.

* سادسا: وكما قرر العلماء أن: الاعتبار يورث الاعتذار، يجب أن يكون الاختيار محررا ومبررا، خاصة عند الخروج عن الجادة، ومما ألف من معهود أهل الإفتاء ببلدنا، وهذا مما يجعل النفوس تسكن للاطمئنان، والعقول للإذعان.

* سابعا: كلما صدرت الفتوى من أهلها في محلها، وارتضاها أهل الحل والعقد، فهي ملزمة لكل من هم تحت سلطانها.

* ثامنا: يحرم مخالفة السواد الأعظم لأهل البلد، إذا استقر على أحد الآراء، وهذا محافظة على وحدة الكلمة ووحدة الصف، ما دامت المسألة خلافية، وفيها سعة في اختيار أحد القولين، فما ارتضته الأمة، فهو واجب الاتباع، وكل مشغب عليها يجب الأخذ على يده بقوة السلطان، لأن متعلقها بأمر الأمة، لا بأحكام آحاد الأفراد.

الخلاصة:

على كل دولة أن تحسم أمرها من خلال مجتهديها، إما أن تأخذ بالرؤية المطلقة، وإما بالحساب الفلكي، أو وحدة المطالع، وهذا من خلال الاستعانة بعلماء فلك ثقات، علما ودينا.

ولا تلجأ إلى الحساب الفلكي إلا إذا انعدمت الرؤية البصرية، خاصة إذا كان الجو صحوا.

فالعبرة بالرؤية البصرية، ولو باستعمال التلسكوب، لا بالحساب والتقويم الفلكي، أو وحدة المطالع، قولا واحدا.

وهذا حتى يحافظ على رسوم الشريعة، في أميتها التي نخاطب الناس بمعهودهم، دون تكلف أو تعسف، فيما قرره علامة المقاصد الإمام الشاطبي رحمه الله،

لقوله صلى الله عليه وسلم:" (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته؛ فإن غُمِّي عليكم الشهر، فعدوا ثلاثين).

هذا وبالله التوفيق، وقد علم كل أناس مشربهم.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
الأمين العام المساعد للاتحاد يقدم محاضرة عبر الزووم للجالية العربية في ألمانيا حول "مقاصد الصيام"

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع