مركز التأصيل للدراسات والبحوث
في ظل حال الاستقطاب الحاصلة الآن في الشارع المصري والتنازع السياسي المتعالي من قبل القوى العلمانية، لا يشكّ عاقل في ضخامة الدور الذي تلعبه الكنيسة ورجالها القابضون على زمام المال والاقتصاد والإعلام، والمتحالفون معها من المسيطرين على مفاصل الدولة العميقة في مصر.
وهو دور لم تتخلَّ عنه الكنيسة في يوم من الأيام منذ عدة عقود، مرورًا بما مرَّ بمصر من أحداث لا سيما أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير وانتهاءً بتصدي الكنيسة للإعلان الدستوري الصادر عن الرئيس محمد مرسي، والخروج إلى الميادين لا لرفض الإعلان الدستوري فحسب، بل وللمطالبة بالإطاحة بحكم الرئيس محمد مرسي.
والسمة الأساسية في الدور الذي تلعبه الكنيسة أنه دور صداميّ مع الإسلام وكل ما هو إسلامي، حيث تحالفت الكنيسة مع فلول النظام السابق، ومع العلمانيين والليبراليين، بل وتحالفت مع الغرب، وقد طالب بعض رجالها بالتدخُّل الغربي في مصر وما زالوا.
ففي أحداث ما بعد الإعلان الدستوري وجدنا الكنائس تحتشد، ورجال المال من أنبائها ينفقون ببذخ شديد من أجل هذا الحشد، وإعلامهم يساند ويندِّد، وقد صرَّح بذلك علانية الدكتور رفيق جرجس المتحدث الصحفي باسم الكنيسة الكاثوليكية، حيث قال: إن أبناء كنيسته بالكامل في ميدان التحرير، مشددًا على أن جميع الأقباط نزلوا اليوم ميادين مصر وميدان التحرير لرفض الإعلان الدستوري، والمطالبة بإسقاطه من كل الطوائف القبطية والكهنة.
وبناء على هذا نظَّم العشرات من المتظاهرين بميدان التحرير مسيرات قادها مجموعة من الأقباط رافعين الصليب للمطالبة برحيل الرئيس الإسلامي محمد مرسي وإسقاط الإعلان الدستوري، كما طالبوا بدستور لكل المصريين -بحسب رؤيتهم- رافضين مشروع الدستور الذي خرجت به الجمعية التأسيسية.
وأشارت مصادر صحفية إلى أن عددًا من القساوسة يتجهون يوميًّا إلى ميدان التحرير لتشجيع المسيحيين المعتصمين هناك على الاستمرار من أجل الإطاحة بالرئيس.
وقد انسحبت الكنائس المصرية من الجمعية التأسيسية لوضع الدستور في مصر في اللحظات الأخيرة، وانسحب معها عدد من العلمانيين والليبراليين ودعاة الدولة المدنية (العلمانية)؛ لإحراج التيار الإسلامي في التأسيسية وتعجيزه حتى لا يكتمل الدستور الجديد؛ حيث شعر العلمانيون والكنيسة بخسارتهم، لا سيما بعد الاتفاق والتوافق حول المادة 220 المفسرة لكلمة مبادئ الشريعة، والتي تنص على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة".
وهذه المادة -بلا شك- مكسب كبير لدستور ما بعد الثورة، وبفضلها ستعود -بإذن الله- مسألة الشريعة في صدارة المشهد في كثير من التنازعات التي نُحِّيت عنها في الدستور السابق، وهو ما تخشاه الكنيسة، التي تعمل بدأبٍ شديد على الحفاظ على كيانها الديني وأتباعها من شعب الكنيسة، لا سيما في ظل تزايد حالات التحوُّل إلى الإسلام في السنوات الأخيرة، وتناقص أعدادها بحسب عدد من الإحصائيات والتقارير الميدانية.
وبهذا يتضح أن حالة الاستقطاب التي تعيشها مصر هذه الأيام صناعة كنسيَّة بالدرجة الأولى، وهي هدف يتفق فيه مع الكنيسة كثير من قادة التيار المدني (العلماني) والدول الكبرى صاحبة الأطماع الاستعمارية والدينية في مصر.