البحث

التفاصيل

تفكيك منظومات الاستبداد (٥١): في شهر الجهاد.. لن تهزم أمة مجاهدة

الرابط المختصر :

تفكيك منظومات الاستبداد (٥١): في شهر الجهاد.. لن تهزم أمة مجاهدة

بقلم: جاسر عودة

عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

من أروع المشاهد التي نقلتها الهواتف في ما مر من هذا الشهر الكريم، مشهد تطوع الألوف للقتال مع الجيش السوري الوليد ضد انقلاب فلول العصابات الإجرامية التي كانت تحكم سوريا. هو مشهد أقضّ مضاجع أعداء الإسلام -المحاربين والمنافقين على حد سواء- كما لم يفعل أي مشهد آخر منذ فترة طويلة، فهؤلاء يعرفون جيدًا أن هذه الهَبّة الشعبية المسلمة للجهاد أخطر عليهم من كل الجيوش المدججة المدجنة، وأن تكرر هذا المشهد في العالم الإسلامي -خاصة في البلاد المحيطة بفلسطين- هو بداية النهاية، لا لمشروع الكيان المحتل فحسب، بل لكل الإمبراطورية الإبادية المهيمنة المتغطرسة. يا شباب أمتنا النجباء، ويا شرفاء أمتنا النبلاء: هذا مشهد من المشاهد التاريخية المفصلية، لو كنتم تعلمون.

والشعوب التي تحارب، أي ينخرط شبابها -وكل القادرين- في التطوع مع جيوشها النظامية من أجل القتال، هي الشعوب المنتصرة، وهذا سر أمر الله تعالى في كتابه الكريم بالجهاد للمؤمنين عامة وليس للجيوش خاصة، فيقول: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَال) (الأنفال: ٦٥)، ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) (التوبة ٣٨)، ويقول: (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (التوبة ٤١-٤٢) … هذا الخطاب العام عن الجهاد -ومثله في القرآن كثير- هو استنفار لعموم المؤمنين، لا لما يسمى بـ ”الجيوش النظامية“ فحسب، وتحقيقه في الواقع يكون بأن يُعلَن النفير العام ويُفتح باب التطوع فينضم ”المدنيون“ للجيوش المقاتلة ويشاركوا في نصرة القضية، تمامًا كما شهدنا في سوريا هذه الأيام.

والحق أن هذه النصرة مفتوحة في كل جيوش العالم، وخاصة جيش الكيان الغاصب، وما مئات الألوف التي تطوعت لحرب غزة الأخيرة ببعيد، ولا المستوطنين المسلحين الذين يتوغلون ويغيّرون الواقع على الأرض تغييرات أكبر من قدرات جيشهم النظامي نفسه ببعيد. ولكن هذه النصرة المدنية مغلقة -وبعنف شديد- في وجه جيوش المسلمين جميعًا. لم نسمع خلال عام ونصف من المأساة في فلسطين صوتًا واحدًا يدعو لتطوع الشعوب من أجل نصرتها، ولهذا فقناعتي أن مشهد التطوع في الجيش السوري هذا الأسبوع مشهد مهم ومفصلي، لا في تاريخ الدولة السورية الحالية فحسب، بل في تاريخ أمتنا الإسلامية كلها. لا يتوهمن أحد أن الجهاد في سوريا منفصل عن الجهاد على الطغيان في نظم الطغيان، ولا عن الجهاد ضد أعداء الأمة المحتلين الصائلين عليها في الأرض المقدسة، هي جبهة واحدة والله: الحق والباطل، الإيمان والكفر، العدل والطاغوت.

والفن والإعلام الفاسد في هذا الشهر الفضيل، من أكبر الأدوات التي يستخدمها أعداء الإسلام من المحاربين والمنافقين من أجل منع هذا المشهد من الحدوث، ومن أجل تركيع ”أمة المليارين“ التي لو تحرك واحد في المائة من شبابها لكان قوة لا غالب لها في العالم مهما فعلوا، ولذلك فقد حرصوا أشد الحرص على أن يكون الفن والإعلام في رمضان أسقط ما يكون في موقفه من الأخلاق ومعالي الأمور، وأشرس ما يكون على الدين وأهله، وأبهى ما يكون في زخرفه ولهوه، فشغلوا أوقات المسلمين الثمينة في هذا الشهر الفضيل بأقاصيص الساقطين والساقطات، وتفاهات الخاملين والخاملات، وسفاهات المسابقات والأحجيات. هذه خطتهم للفساق وضعاف الدين ومنحرفي الأخلاق من شباب المسلمين.

وأما المتدينين من شباب المسلمين، فقد ضحّى أعداء هذه الأمة -من المحاربين والمنافقين- بكشف بعض أكبر الخلايا النائمة من أصحاب اللحى والعمائم المستأجرة، وهم أناس باعوا أنفسهم لأعداء الأمة من قديم -ولو خفي هذا على كثيرين-، وكان دورهم إلى هذه المرحلة مقتصرًا على شغل أعمار أفضل شباب هذه الأمة بسفاسف القضايا وتفاهات المسائل ولغو المناظرات وفارغ الجدل، وزرع الفرقة والحقد الأعمى بين مشاربهم ومذاهبهم، مستغلين ضحالة تعليمهم وبساطة عقولهم وتغييب قدواتهم الحقيقية وراء القضبان في سجون المنافقين، فكشفوا هذه الكنوز الاستراتيجية المستأجرة التي أنفقوا على إشهارها بين الناس الغالي والنفيس -على مدار العَقد الماضي- منذ انتهجوا تلك السياسات في دوائرهم الأمنية، كشفوهم من أجل تصعيد الهجوم وبحدّة على الجهاد وأهله، وهو ما يدل على حجم رعبهم من أخبار ومشاهد انخراط الشباب المسلم في الجهاد. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

يا شباب أمتنا الكرام: لن تهزم أمة مجاهدة، أمة تجاهد شعوبها مع جيوشها، مهما كانت قوة عدوها.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
معرض الكتاب الرمضاني في إسطنبول.. حيث يلتقي شغف القراءة بروحانية رمضان
السابق
الاتحاد يطلق مؤتمرًا دوليًا لتوثيق إرث الشيخ عبد المجيد الزنداني وتعزيز فكره في أكتوبر 2025

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع