بسم الله الرحمن
الرحيم
اليقين وحسن الظن بالله بأن؛ النصر للمستضعفين والهلاك الظالمين
بقـلم: د. أحمد الإدريسي
عضو الاتحاد العالمي
لعلماء المسلمين
الحمد
لله، منزل الكتاب سريع
الحساب هازم الاحزاب، وصلى
الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين.
حسن الظن بالله تعالى
هو قوة اليقين بما وعد الله تعالى عباده من سعة كرمه ورحمته، ورجاء حصول ما يرجوه من ربه عز وجل، عنْ
أَبِي هُريرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ
اللَّهُ تَعَالَى: "أَنَا
عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي".
ومن
حسن الظن بالله؛ الاطلاع
على حكمته سبحانه من الخلق ، وحكمته في العطاء أو المنع، وأنه سبحانه هو الحكيم
الخبير، الفعّال لما يريد. قال ابن القيم رحمه الله: (إن الراجي ليس معارضا، ولا
معترضا، بل راغبا راهبا، مؤملا لفضل ربه، محسن الظن به، متعلق الأمل ببره وجوده،
عابدا له بأسمائه: المحسن، البر، المعطي، الحليم، الغفور، الجواد، الوهاب، الرزاق،
والله يحب من عبده أن يرجوه، ولذلك كان عند رجاء العبد له وظنه به).
1- نموذج من
تاريخ الأمة نستفيد منه أثناء أحداث غزة:
كان
الغزو المغولي من النكبات العالمية الكبرى التي تعرضت لها الأمة الاسلامية، فدمرت
بغداد حاضرة العالم وعاصمة الخلافة، وكبرى المدن الإسلامية وقتها.. ودمرت قبلها
طهران، وأصفهان، وبخارى، وسمرقند، وطشقند ومرو الروز، ومرو الشاهجان والتي اختفت
من الوجود نهائيا.
سنة 1258م
مرّ العالم الإسلامي بواحدة من أشد المحن قسوة بسقوط بغداد تحت وطأة المغول بقيادة
هولاكو خان، حفيد جنكيز خان. غرقت المدينة في الدم وانطفأ وميضها لقرون، وقد أدى
الغزو المغولي لبغداد عاصمة الدولة العباسية في ذلك الزمن البعيد قبل سبعة قرون من
صنع أسلحة الدمار الشامل، إلى مذابح رهيبة قتل خلالها مليون شخص.
قتل
المغول دون شفقة ولا رحمة، ودمرت وأحرقت مكتبات بغداد عاصمة الحضارة حينها في سائر
الكوكب، بما في ذلك أشهرها بيت الحكمة، وألقيت أعداد كبيرة من الكتب والمخطوطات
القيمة والنادرة في مياه دجلة والفرات، واستحال لون الماء إلى الأحمر والأسود من
الدم والحبر. وبعد أن استبيحت المدينة ونهبت، دمرت المساجد والصروح وأتت عليها
النيران، فانتشرت رائحة الموت والسخام وتحولت بغداد إلى أكوام من الأنقاض لعدة
قرون. علاوة على ذلك دمر المغول نظام الري بالكامل تقريبا، ما أدى إلى تدهور
الزراعة في جميع أنحاء المنطقة.
ارتكب
المغول فظائع وشنائع يعجز اللسان عن وصفها، في وقت كانت الأمة الإسلامية تعاني من
مرض عضال؛ انهزام القلب والبعد عن الدين وانهيار الشخصية، حتى ظن الكثيرون أنها
النهاية. ومن غرائب الغزو المغولي لبلاد المسلمين ما ترويه المصادر التاريخية من
أحداث عجيبة، ومنها ما رواه ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ "عن
أحداث حدثت سنة 628هـ، وهذا الذي سمعه مباشرة من الذين كتبت لهم النجاة من هجمات
المغول الوحشية على المدن الاسلامية إبان هذه الفترة، فيقول: "كان المغولي
يدخل القرية بمفرده، وبها الجمع الكثير من الناس فيبدأ بقتلهم واحدًا تلو الآخر،
ولا يتجاسر أحد من المسلمين أن يرفع يده نحوه بهجوم أو بدفاع، حتى أن الرجل من
المغول كان يأخذ الرجل من المسلمين ويقول له: ضع رأسك هنا على الأرض ولا تبرح ..
حتى آتي بسيف كي أقتلك فيضع الرجل رأسه مترنحاً على الأرض حتى يمضى المغولي فيحضر
سيفًا ثم يقتله.
كان هذا
هو وضع المسلمين في ذلك الوقت.. هزيمة نفسية مُرة، لكن بعد هذه المحنة الشديدة قيض
الله للمسلمين مَن ينهض بهم ويُعيد لهم عزهم ومجدهم.
وفي
النهاية لما استعاد المسلمون وعيهم وإيمانهم ورفعوا راية الوحدة، وصحح العلماء
والفقهاء والأمراء وجهتهم وأيقنوا أن لا سبيل لاستنقاذ كرامة الأمة وشرفها وعزها
إلا بالوحدة والجهاد، ونصروا الله نصرهم الله ومكّـن لهم واتصروا على المغول
انتصارا عظيما في عين جالوت.
تبيّن
إذن أنه؛ إذا قرأنا ما فعل المغول بالمسلمين من بشاعات لا تخطر ببال، ندرك أن
المسلمين سينتصرون في يوم من الأيام، بإذن الله.
2- لم تمُت
الأمة ولن تموت:
إذا كان
الأعداء يكيدون للأمة، ويريدونها أن تكون عاجزة بائسة مستسلمة، وأن تنسى الآلام بالتعاطي
للمخدرات والأفلام، وتهرب من المُوجعات إلى المباريات، فإنها لن تموت بإذن الله، لأن
الأمة التي اختارها الله لوراثة الأمم، وبقاء شريعة الإسلام، وحفظ الدين، والانتساب
للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ليست هكذا، وما ينبغي لها أن تكون.
ونحن على
يقين أن الأحداث على بشاعتها تستعجل خروج البراكين من باطن الأرض، لكن؛ وحتى يأذن
الله بذلك نقول لأحرار العالم ولشباب أمة الإسلام: لا تُظهروا لعدوكم ضعفا ولا
يأسا ولا استكانة… ولا تغفلوا عن إخوانكم طرفة عين في غزة وفلسطين، ولا تسمحوا
لعدوكم بقتل ضمائركم بكثير ما به يفتنكم، وعلقوا آمالكم بربكم، واجعلوا من الآلام فرصة
لليقظة، حتى تحيى الأمة من جديد، وتسترجع عزتها.
وقبل ذلك
وبعده؛ نُحسن الظن بالله تعالى، فهو أرحم بعباده، ولن يصنع بهم وبدينه إلا الخير،
وأنه أنصر لدينه من كيد الكائدين. إن الاختبار الذي جعله الله من وراء كل حدث
عظيم: " وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن
لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ"(محمد:4).
3- سنة الله
في إهلاك الظالمين.
إن السنن
الإلهية وسنة إهلاك الله تعالى عِزه وجبروته للظالمين ستلحق الصهاينة وأعوانهم،
بإذن الله القوي العزيز، فقد أخبرنا القرآن الكريم، وتعلمنا من التاريخ أن اليهود
والصليبيين والصهاينة؛ قد أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب،
وانتصر لعباده المستضعفين، ونصر عباده الصادقين، فتهاوت حصونهم وهُدَّت أركانهم. ومن
الأدلة:
- سيأتيهم الله من حيث لم يحتسبوا كما فعل بأسلافهم من بني
النضير الذين نزلت فيهم هذه الآية "فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في
قلوبهم الرعب".
- لما طغى نظام الأسد وقبله كل من القدافي وبن علي ومبارك
وغيرهم، وتجاوزوا الحد في الظلم لحقهم ما نعرفه جميعا، فهي سنّةُ إلهية تلحق
الظالمين في كل زمان، وهكذا سيحصل لهذا الكيان المجرم، الذي ازداد طغيانه وإفساده
وظنّ أهله أنهم قادرون على كل شيء.
- إن الله سلط الله عليهم جنده ورسوله والمؤمنين، وسيسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب كما وعد سبحانه: "وإذ
تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب".
- إن الله تعالى ينسب
أفعال قمعهم وقتالهم وعقوبتهم إليه سبحانه، فنجد فيها قوله: (أطفأها الله) وقوله:
(بعثنا عليكم) وقوله: (وإن عدتم عدنا) وقوله: (ليبعثن عليهم) وقوله: (فأتاهم الله
من حيث لم يحتسبوا)، وربنا سبحانه لا يُخلف الميعاد.
- سيبعث عليهم عبادا له
سبحانه أولي بأس شديد ليسوؤوا وجوههم وليدخلوا المسجد الأقصى ويطهروه من رجسهم.
4-
إن نصر الله لقريب:
إن هذه
الصدمات التي تواجهها الأمة، خاصة في غزة، ما هي إلا تزكية للأمة وتربية لها
وتنقية للصف الإسلامي من المخذلين والمثبطين ومن الطابور الخامس الذي ينخر في جسد
الأمة ويمنع إنطلاقتها وعودة عزّتها ومجدها، قال الله تعالى:"أَمْ حَسِبْتُمْ
أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن
قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ
الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ
اللّهِ قَرِيبٌ"(البقرة:214).
فالمؤمن الحق
لا ينهار إذا وجد الطغيان الصهيو-صليبي قد طال فساده في الأرض، ولا يكون جبانا عند
صيحات النفير وحي على الفلاح، ولكنه يُـعد نفسه وأهله لصراع قد يطول، ولو لم يكن
يملك شيئا في يديه إلا قوة إيمانه وحسن ظنه بالله تعالى، لأنه يعلم أن شرف
الخواتيم هو تمام الشرف، أن دوام الحال من المحال، وأن ما عند الله لا ينال إلا بالصدق
مع الله، والعودة إلى دينه، والتعلق بالله وحسن الظن به أن نصر الله قريب.
خــاتمـة:
إننا لا
نهوّن من واجب التكليف الحالي الذي يقع على عاتق الأمة ونخبها والقادرين من
أبنائها، ولكننا نؤكد على الأخذ بالأسباب، ونبثّ الأمل في أبناء الأمة ونعزز
اليقين، وندعو إلى حسن الظن بالله، ونؤمن أنه لا يعلم جنود ربنا إلا هو سبحانه،
وندعو إلى الفقه بسنن الله تعالى، ونؤكد على جعل قضية هذا الصراع قضية مركزية
ومحورية، ونؤمن أن ما عند الله لا ينال إلا بالصدق مع الله، والعودة إلى دينه،
والتعلق بالله وحسن الظن به.
﴿.. لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ
وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (*) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ
ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾
[سورة الروم: 4-5].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة:
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين.