الرابط المختصر :
بيروت/ موقع الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين
علاج أسباب الفقر من خلال هذا البعد العقدي والفكري الأيديولوجي:
إذا نظرنا إلى جميع أسباب الفقر التي ذكرناها نجد أن الإسلام قضى عليها من الجانب التنظيري والتأصيلي، ثم من الجانب التطبيقي خلال فترات من التأريخ الإسلامي، وذلك على ضوء ما يأتي:
1) وجوب العمل على القادر، حيث أولى الإسلام عناية قصوى بالعمل، وأمر به كما أمر بالصلاة بنفس الصيغة الآمرة فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» ثم قال تعالى: «فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» حيث أمرنا بالانتشار في الأرض بعد الصلاة مباشرة لطلب الرزق- كما سبق-.
وقد استعمل الرسول- صلى الله عليه وسلم- كل الوسائل المؤثرة المؤدية إلى العمل، منها القدوة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «كان داود عليه السلام لا يأكل إلاّ من عمل يده وقال: كان زكريا عليه السلام نجاراًَ» وفي رواية صحيحة أيضاً: «ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده».
2) حرمة السؤال من غير ضرورة، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا قبيصة: إن المسألة لا تحل إلاّ لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة.... ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش... ورجل أصابته فاقة، حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له مسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال: سداداً من عيش، فما سواهنّ من المسألة يا قبيصة: سحت، يأكلها صاحبها سحتاً» ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يحتطب أحدكم حرزمة على ظهره، خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه»، ويقول أيضاً: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مُزْعَةُ لحم».
فهذه الأحاديث وغيرها تدل بوضوح على حرمة المسألة إلاّ للضرورة أو الحاجة الملحة، أو السلطان لحق، حيث قال صلى الله عليه وسلم: إن المسألة: كدّ، يكدّ بها الرجل وجهه إلاّ أن يسأل الرجل سلطاناً، أو في أمر لا بدّ منه أي أن يسأل السلطان حقه من الزكاة ونحوها.
3) للإسلام منهج متكامل في مسألة المرض، حيث أمر بالوقاية، والحماية، وأمر بالتداوي، والاستفادة من كل دواء فيه شفاء.
4) بالنسبة لثقافة التواكل والكسل وحقارة بعض المهن فإن الإسلام حارب هذه الثقافة تماماً، وقرن العمل والكسب الحلال بالجهاد في الفضل والأجر والثواب.
5) وبالنسبة للأمية والجهل والتخلف فقد حاربها الإسلام- كما سبق-.
6) وبالنسبة للحرب الداخلية والخارجية، فإن الإسلام حرم جميع الحروب إلاّ الحرب للدفاع عن الوطن الإسلامي والدين، ولإعلاء الحق والدفاع عن المظلومين، وحتى في وقت الحروب فإن الإسلام يفرض مواثيق خاصة تتضمن عدم القيام بقطع الأشجار والإفساد في الأرض، وعدم إهلاك الحرث والنسل دون وجه حق.
ومنع الإسلام الاضطرابات والحروب الداخلية وأوجب على المسلمين أن تكون وسائل التعبير عن الآراء داخل المجتمع المسلم محصورة في الوسائل السلمية فقد أوصى الرسول- صلى الله عليه وسلم- بشدة أن يرفع السلاح في وجه الأمراء إلاّ أن يروا منهم كفراً بواحاً، فقد ورى البخاري ومسلم وغيرهما بسندهم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج عن السلطان شبراً مات ميتة جاهلية»، ورووا عن عبادة بن الصامت قال: فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا، وأثرة علنا، وأن ننازع الأمر أهله إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان.
فهذه الأحاديث وغيرها لا تعني الاستسلام للحكام الظلمة المسلمين، وإنما تريد الحفاظ على أمن الدولة والمجتمع بأقصى ما يمكن مع استعمال جميع وسائل التعبير عن الرفض بالكلام والنصح لهم، والمظاهرات، والاعتصام والعصيان المدني الشامل، ونحوها من الوسائل السلمية حيث وردت آيات وأحاديث صحيحة أخرى تدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى وجوب النصح لأئمة المسلمين وعامتهم، وكلمة الحق أمام السلطان الجائر، ومنع الظالم من ظلمه، فقد ورد في الحديث الصحيح، قال عبادة: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كان، لا نخاف في الله لومة لائم.
7) وبالنسبة للظلم مطلقاً، والظلم المالي فلا نجد ديناً ولا نظاماً أولى العناية بالعدل، ومنع الظلم مثل الإسلام حتى وصلت الآيات التي تتحدث عن العدل، والظلم إلى نحو ألف آية.
8) وبالنسبة للفساد الإداري والمالي الاقتصادي والسياسي يأتي الحديث عن موقف الإسلام الواضح منه.
9) وأما بالنسبة لمسؤولية الحكومات، فالآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة والآثار المروية عن كبار الصحابة تتحدث عن مسؤوليتها حتى عن الحيوانات.
10) وكذلك الاعتماد على فقه الأولويات يدل عليه عدد من النصوص الشرعية، حتى ألف فيه فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي كتاباً بهذا العنوان.