بعد أن كان شارع محمد محمود مجرد واحد من الشوارع التي تتفرع من ميدان التحرير الواقع في قلب القاهرة، أصبح ذلك الشارع الموصل إلى مقر وزارة الداخلية أحد أشهر الشوارع المصرية بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، خصوصا بعدما احتضن الأحداث التي جرت في مثل هذا اليوم قبل عامين وشهدت مقتل العشرات من الثوار المصريين على يد قوات الشرطة في ظل حكم المجلس العسكري.
ولأن الذكرى الثانية لهذه الأحداث تأتي في ظل حالة من التوتر وعدم الاستقرار تمر بها مصر، منذ عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو/تموز الماضي على يد وزير دفاعه عبد الفتاح السيسي، فإنها تثير كثيرا من الآمال والهواجس لدى مختلف القوى السياسية في مصر، وتظل تحتفظ بمكانتها سواء عند من يرى فيها وقودا لثورة جديدة أو من يراها مجرد احتفالية رمزية بحدث مضى.
وعلى مدى الأيام القليلة الماضية بدا واضحا حجم القوة التي تتمتع بها ذكرى أحداث شارع محمد محمود، حيث سعت السلطة الحالية إلى استقطاب شباب الثوار عبر إقامة نصب تذكاري في وسط ميدان التحرير، لكن النتيجة كانت على غير هوى السلطة حيث رد الثوار الغاضبون بتحطيم النصب وترديد شعارات تؤكد الإصرار على استكمال الثورة وتذكر بما تعرض له الثوار من انتهاكات في فترة حكم المجلس العسكري التي امتدت لعام ونصف بعد سقوط مبارك وحتى انتخاب مرسي.
وسواء عندما قام الشباب بتحطيم النصب، أو عندما احتشدوا في اليوم التالي في شارعهم المفضل، محمد محمود، غير بعيد عن مقر وزارة الداخلية، فقد كان الجيش والشرطة في قلب هتافاتهم، فجاءت الرسالة واضحة إلى وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي " كلمة في ودنك مني يا سيسي، إياك تحلم تبقى رئيسي"، في حين ركزت بقية الرسائل على الشرطة التي بدا أن الغاضبين لا ينسون أن رصاصها تسبب في مقتل العشرات من زملائهم فضلا عن إفقاد عدد منهم لنور أبصارهم.
وكان لجماعة الإخوان المسلمين هي الأخرى نصيب من الهتافات الغاضبة لشباب الثوار الذين اعتبر بعضهم أن الجماعة فضلت التحالف مع المجلس العسكري السابق على حساب الثوار من أجل تأمين الوصول إلى السلطة.
شركاء الميدان
المثير أن شركاء الميدان في السابق تفرقوا في الموقف إزاء الذكرى الحالية، فقد اعتبر بعضهم أن الأمور تسير بشكل جيد وفق الخارطة السياسية الحالية، وبالتالي فلا داعي للتظاهر مجددا في محمد محمود كما قال للجزيرة نت القيادي بتكتل القوى الثورية تامر القاضي.
وأضاف القاضي أن التكتل كان يعتزم إحياء الذكرى عبر إقامة سرادق عزاء لتأبين ضحايا محمد محمود، لكنه تراجع في اللحظات الأخيرة من أجل تفويت الفرصة على من يريد جر الثوار إلى أعمال عنف واشتباك مع عناصر الشرطة، على حد قوله.
وعن حقوق الشهداء يقول القاضي إنهم لن يملوا من المطالبة بها، لكنه يرى أن الحكمة تقتضي المضي في المسار السياسي الحالي حتى نهاية جدوله الزمني، معتبرا أن العسكر بعيدون حاليا عن السلطة حتى لو كان وزير الدفاع هو من قام بعزل مرسي "لأنه قام بذلك استجابة لثورة 30 يونيو/حزيران الماضي".
لكن ثائرا آخر من الذين شاركوا بأحداث محمد محمود قبل عامين يمتلك نظرة مختلفة للأمر، فهو يرى في توافد المئات من شباب الثورة على ميدان التحرير وشارع محمد محمود الثلاثاء يمثل "نسمة منعشة" تؤكد أن الثورة ما زالت مستمرة، لأن النظام الذي قامت عليه لم يسقط، "فعسكر مبارك كما هم، وشرطته كما هي، وقضاؤه كما هو، بل وحتى طبالوه وزماروه كما هم".
ذكرى كاشفة
ويصف المخرج والسيناريست علاء عزام للجزيرة نت ذكرى محمد محمود بأنها ذكرى الثورة وغياب الأصدقاء الذين ارتقت أرواحهم فضلا عمن فقدوا عيونهم، مؤكدا أن رائحة الغاز الذي تطلقه الشرطة ذكرته اليوم ما كانت تفعله من شحن لطاقة الثوار وإثارة لعنادهم وتقوية لوعيهم.
وعن رسالة هذا اليوم، يقول عزام إنه ليس حالما ليتوقع أنها ستنهي دولة مبارك والعسكر التي لم تسقط بعد، لكن المهم أنها كشفت قبحا توارى خلف عباءات ثورية كاذبة، "فدخان الغاز في محمد محمود يكشف أكثر مما يستر ويبوح بأكثر مما يخفي".
يضيف عزام، أن هذا اليوم أيضا من شأنه أن يكشف الإخوان أمام أنفسهم، ويذكرهم بأن سكوتهم على تصرفات العسكر لم ينفعهم، وأن تراخيهم في استعادة حقوق الشهداء أبعد عنهم قوى كان يمكن أن تساندهم في وقت محنتهم.
أما عن المستقبل، فإن عزام يبدو واثقا أن الثورة ستنتصر في النهاية، ويقر بأن نظام مبارك ما زال أقوى، بماله وإعلامه وتحالفاته الداخلية والخارجية، لكنه واثق من أن المنتصر في النهاية سيكون الشباب المصري بحماسه وعناده ورغبته الجارفة في تحقيق حلم سقط في سبيل تحقيقه آلاف المصريين بين قتيل ومصاب.