البحث

التفاصيل

رمضان والطلبة بعد كشف أسئلة الامتحان

الرابط المختصر :

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهده إلى يوم الدين.

رمضان وأصناف الطلبة بعد كشف أسئلة الامتحان السابقة لأوانها

بقلم: بن سالم باهشام

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

تساؤلات

ما المقصود بالطلبة؟ وما المقصود بكشف أسئلة الامتحان السابق لأوانه؟ وما هي هذه الأسئلة؟ وما علاقة كل هذا بالمؤمنين المخاطبين والمؤمنات؟ وما هي العبر التي يمكن أن نستخلصها من هذه القصة الرمزية؟

نموذج المعلم الرحيم بطلبته

كل هذا سنجيب عنه إن شاء الله بالترتيب، ونبدأ أولا بالقصة الرمزية، والتي تتمحور حول معلم أراد أن ينجح طلبته الذين ينتظرهم امتحان موحد، فكشف لهم عن أسئلة الامتحان قبل وقوعه، وبين لهم الأجوبة، فما عليهم بعدها إلا أن يحفظوا تلك الأجوبة ويعملوا بمضمونها، وسيكونون بإذن الله من الناجحين. وكما أن بعض الامتحانات يجيزون فيها الاستعانة بالمراجع، فكذلك هذا الامتحان الموحد، أجيز فيه الكشف عن الأسئلة قبل أوانها ليتم الإعداد والاستعداد المسبق.

وهذه هي الخطوات العملية التي قام بها هذا المعلم، وذلك بتوزيع الأسئلة على تلاميذه قبل الامتحان بوقت كاف للحفظ والمراجعة والتطبيق، وإخبارهم بأن هذه الأسئلة سوف تطرح في الاختبار الموحد، وهي سبعة أسئلة: ثلاثة أسئلة في الفترة الأولى، وأربعة في الفترة الثانية، وأكد لهم أن هذه هي الأسئلة المطلوبة في الامتحان، ولن يطرأ عليها أي تغيير أو تبديل مهما كانت الظروف.

رد فعل الطلبة بعد كشف مضمون الأسئلة قبل فترة الامتحان الموحد

ما قام به المعلم تجاه طلبته من اطلاعهم على أسئلة الموحد قبل أوانه، هو لمصلحتهم فبدل أن يفرحوا جميعا دون استثناء واحد منهم على هذه المبادرة الطيبة، ويشكروه على جميل صنعه، انقسموا إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: كذبوا المعلم ولم يصدقوه: فضربوا بكلامه عرض الحائط، واستبعدوا وقوع الامتحان أصلا، فضلا عن تلك الأسئلة.

القسم الثاني: صدقوا المعلم ولم يطبقوا: فهذا الصنف صدقوا المعلم فيما ذكر من كون تلك الأسئلة هي التي ستوضع في الامتحان، إلا أنهم رغم ذلك التصديق، تكاسلوا وسوفوا وتماطلوا، وقالوا: لا نحفظ ولا نطبق حتى يقترب الامتحان، مع العلم أنهم لا يعرفون زمن الامتحان، كما لا يعرفه معلمهم هو كذلك، فأدركهم وقت الامتحان، وتفاجئوا وهم على غير استعداد، وبالتالي لم ينجحوا، وكانوا مثل القسم الأول الذي كذب المعلم ولم يصدقه.

القسم الثالث: صدقوا المعلم وطبقوا: هذا الصنف صدق المعلم، وانتقل من الأماني المعسول إلى ميدان التطبيق، فحفظ الأسئلة واستوعبها، واطلع على الأجوبة وحفظها عن ظهر قلب، وطبق ما ورد في مضمونها قبل أوان الامتحان، فنجح في الفترة الأولى، وبدأ يتطلع إلى الفترة الثانية، والتي تتضمن أربعه أسئلة، والتي اجتازها هي كذلك بتفوق.

فك رموز القصة والعبر المستخلصة منها

ما المقصود بالمعلم في هذه القصة؟ وما هي الأسئلة السبعة؟ وما هو هذا الامتحان الموحد؟، ومن هم هؤلاء الطلبة؟ وما المقصود بالفترة الأولى؟ وما المقصود بالفترة الثانية؟

1 – المقصود بالمعلم: إن المقصود بالمعلم، هو الرسول صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين، والذي أخبرنا أنه بعث معلما للناس كافة، فقال كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها: (... وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا) [أخرجه مسلم (2/1104، رقم 1478)]، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي حذرنا من الامتحان، بل وسهل علينا الأمر نظرا لكونه رحيم بنا، مصداقا لقوله تعالى في سورة التوبة: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128]، لأجل ذلك كشف لنا صلى الله عليه وسلم عن الأسئلة حتى نعد لها عدتها، ونستعد لها ولا نباغة فيها.

2 – المقصود بالأسئلة: أما الأسئلة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن كل إنسان سيسأل سبعة أسئلة على فترتين: ثلاثة أسئلة في القبر، وأربعة أسئلة يوم القيامة، أ – أسئلة القبر: أما أسئلة القبر الثلاثة فقد جاءت في مصنف ابن أبي شيبة، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَالَ فِي قَوْلِهِ تعالى من سورة إبراهيم: ("يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" [إبراهيم: 27]، قَالَ: " التَّثْبِيتُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، إِذَا جَاءَ الْمَلَكَانِ إِلَى الرَّجُلِ فِي الْقَبْرِ فَقَالَا لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَالَا: مَا دِينُكَ؟ قَالَ: دِينِي الْإِسْلَامُ، قَالَا: وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالَ: فَذَلِكَ التَّثْبِيتُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، [مصنف ابن أبي شيبة (7/ 134) وَفِي هذا الحديث، أَنَّ الْمَيِّت يَحْيَا فِي قَبْره لِلْمَسْأَلَةِ، خِلَافًا لِمَنْ رَدَّهُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى من سورة غافر: (قَالُوا رَبّنَا أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اِثْنَتَيْنِ) [غافر: 11]، فقَالَ: فَلَوْ كَانَ يَحْيَا فِي قَبْره، لَلَزِمَ أَنْ يَحْيَا ثَلَاث مَرَّات، وَيَمُوت ثَلَاثًا، وَهُوَ خِلَافُ النَّصّ القرآني. وَالْجَوَاب: أَنَّ الْمُرَاد بِالْحَيَاةِ فِي الْقَبْر لِلْمَسْأَلَةِ، لَيْسَتْ الْحَيَاة الْمُسْتَقِرَّة الْمَعْهُودَة فِي الدُّنْيَا، والَّتِي تَقُوم فِيهَا الرُّوح بِالْبَدَنِ، وَتَدْبِيرِه وَتَصَرُّفه، وَتَحْتَاج إِلَى مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ الْأَحْيَاء، بَلْ هِيَ مُجَرَّدُ إِعَادَةٍ لِفَائِدَةِ الِامْتِحَان الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، فَهِيَ إِعَادَةٌ عَارِضَة، كَمَا حَيِيَ خَلْق لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَنْبِيَاء عليهم السلام، لِمَسْأَلَتِهِمْ لَهُمْ عَنْ أَشْيَاء، ثُمَّ عَادُوا مَوْتَى. [فتح الباري (ج 4 / ص 449)]. هذه هي الأسئلة الثلاثة التي سيسأل عنها كل إنسان يوضع في القبر، رجلا كان أو امرأة، غنيا أو فقيرا، أسئلة يسيرة عندما نسمعها ونحن فوق الأرض، لكنها عسيرة تحت الأرض، ففوق الأرض، يكون الجواب عن هذه الأسئلة سهل، يعرفه الصغير قبل الكبير، أما تحت الأرض في ظلمات القبور ووحشتها، فهناك تطيش العقول، فلا يجيب على هذه الأسئلة، إلا من ثبته الله تعالى، وهذا الثبات يكون بسبب إخلاص الإنسان لله في قوله وعمله في دنياه، قال تعالى في سورة إبراهيم: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم: 27]).

ب – أسئلة يوم القيامة:  أما الفترة الامتحانية الثانية، والتي من بين أسئلتها أربعة أسئلة، فتكون يوم القيامة، في ذلك اليوم العظيم، وتكون هذه الأسئلة كذلك لجميع الناس ذكورا وإناثا، كبارا وصغارا، أغنياء وفقراء، قال تعالى في سورة الحجر: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر: 92، 93]، أما نوع هذه الأسئلة، فقد أخبرنا عنها معلم هذه الأمة، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما روى الترمذي بسند حسن صحيح، وأبو يعلى، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَأَيْنَ وَضَعَهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ، مَا عَمِلَ فِيهِ؟» [أخرجه الترمذي (4/612، رقم 2417)، وقال: حسن صحيح، وأبو يعلى (13/428، رقم 7434)، وأبو نعيم في الحلية (10/232)]، فكل إنسان لا تزولُ قدمَاهُ عن موقفِ الحسابِ يومَ القيامةِ، حتى يُسألَ عن أربعٍ: أولا يُسألُ عن عُمُرِهِ فيما أفناهُ، أي ماذا عمل منذُ بلغ، هل أدَّى ما فرضَ اللهُ عليه، واجتنب ما حرَّمَ عليه، فإنْ كانَ قد فَعَلَ ذلكَ نجا وسَلِمَ، وإنْ لم يكنْ فعلَ ذلكَ هَلَكَ. ويُسألُ ثانيا عن جسدِهِ فيما أبلاهُ، فإنْ أبلاهُ في طاعةِ اللهِ، سَعِدَ ونجا مع النَّاجينَ، وإنْ أبلَى جَسَدَهُ في معصِيَةِ اللهِ، خَسِرَ وهَلَكَ. ويُسأَلُ ثالثا عَنْ عِلْمِهِ ماذَا عملَ فيهِ، أي يُسألُ هل تعلّمتَ المعلوم من الدِينِ بالضرورة، والذي فَرضَهُ اللهُ عليكَ؟ لأنَّ العِلْمَ الدِّينِيَّ قِسمانِ: فمنْ تعلمَ القِسمَ الضَّروريَّ وعمِلَ بِهِ، سَعِدَ ونَجا، ومنْ أهْملَ العملَ بعدَ أنْ تعلّمَ خَسِرَ وخابَ وهلكَ، وكذلكَ منْ لا يتعلّمُ فهوَ أيضًا من الهالكين، وقد ورد في بعض الأحاديث:” وَيْلٌ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ، وَوَيْلٌ لِمَنْ عَلِمَ ثُمَّ لَا يَعْمَلُ“. والويلُ هو الهلاكُ الشّديدُ. وحديث السؤال عن العلم، فيه إِيذَانٌ بِأَنَّ الْعِلْمَ مُقَدِّمَةُ الْعَمَلِ، وَأنه لَا يُعْتَدُّ بِالعلم لَوْلَا الْعَمَلُ، لهذا فقيمة الشخص لا فيما يحمل من معلومات، ولكن في مدى مطابقة علمه لعمله، ويُسألُ رابعا عن ماله سؤالان: منْ أينَ اكتسبَهُ؟ وفيم أنفقَهُ؟  ومعناه: أنّ الإنسانَ يُسألُ يومَ القِيامةِ عنِ المالِ الذي في يدِهِ في الدُنيا، فإنْ كانَ أخَذَهُ من طريقِ حلال غيرِ الحرامِ، لا يكونُ عليهِ مؤاخذةٌ، لكنْ بِشَرطِ أنْ يَكونَ ما أنفقَهُ فيهِ، أمرٌ أباحَهُ الشرعُ، فالنّاسُ في أمرِ المالِ ثلاثَةُ أصنَافٍ: اثنانِ هالكانِ، وواحدٌ ناجٍ، فالهالكانِ أحدُهُما الذي جمعَ المالَ منْ حرامٍ، والآخرُ الذي جمعَهُ منْ حلالٍ ثمّ صرفَهُ في الحرامِ. وكذلِكَ الذي يصرِفُهُ في الحلالِ للرياءِ هالِكٌ. أما الصنف الناجي، فهو الذي اكتسبه من حلال، وأنفقه في حلال.

فهذه هي الأسئلة التي سوف نسأل عنها بين يدي الله الواحد القهار، أسئلة مكشوفة واضحة أمام الجميع، والسعيد هو الذي وفقه الله للعمل على ضوئها، ووفقه إلى حين الإجابة عنها.

مقارنة بين امتحان الدنيا وامتحان الآخرة

إن الامتحان الذي تحدثنا عنه، هو امتحان الآخرة، وفرق كبير ما بين امتحانات الدنيا وامتحان الآخرة، فامتحانات الدنيا يمكنك تعويضها في الدورة الثانية واستدراكها، أو اجتيازها في السنة التي بعدها، ولكن امتحان يوم القيامة، ليس فيه دورات استدراكية، كما ليس فيه تكرار السنة، كما أن امتحان الدنيا خسارته محدودة، أما خسارة امتحان الآخرة، فهي أعظم وأجل وأخطر، إنها خسارة النفس أولا، وخسارة الأهل ثانيا، قال تعالى في سورة الأعراف: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ، يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ، قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ، فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ، قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [الأعراف: 53]، أي هل ينتظر المكذبون برسل الله، إلا ما وُعِدوا به في القرآن من العقاب الذي يؤول إليه أمرهم؟ يوم يأتي ما يؤول إليه الأمر من الحساب والثواب والعقاب يوم القيامة، فيقول المكذبون الذين تركوا القرآن ولم يصدقوا نبيهم، وكفروا به في الحياة الدنيا: قد تبيَّن لنا الآن أنَّ رسل ربنا قد جاؤوا بالحق، ونصحوا لنا، فهل لنا من أصدقاء وشفعاء، فيشفعوا لنا عند ربنا، أو نعاد إلى الدنيا مرة أخرى فنعمل فيها بما يرضي الله عنا؟ قد خسروا أنفسهم بدخولهم النار وخلودهم فيها، وذهب عنهم ما كانوا يعبدونه من دون الله، ويفترونه في الدنيا مما يَعِدُهم به الشيطان.

وقال سبحانه في سورة الزمر: (فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ، قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الزمر: 15]، أي قل - أيها الرسول- : إني أعبد الله وحده لا شريك له مخلصًا له عبادتي وطاعتي، فاعبدوا أنتم- أيها المكذبون - ما شئتم من دون الله من مخلوقاته، فلا يضرني ذلك شيئًا. وهذا تهديد ووعيد لمن عبد غير الله، وأشرك معه غيره. قل - أيها الرسول-: إن الخاسرين- حقًا - هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وذلك بإغوائهم في الدنيا وإضلالهم عن الإيمان. ألا إن خسران هؤلاء المكذبين، لأنفسهم وأهليهم يوم القيامة، هو الخسران البيِّن الواضح.

الدعوة إلى الاستدراك قصد النجاح والفوز قبل فوات الأوان

يقول تعالى في سورة آل عمران: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185]، إن فترة الاستدراك والتوبة والندم، والسعي لتطبيق مضمون الأسئلة السبعة التي تنتظرنا في القبر ويوم القيامة، لا زالت متاحة ما دام في العمر بقية، ورمضان الذي نعيش أيامه، وقد مضى منه الثلث الأول، هو فرصة ثمينة لعقد الصلح مع الله تعالى، ومخالفة النفس الأمارة بالسوء، فلا تضيعوا ما تبقى من شهر رمضان، شهر التوبة والغفران، فهو قصير لا يحتمل التقصير، قال تعالى في سورة الزمر: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ، أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر: 53 - 61]، أي قل - أيها الرسول- لعبادي الذين تمادَوا في المعاصي، وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب: لا تَيْأسوا من رحمة الله؛ لكثرة ذنوبكم، إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت، إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده، الرحيم بهم. وارجعوا إلى ربكم - أيها الناس- بالطاعة والتوبة، واخضعوا له من قبل أن يقع بكم عقابه، ثم لا ينصركم أحد من دون الله. واتبعوا أحسن ما أُنزل إليكم من ربكم، وهو القرآن العظيم، وكله حسن، فامتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، من قبل أن يأتيكم العذاب فجأة، وأنتم لا تعلمون به. وأطيعوا ربكم وتوبوا إليه حتى لا تندم نفس وتقول: يا حسرتى على ما ضيَّعت في الدنيا من العمل بما أمر الله به، وقصَّرت في طاعته وحقه، وإن كنت في الدنيا لمن المستهزئين بأمر الله وكتابه ورسوله والمؤمنين به. أو تقول: لو أن الله أرشدني إلى دينه لكنت من المتقين الشرك والمعاصي. أو تقول حين ترى عقاب الله قد أحاط بها يوم الحساب: ليت لي رجعة إلى الحياة الدنيا، فأكون فيها من الذين أحسنوا بطاعة ربهم، والعمل بما أمَرَتْهم به الرسل. ويأتيه الرد الميئس لهم، ما القول كما تقول، قد جاءتك آياتي الواضحة الدالة على الحق، فكذَّبت بها، واستكبرت عن قَبولها واتباعها، وكنت من الكافرين بالله ورسله. ويوم القيامة ترى هؤلاء المكذبين الذين وصفوا ربهم بما لا يليق به، ونسبوا إليه الشريك والولد وجوههم مسودة. أليس في جهنم مأوى ومسكن لمن تكبر على الله، فامتنع من توحيده وطاعته؟ بلى. وينجي الله من جهنم وعذابها الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه واجتناب نواهيه بفوزهم وتحقق أمنيتهم، وهي الظَّفَر بالجنة، لا يمسهم من عذاب جهنم شيء، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون إلى يوم الدين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.


: الأوسمة


المرفقات

السابق
الأمين العام للاتحاد: "القيادة السورية عازمة على تجاوز الماضي وتحقيق الإصلاح الشامل بدعم من الشعب"

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع