بسم الله الرحمن
الرحيم
براءة من المساومة لنزع
سلاح المقاومة
بقلم: أ.د/ عبد الرزاق
قسوم
عضو مجلس أمناء الاتحاد
في عتمة هذا الليل المظلم، الذي يخيّم
على شعبنا في غزة؛ بالتقتيل، والتنكيل، وبالتدمير، والتهجير. وفي ضوء الأمل الذي
يبزغ من نفق المقاوم البطل الذي لا يزال يُلحق بالصهاينة المزيد من الهزائم
والعلل.
اللهم إننا نبرأ إليك، مما يأتيه قادة
المساومة، من ثلب، وسب، ودعوة إلى الاستسلام، ونزع لسلاح كتائب القسام.
أفي الوقت الذي أصيب فيه العدو
الصهيوني بشتى المحن والأزمات، وتكاثرت عليه السهام والضربات، وتفككت عراه، وتفتتت
قواه، وخاب أمله، ومبتغاه، يخرج علينا من صفوفنا، طابور خامس ينفخ في رماد، وبتزعم
بغير زاد، ويقيم زعامته على ظهور الأسياد والمقاومين الأمجاد؟
ففي الوقت الذي كنا ننتظر فيه، من دعاة
الاستسلام، وقد بانت علامات النصر على أكثر من صعيد، أن يقطعوا العلاقات الجائرة
باسم التطبيع، ويغيروا موقفهم المتخاذل الموسوم بالتمييع، فيثبتوا، ولو مرة في
حياتهم، رجولتهم وبطولتهم أمام الجميع.
في هذا الوقت بالذات، الذي تخرج من
أنفاق غزة الجريئة، الصواريخ المضيئة، الطويلة المدى، والعظيمة الصدى، لتضرب في
أعماق العدى، فتشل طاقاتهم، وحركاتهم، بالخوف والهلع من الردى.
تخرج علينا، من داخل الصف العربي
والإسلامي، نداءات جوفاء، مطالبة قوى المقاومة، بالاستسلام، ونزع السلاح، وترك
الكفاح، وإخلاء البطاح من الأبطال الصحاح.
ألا يعلم دعاة الهزيمة، وحاملو شعار
اللطيمة؟ اللطيمة! أن نزع سلاح المقاومة هو مشروع لتفريغ الوعي المقاوم؟
ففي مقابل ما يحدث داخل الصف الصهيوني
من غليان، وتمرد وعصيان، ومظاهرات وشنآن، مما أضعف شأن الكيان، وأخذت تظهر عليه
أعراض الخذلان، يقوم في الجانب الفلسطيني والإسلامي، من ينتحلون ألقاب الزعامة،
ومن ينتسبون إلى صفوف الدين والإمامة، ليشعلوا النار في القمامة، ويمنحو العدو
الصهيوني، أسوأ علامة.
كنا نأمل، من هؤلاء، الذين حُمِّلوا
مسؤولية أمتنا بدون استحقاق، وتربعوا على كراسي قيادتها بالقوة والنفاق، كنا نأمل
من هؤلاء، أن يكفروا عن ذنوبهم، بإبداء لفتة عطف، نحو شعبنا الجريح، فيستخدموا بعض
نفوذهم لإسعاف الجائع، وإغاثة المنكوب الضائع، والتكفل بالطفل اليتيم الدامع.
فما أشأم الأمة التي يبرز فيها الأطفال
وهم يحملون حلة الطعام، وجرة الماء، بدل حقيبة المدرسة، وكتاب المؤسسة.
وما أروع قول الإمام الشافعي بهذا
الخصوص:
تموت الأسد في
الغابات جوعا *** ولحم الظأن تأكله الكلاب
لئن عجز دعاة التطبيع، وذوو ذهنية
القطيع، عن دعم الشعب الفلسطيني بالعَتاد، والإمداد، والخبرة والإسناد، فعلى
الأقل، التنديد بعدوانية الصهاينة الأوغاد، والتهديد بإيقاف الدعم المادي
والمعنوي، لمن يساندون من يبيدون البلاد والعباد.
ولله در المتنبي في قوله:
لا خيل عندك تهديها ولا
مال *** فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
فيا قومنا!
يجب أن يسلم الجميع بحقيقة ثابتة، وهي
أن حماس رائدة المقاومة لن تستسلم، و"لن" هنا أداة نفي تأبيدية على مذهب
الزمخشري، وذلك لأسباب أهمها:
1-
أن حماس، والمقاومة المسلحة عموما، ليست في مرحلة ضعف
حتى تستسلم، بل إنها ما فتئت في كل يوم وليلة تكبد العدو الخسائر تلو الخسائر، في
العتاد والأرواح.
2-
أن حماس هي القوة هي القوة الفلسطينية الحية الوحيدة،
التي ترمز إلى بقاء القضية الفلسطينية حيّة في ذاكرة كل فلسطيني، وكل عربي، وكل
مسلم، بل كل إنسان ذي ضمير حي.
3-
أن استسلام حماس، هو فتح الطريق أمام العدو الصهيوني
التوسعي الاستيطاني، لمد هيمنته إلى باقي أجزاء الأمة العربية، تنفيذا لسياسته
الهوجاء "من النيل إلى الفرات".
ويتحمل مسؤولية حماية المقدسات
الإسلامية، كل دول الجوار، وكل المسلمين من سُنّة، وشيعة، وأحرار.
وتبدأ الرسالة الطلائعية، بتوحيد الصف
الفلسطيني، فهذا التصدع، وهذا الانقسام، وهذا الولاء للعدو، الذي يوليه البعض
لِبني صهيون، ليس من شأنه أن يحرر فلسطين، ولا بالذي بإمكانه أن يزعج الصهاينة
المعتدين.
إن تحرير فلسطين يبدأ يتوحيد كلمة
الفلسطينيين، على منهجية المقاومة، والتصدي لكل مساعي المساومة، والقضاء، داخل
الصف الفلسطيني على أي شكل من أشكال المهادنة، والمسالمة لهذا العدو، الذي أثبت
عبر التاريخ، أنه لا يؤمن إلا بحل واحد، وهو إتباع سياسة الابتلاع، والاستيلاء على
المزيد من المناطق والبقاع.
فحتى أضعف الحلول، التي كان يلوح بها
بعض الواهمين، ممثلة في حل الدولتين، تبرأ العدو الصهيوني منها، وأعلن رفضه لها
ولأي حل وسط، حتى وإن كانت تكفر به المقاومة الفلسطينية.
إن الهوة سحيقة –إذن- بيننا وبين العدو
الصهيوني، فهو بالرغم مما يعانيه، من هزيمة نفسية، وسياسية، واجتماعية، واقتصادية،
لا يزال يلوح بتحقيق المستحيل، وهو تحرير الأسرى بالقوة، والقضاء المستحيل على
حماس.
ما أشأم العدو الصهيوني على نفسه وعلى
أتباعه، فهو قد قضى ما يقارب العامين في محاربة المقاومة الفلسطينية، ولم يفلح في
تحرير أسير واحد من رهائنه. فكيف تسوّل له نفسه، الحلم بالقضاء على حماس؟
فوا عجبا لمن يطالب حماس، بإطلاق سراح
الرهائن الصهاينة، دون مقابل، وأمامه الآلاف من الأسرى الفلسطينيين الذين يرزخون
في غياهب السجون، حيث يعانون كل أنواع القهر، والتعذيب، والممارسات اللاإنسانية،
وأساليب الجنون.
فكيف يمكن تحريرهم دون مقابل، إما
بالقوة الرادعة، أو الاتفاقية الجامعة.
وليت دعاة التطبيع والمساومة تمكنوا من
تحرير أسير واحد؟ فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا؟
وكلمة أخرى نهمس بها في آذان كل العرب
والمسلمين، وهي أن قوة العدو الصهيوني إنما جاءت من ضعف الصف العربي، والإسلامي،
والفلسطيني، من جهة، ومن دعمه من القوة الاستعمارية الغربية الحاقدة على الإسلام
والمسلمين.
فإذا أردنا، أن يضعف الكيان الصهيوني
فلنبدأ، بسل ثيابنا من ثيات المساندين له، والداعمين لجيشه وسياسته، بدء بأمريكا،
والتي ينتعش اقتصادها، بأموالنا، وتجارتنا، ومستورداتنا.
طريق واحد –إذن- لخلاصنا من الصهيونية
إنه طريق الوحدة، والقوة، والوعي بالذات، فذلك وحده الضامن للنصر.
﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا
أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ﴾ [سورة غافر، الآية 44].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
** ملحوظة:
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين.