بعد أن أعلنت دولة الإمارات العربية أكثر من ثمانين مؤسسة في العالم منظماتٍ إرهابيةً، ومنها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وبعد أن طلبت السلطات المصرية من الشرطة الدولية (INTERPOL) توقيف شيخنا الإمام يوسف القرضاوي .. أقدم "شيخ الأزهر" أحمد الطيب يوم 10 ديسمبر 2014م على إسقاط عضوية الشيخ والاتحاد الذي يترأسه من "المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة"، وأكد د. عبد الله عمر نصيف أمين عام المجلس أن شيخ الأزهر هو صاحب هذا القرار باعتباره رئيسا للمجلس.
والمتبادر للذهن أن إسقاط العضوية يكون لأسباب موضوعية ومعقولة، مثل مخالفة لائحة المجلس، أو مناقضة شروط العضوية، ونحو ذلك، ولكن لم تكن الأسباب في الحقيقة شيئا من ذلك!
إنما كانت لأن الشيخ القرضاوي يخلط بين الدعوة والسياسة، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين كذلك، من أجل هذا قرر "شيخ الأزهر" أحمد الطيب أن يسقط عضوية الشيخ واتحاده من مجلسه، وأن يخرجه من جنته!
وقد كان هذا بالطبع على أساس أن أحمد الطيب لم يكن عضوا في لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل، الذي أفسد البلاد وقتل العباد، ولم يجرؤ أن يقدم استقالته بعد تعيينه شيخا للأزهر إلا بعد إذن المخلوع، الذي ظل وفيًّا له ولنظامه إبان ثورة يناير، وبعد ثورة يناير حتى الآن.
وأنه لم يُسلِّم طلاب الأزهر أيام كان رئيسا للجامعة لجنرالات أمن الدولة فيما عرف بعدُ بقضية "ميليشيات الأزهر"، كما قال هو بنفسه في مؤتمر التقريب بالدوحة، والتي حوكم فيها عدد من قيادات العمل الإسلامي في مصر.
وكان مبنيًّا على أنه لم يطالب ثوار يناير بترك الميادين، والرجوع إلى بيوتهم، رغم أنه وصف من سقطوا ضحايا بأنهم شهداء!!
وكان كذلك انطلاقا من أنه لم يصدر بيانا قبل الثلاثين من يونيو 2013م يقرر فيه أن الخروج المسلح على الحاكم ليس كفرًا، وإنما هي معصية كبيرة فقط، يعني: يا أيها الناس اخرجوا على حاكمكم المنتخب فهذا ليس كفرا، وإنما هي معصية كبيرة، والله غفور رحيم، ويقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن كثير!
وكان أيضا انطلاقا من أن شيخ "العار" لم يحضر مشهد الانقلاب الشهير في الثالث من يوليو من عام 2013م؛ ذلك المشهد الذي سيذكره التاريخ بالعار والشنار، وستدارسه الأجيال على أنه سقطة في تاريخ الأزهر، وبيعٌ لتاريخه العريق في الجهاد ومقاومة الاحتلال، والصدع بكلمة الحق.
وكان كذلك على أساس أنه لم يستدل بنص من آية أو حديث في تبرير موقفه المخزي والمجلل بالعار في مشهد الانقلاب، وإنما استدل بقاعدة فقهية: "ارتكاب أخف الضررين"، واعتسفها، وأنزلها في غير موضعها .. ثم لم يرجع إلى الحق – إذا أحسنا به الظن – من بعد ما تبين له الحق، ومن بعد ما ظهر له بيقين أين أخف الضررين.
وكان على أساس أن شيخ الأزهر لم يتدخل في السياسة، والتزم الكلام الشرعي فقط والجوانب الدينية المحضة، فأصدر فتاواه وبياناته عبر مخبريه في مشيخة الأزهر بأن اغتصاب بنات الأزهر في عربات الشرطة حرام، وأصدر فتاواه بأن تجريف المدرعات وعربات الشرطة لجامعة الأزهر لا يجوز، وأن تحطيم الحياة التعليمية وتسليم الطلاب للأمن واعتقال الطالبات حرام حرام حرام!!
أقول له: إذا كان خلط الدعوة بالسياسة لا يصح في نظرك ويوجب إسقاط عضوية من يخلط الدعوة بالسياسة فلماذا أفردت مشيخة الأزهر ردودا واسعة على الكاتب العلماني المعروف أحمد عبد المعطي حجازي، في أقواله بفصل الدين عن السياسة؟!
لا تحسب يا شيخ الأزهر أننا سننسى تاريخك المتسق مع ذاته، والمتماهي مع سياسة العسكر في مصر، والمتلاقي مع سياسات دولة الإمارات التي أعلنت الحرب على الإسلام في العالم، والتي كرمتك مرتين فجعلتك شخصية العام الإسلامية دون أن تكون أهلا لها حسب شروط استحقاق الجائزة.
لا تظن أننا سننسى أن من أسقطت عضويته من مجلسك، وأخرجته من جنتك، هو الذي استقدمك من مصر إلى كلية الشريعة في دولة قطر لتعمل تحت عمادته فيها أستاذا هناك، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان يا شيخ ؟!!
لا تهاجسك نفسك أننا سننسى يوم توليت الإفتاء في مصر، وصرحت للشيخ نفسه أنك أول ما صحبت من كتب هو كتابه: "فتاوى معاصرة" بأجزائه الثلاثة في ذلك الوقت.
ولعلك لا تنسى أيضا أنك حين كنت مفتيا – ذلك المنصب الذي تركته كما أتيته – كنت ترجع لقسم الفتوى في موقع إسلام أونلاين تسأل العاملين في القسم عن رأي الشيخ في أي مسألة تعرض لك، وتريد أن تفتي فيها.
هل أصبح الشيخ الإمام الآن أهلا لإبعاده من جنتك، وإسقاطه من عضوية مجلسك؟! إن شيخنا الإمام لا يشرفه أن يجلس بجوار أمثالك، ولا يكون في مؤسسة أنت فيها، لا سيما بعد أن أحسن النية بك بعد الثورة، وطوى صفحة الماضي، وظن أنك سَتُري الله من نفسك خيرا، ولكنك كنت حقيقا بقول الله تعالى: "وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ". [الأنعام:28].
سيبقى الشيخ القرضاوي مرفوع الهامة، عالي القامة، موفور الكرامة، شامخ التاريخ، عزيزا أبيًّا قويًّا، يستمد قوته من رسالته التي آمن بها، ومن مبادئها التي لم يتنكبها، ومن الحق الذي يحمله ويدافع عنه، ويدعو الله دائنا أن يلقاه شهيدا عليه، ولن يزيده حصاركم له إلا انتشارا، ولن تفت سياساتكم البائسة في عضده، فهو يزداد تألقا وحضورا وقوة وعزة، وأنتم تزدادون صغارًا ووضاعة، ومكانكم الحقيقي إلى حيث ألقت رحلَها أمُّ قشعمِ.