الرابط المختصر :

في هذا الأسبوع رأت عيناي وسمعت أذناي مثالين نادرين في الصراحة من د.الطيب أردوغان وأ.خالد مشعل، ومثالين آخرين من الوقاحة من محمود عباس و"الهانم" كلينتون، أما السيد أردوغان فقد جاء على قناة الجزيرة يتحدث بثقة بالغة عن المشروع التركي الذي يعود من الجغرافيا التي حاصر فيها مصطفى كمال أتاتورك تركيا في جغرافيا الطورانية والعلمانية والمحلية ليعود الرجل إلى التاريخ الإسلامي العثماني الممتد قرونا في عمق الزمان، ويشمل أكثرالكرة الأرضية في امتداد المكان، عكس حركة العرب الذين يهربون من التاريخ إلى الجغرافيا الصغيرة كما قال أ.هيكل، وتحدث أردوغان عن فتح الحدود مع سوريا، وفتح العلاقات مع العراق، وتوطيد الخيوط مع إيران لتقوية العلاقات مع الجيران، وقد ذكر أنه قد تم الاتفاق على البدء في 58 مشروعا اقتصاديا كبيرا مع الجيران في الوقت الذي يقلص فيه العلاقات السابقة الثرية المدنية والعسكرية مع الكيان الصهيوني على عادته في التدرج في الإصلاح والتغيير، وكانت آخر صفعة قوية وحادة للكيان الصهيوني لم تفقْ منها إسرائيل والولايات المتحدة حتى الآن هي إلغاء المناورات مع الكيان الصهيوني وذيلها أمريكا، أما خالد مشعل فقد تحدث بصراحة عن حجم المغالطات التي جاءت في ورقة المصالحة التي سماها البعض ورقة "المسالحة" من التسلح، ويمكنني أن أسميها "المسالخة" من الانسلاخ عن الثوابت الشرعية والسياسية في وجوب مقاومة المحتل، فتحدث مشعل بكل صراحة وأمانة عن أجواء المصالحة التي لم تهيئ السلطة غير الشرعية لها شيئا بإنهاء الاعتقالات والتعذيب بالإضافة إلى سحب تقرير غالدستون، والإضافات الأمريكية على كل ما توافقا عليه لإفساد التوافق الفلسطيني، ليكون فقط حبرا على ورق.
أما عين الوقاحة فهو في ادعاء عباس أن حماس تعمل لتحقيق الخطة الإسرائيلية، وهرب قادتها إلى الأنفاق تحت الأراضى المصرية وقت الغزو، وقرارهم ليس بيدهم، و....مما يدل على أنه دخل في أعلى درجات الوقاحة والاستعباط والاستهبال، وكأن السامعين أطفال أغرار، لا يعرفون الأخساء العملاء من الأحرار النبلاء، ومن يحركهم دايتون، ومن يحركهم كتاب ربهم وهدي نبيهم، وغيرتهم على أوطانهم ومقدساتهم، أما الاستعباط العالمي والوقاحة بالحجم الأمريكى الضخم فهو ما طلبته "الهانم" كلينتون من بدء المفاوضات دون قيد ولا شرط ولا فتح الفم في موضوع المستوطنات بعد التنازل الكبير من إسرائيل على تجميد جزئي لها، فعلا "اللي اختشوا ماتوا" يا عباس وكلينتون في رؤوسنا عقول وليست حجارة ولا عجول!!.
يا قوم أمامكم مثالان للصراحة وآخران للوقاحة " أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ" (السجدة:18).
هناك مدرسة في الفن والأدب ترى أن الصراحة تقتضي أن يكون الفن والأدب انعكاسا لكل ما يجري في المجتمع حلوه ومره ، خيره وشره دون أية رسالة تصحيحة تربوية، كأنه مرآة أو عاكوس أي "الصور الفوتوغرافية" للصور القبيحة حتى لو كان هذا الواقع رديئا دنيئا، وقحا قميئا، وهؤلاء يظلمون الصراحة ويتلطخون بالوقاحة، ويصورون أن كل خلق الله بهذه الرداءة التي يتنشدون بها شِعرهم، وينسجون بها قصصهم، وينتجون بها أفلامهم، ويهرجون بها في مسرحياتهم، ويتمايلون بها في أغنياتهم حتى غدا كثير مما يسمى بالفن والأدب سقوطا مزريا في مستنقع الوقاحة، وتجردا من كل ألوان الأدب، وهذه المدرسة ردة أخلاقية إلى الجاهلية الأولى حيث كانوا يطوفون حول الكعبة عرايا، بحجة أن ملابسهم قد خالطوا بها الذنوب، فتجردوا منها تماما، فكانت المرأة تطوف عارية تماما كما يروي الإمام الطبري في تفسيره ويقول:
اليوم يبدو كله أو بعضه فما يبدو منه فلا أحله
وقد جاء الإسلام العفيف النظيف الشريف ليواجه هذا العري الخسيس بهذا الإعلان "لا يطوف بعد العام مشرك ولا يطوف البيت عريان" وهي حرب على الوقاحة لأن الذين تجردوا من ثيابهم ارتكبوا الآثام بعقولهم وقلوبهم وجوارحهم وليس بملابسهم، فإن أرادوا إصلاحا فلباس التقوى في القلب والعلم النافع في العقل، والجسد الطاهر في التعامل هو الحل، وهذه هي عين الصراحة أن يظل الإنسان كما خلقه الله يحمل الحياء من ظهور العورات على الأشهاد، إن جمهور الفنانين والفنانات، والمغنيين والمغنيات، والأدباء والأديبات يجب أن يعلموا أن هذا هو الطهر الفطري الإنساني الإسلامي، وأن التعري هو من فعل شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، فشيطان الجن كما قال الله تعالى: (يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا) (الأعراف:27)، وشياطين الإنس من الصهاينة أودعوا في بروتوكولاتهم الآثمة هدفا بأن يرتكب الزنا تحت ضوء الشمس، وهذا ما يفسر لنا امتلاء الشاشات بصور العاريات المائلات المميلات، والتصقت النجومية بالعاهرات الفاجرات، وتجاوز هذا إلى الرجال ليس فقط في أوربا وأمريكا بل فوجئنا أن مذيعا في فضائية عربية لم يكتف بخدمته أهداف الصهاينة وتلطيخ جهاد الأحرار من أبناء غزة في فلسطين، حتى خرج هذا المذيع المشهور عاريا في لقطة تعمد إذاعتها وتوزيعها على الإنترنت تحت فلسفة كاذبة تدعي الصراحة في عدم إخفاء شيء من جسم الإنسان، ولا عجب: فصديقة ساركوزي التي صارت زوجة له - لضرورة التمثيل السياسي - قد بيعت صورتها عارية في مزاد عام في لندن في أبريل 2007م، وهذا كله من الوقاحة التي تخجل منها الحيوانات المفترسة.
إنني أنذر كل من تجرد من ثياب العفة بأن لهم ثيابا تفصل في جهنم كما قال تعالى: (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ)(الحج: 19-21)، يا قوم الستر حشمة وصراحة، والعري خسة ووقاحة.