البحث

التفاصيل

ذروة سنام الإسلام بين الثابت والمتغير…

الرابط المختصر :

ذروة سنام الإسلام بين الثابت والمتغير…

"حكم الجهاد في غزة وفتوى الاتحاد"

بقلم: د. إسماعيل صديق عثمان

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

[المقال ضمن: (الحملة العالمية للثوابت الشرعية) بإشراف لجنة الثوابت والفكر الإسلامي، تحت شعار: "ثوابتنا أُسُسُ دينِنا ومعالمُ نهضتنا"]


الحمد لله، وكفى والصلاة والسلام على المصطفى، وعلى عباده الذين اصطفى، يجيء هذا المقال عقب فتوى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بشأن ما يحدث في غزة، وأيضاً محاولة من الكاتب لتحريك رد الفعل الصامت ـ إذا جاز أن نعتبر الصمت ردا للفعل حيال العدوان الإسرائيلي المستمر المدعوم أمريكياً، والذي أسفر عن عشرات الآلاف من الضحايا غالبيتهم من النساء والأطفال، وأصيب بسببه أكثر من مائة ألف فلسطيني، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المفقودين والمحاصرين تحت الأنقاض، كما أدَّى الحصار الإسرائيلي المشدد على غزة إلى قطع الضروريات الأساسية من الغذاء والمياه والكهرباء والوقود، مع تكرار الهجمات على البنية التحتية، مما تسبب في انهيار الرعاية الصحية والمجاعة الوشيكة غير المسبوقة في العصر الحديث، فيما اكتفت الأمم المتحدة بالإدانة الخجولة والشجب القولي، ودعت العديد من الدول إلى وقف فوري لإطلاق النار، وحذرت من خطر التطهير العرقي الجماعي للشعب الفلسطيني.

وقد أصدرت لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فتوى في نازلة استمرار العدوان على غزة، أهم ما تضمنته: وجوب الجهاد بالسلاح ضد الاحتلال في فلسطين على كل مسلم مستطيع في العالم الإسلامي، ووجوب التدخل العسكري الفوري من الدول العربية والإسلامية، كما وجهت بوجوب حصار العدو الصهيوني المحتل براً وبحراً وجواً، بما في ذلك الممرات المائية والمضايق وسائر الأجواء في الدول العربية والإسلامية، وأكدت ضرورة إمداد المقاومة عسكرياً ومالياً وسياسياً وحقوقياً، وأنه واجب شرعي، وإنشاء حلف عسكري إسلامي لحماية الأمة وردع المعتدين، وأن ذلك واجب شرعاً بشكل عاجل، وتطرقت الفتوى إلى تحريم التطبيع مع العدو الصهيوني، وكذلك تحريم الإمداد بالنفط والغاز للكيان الصهيوني.

ووجهت بإعادة النظر في معاهدات السلام التي أبرمتها بعض الدول العربية مع الكيان المحتل، كما دعت الجاليات المسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى الضغط على ترامب وحكومته للإيفاء بوعوده الانتخابية في إيقاف العدوان وإحلال السلام.

 وبالمقابل سمعنا أصوات من هنا، ومن هناك تنكر الجهاد، وتدعو إلى إبطاله، رغم أنه من المعلوم من الدين بالضرورة يقول تعالى: *كتب عليكم القتال وهو كره لكم*، أنكروه بفذلكات ليس لها أن تقوم عليه ولا أصل تستند إليه، فالإسلام دين واضح لا يحتاج إلى تنطع وتفلسف ولا إمعان في تراكمات تعبيرية مركبة. والجهاد في غزة جهاد دفع متعين على المسلمين، فإن عدوان الصهاينة على غزة والأقصى والقدس وفلسطين، إنما هو عدوان على الدين والنفس والعرض والمال، يجب دفعه وصده، وهو متعين شرعاً على كل من كان قادراً من المسلمين إلى حين إنهاء هذا العدوان إلى غير رجعة، وإن التخلي عن نصرة غزة في حكم الفرار يوم الزحف، وإن العدوان على غزة وفلسطين يستوجب على كل من هم بالداخل الفلسطيني دفع العدو وقتاله، وإنهم إذا عجزوا عن رده وصده، فإنه يتعين الجهاد حسب المستطاع على من يليهم المسلمون.

ولا أعتقد أن مسلماً سوى العقيدة يسلم بأن الجهاد ليس أصلاً وواجبا في حالة غزة فالجهاد أصلاً في الإسلام ومن ثوابته، وآياته أصلاً في الحرب ووجود الاعتداء، فكل آيات الإسماح وآية السيف أصلاً ومن الثوابت، الأولى يمكن الاستمرار في العمل بها بجانب العمل بآيات السيف جنباً إلى جنب دون تعارض بينهما، والقول هكذا بأن الجهاد ليس من الثوابت في الإسلام يفتح باباً لن يقفل، ويحمل في دواخله دعوة خطيرة على المسلمين خاصة في زمننا هذا وبيت المقدس محتل من اليهود الذين فعلوا في أهل غزة الأفاعيل تقتيلاً وتشريداً وتجويعاً، والبلدان الإسلامية قاطبة تحت تحرش دائم من الغرب، ثم إذا كان السماح هو الثابت، وليس المتغير لماذا قال الله تعالى: *لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا*.

والمسلمون اليوم -للأسف- أصبحوا لا يتحكمون في علاقتهم بالآخرين، فهم يدعون للصلح، ويثاقلون عن القتال وغزة تنتهك يومياً من قبل عدوهم، مع أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام، والجهاد ليس لحفظ الدين فقط، وإنما لحفظ النفس والمال والنسل؛ مما يلحقها من الأعداء وغلبتهم، لأن ذلك يترتب عليه الكثير، ففي غلبة الأعداء زهد الآخرون في الدين لما يرون في أهله من مذلة وهوان، ومنع للمؤمنين من القيام بشعائرهم الدينية، بل وإظهار الأحكام والقوانين التي تتضارب مع الدين، وأمثلة ذلك في هذا العصر لا تحصى، منها ما نتحدث عنه هنا بالانسياق وراء تعريف الجهاد بالإرهاب، وأنه ليس من الإسلام!

وعالمنا المعاصر على ما فيه من تقدم، فإنه ما زال يعج برغبات التسلط والاستعلاء وقهر الثقافات الأخرى والهيمنة، وأحداث كثيرة هي تلك التي انعكست فيها هذه الرغبات، وبرزت فيها تلك السياسات _ وما تصريح ترامب بتهجير أهل غزة واستلامها ببعيد - كل هذا، وتبرز وسائل الإعلام مسألة العنف الإسلامي والإرهاب الإسلامي، بطريقة مكثفة للناس كلهم؛ مما أدى إلى ما يسمى (Islam phobia) أو هاجس الخوف من الإسلام، رغم أن الرؤية الإستراتيجية للدعوة الإسلامية تنأى دائماً عن التطرف والعنف، وتشجب الإرهاب بكل صوره وأشكاله وأنواعه، والحق أن ما يسمى بالإرهاب الآن هو ناشئ من الذل والقهر والإقصاء الذي يمارس على المسلمين!

وعليه، فإن من يقول إن الأصل في علاقات المسلمين بغيرهم هي السلم المطلق، يهدف إلى التمحل والمداهنة وتأويل النصوص لتوافق ما يسمى بالقانون الدولي في هذا العصر، وهي محاولات لتغييب العقل الإسلامي؛ مما يؤدي إلى التهاون في ثوابت الدين والعقيدة، وهذه من أكبر الخسائر التي تحيق بالمسلمين، وهو رأي يرسل إشارات انهزامية أمام مد الأعداء، ويخضع البلاد والعباد لهذا المد طواعية مع التخندق في دعاوى السلام، والذي هو استسلام تحت مسميات التسامح والتعايش ومثل هذه المصطلحات التي تستخدم في غير محلها، ويتكرر ترديدها في هذا الزمان، ويعلمنا التاريخ أن رسول الله (صلى الله عليه، وسلم) لم يبدأ قوماً بحرب إلا بسبب عدوانهم أو ظلمهم.

مفهوم الجهاد في الإسلام: الجهاد في معناه العام: بذل كل جهد مشروع لإعلاء كلمة الله وتبليغ رسالة الإسلام بكافة الوسائل المادية والمعنوية ونشر العدل والأمن والرحمة في المجتمعات البشري،.

وهو نوعان:

جهاد الطلب: وهو الذي يهدف إلى حماية حرية نشر الدعوة وإزالة العوائق أمامها كما يهدف إلى الدفاع عن المستضعفين والمضطهدين بالأرض، وفق ضوابط وشروط حددها الفقهاء تحقيقًا للمصلحة العامة ودرءًا للمفسدة، يقول تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)، وقال عز وجل: (َمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا)، وغاية جهاد الطلب ومقصده تبليغ رسالة الإسلام، دون إكراه للناس على الدخول فيه، لقوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، ولعلنا في هذا الأمر، وفي ضوء المستجدات المعاصرة يمكننا الإفادة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي جعلت العالم دار عهدٍ، تسمح فيه الدول كلها بالتنقل وإطلاق الحرية في تبليغ الدعوة، مع استخدام وسائل الاتصال المعاصرة للدعوة، وبالتالي نقوم بتبليغ رسالة الإسلام بمختلف اللغات وللعالم كله.

أما جهاد الدفع: وهو المعني هنا فهو المفروض والواجب في الدفاع الشرعي المقرر إذا حدث اعتداء على الأمة، أو المجتمع، أو الدين أو الوطن أو الأفراد، ويزول حكمه بزوال الاعتداء وخروج العدو من بلاد المسلمين. يقول الله تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ).

والجهاد أفضل ما تطوع به الإنسان وهو باتفاق العلماء أفضل من الحج والعمرة، ومن الصلاة التطوع والصوم التطوع. والأدلة من الكتاب والسنة كثيرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :( رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد)، ويقول:) إن في الجنة مائة درجة ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله) ونفع الجهاد متعد وعام لفاعله ولغيره في الدين والدنيا، وهو مشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة، من محبة الله تعالى والإخلاص له، والتوكل عليه، وتسليم النفس والمال له، والصبر والزهد وذكر الله وسائر أنواع الأعمال. والقائم به بين إحدى الحسنيين إما النصر والظفر، وإما الشهادة والجنة، وبذلك يكون الجهاد كمفهوم وقيمة ومبدأ أصل ثابت لا يتغيّر بتغيّر الزمان أو المكان؛ يقول تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). وقوله تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ).

ولا شك في إجماع الأمة على أن حكم الجهاد ماض إلى يوم القيامة لم ينسخ! ومن المعلوم عند جميع العقلاء، وفي كل الأمم والحضارات أن استخدام القوة العسكرية ضرورة -إذا لم تنجح غيرها من الوسائل- لمنع الشر والظلم، ونصرة المظلومين والمستضعفين، وإحلال السلم والسلام والأمن والأمان، ولا يشترط في جهاد الدفع ما يشترط في جهاد الطلب، إلا القدرة، فيجب على كل أحد أن يدافع بما يقدر، فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعمّ وجوباً، ولهذا يتعين على كل أحد.

وأخيراً: فإن نشر ثوابت الجهاد يُصحح مفهومه المغلوط عند البعض، ويحيه في نفوس البعض، إحياء هذه الشعيرة يحتاج إلى توضيح مفهومها وحقيقتها كفقه، وبالتالي نربط هذا الفقه، ونطبقه على أرض الواقع، ونتعبد به كتعبد النبي (صلى الله عليه، وسلم) بالجهاد وأصحابه رضي الله عنهم، بل ونواجه به واقعنا المزري اليوم الذي يمنع دعم الفلسطينيين وإدخال الدواء والغذاء لهم ناهيك عن القتال بجانبهم، استجابة لضغوط أميركا وحلفاء إسرائيل، كما حجروا علينا حتى مجرد توجيه النقد للممارسات غير الإنسانية والوحشية الإسرائيلية، وإن فعلنا فنحن ندعم حماس، ونقف في وجه إسرائيل للدفاع عن نفسها!.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* د. إسماعيل صديق عثمان إسماعيل؛ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. أستاذ العقيدة والأديان المشارك، بكلية العلوم الإنسانية، جامعة بحري، السودان.

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
الأمين العام المساعد للاتحاد في لقاء شبابي دولي: "العلماء في طليعة نصرة الأمة، والشباب عماد نهضتها"
السابق
دور أبي بكر الصديق "رضي الله عنه" في الدعوة مع رسول الله ﷺ

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع