دعا الشيخ د. علي محي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى النظر في أمر الظلم داخلياً وخارجياً وقال إن آثار الظلم كبيرة جداً حينما يكون الإنسان ظالماً لنفسه أو لأسرته أو زوجته أو أولاده أو آبائه أو جيرانه أو عشيرته أو أمته وشعبه، ويترتب على الظلم آثار خطيرة من عدم الهداية والتوفيق ( إنه لا يفلح الظالمون)، ولا يكون معه نور الله الذي يهديه الى الطريق الصحيح، ولذلك يخبط خبط عشواء كما رأينا في بعض الحكام الظلمة الذين ظلموا ولم يعرفوا ماذا يفعلون وكان بإمكانهم أن يفعلوا أموراً تنجيهم، ولكن لم يهتدوا إليها، وكذلك ليس للظالم نصير، والله لا يجعل لهم النصرة مهما كان، إن الله يمهل ولا يهمل، وإذا أخذه،أخذه أخذ عزيز مقتدر، وكل بقدره، فلا تتطلع الى ظلم الحكام فقط ، ولتنظر الى ظلم أنفسنا أيضا، فليتق الله سبحانه وتعالى فيما أعطاه من قوة، فهذه القوة من الله، فكيف تستعملها في غير طاعة الله بل تستعملها في معصية الله. ودعا فضيلته في خطبة الجمعة أمس في جامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب إلى أن ندفع بكل ما نستطيع حكاماً ومحكومين عن إخواننا المظلومين في كل مكان سواء كان في داخلنا أو الشعوب المظلومة كما الحال في سوريا ويجب أن نعلم أن تحقيق العدل داخل الأسر هو الأساس وعلينا أن نربي أولادنا على إزالة الظلم وتحقيق العدل.
أصل المشاكل
وكان فضيلته قد بدأ خطبته قائلا:إذا نظرنا الى مشاكل العالم كله بما فيه مشاكل العالم الإسلامي، ومشاكل الشعوب والدول، ومشاكل الأفراد والأسر، لو تعمقنا في أسباب هذه المشاكل والبلايا والمصائب، لأستطعنا أن نحصرها في دائرة واحدة وهي دائرة الظلم والاعتداء، لأن الظلم هو المرجعية لكل هذه المصائب، ولكل هذه المشاكل، ولكن الظلم بمعناه الواسع، بمعناه الشامل للجانب المادي والمعنوي، ولذلك جعله الله سبحانه وتعالى مرجعية حتى للشرك (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، فالظلم هو المرجع وهو الأساس حتى للشرك بالله سبحانه وتعالى، وحتى للاعتداء على حقوق الله سبحانه وتعالى، لأن الظلم هو الاعتداء على الحقوق المادية والمعنوية، الشخصية والاعتبارية.
وأكّد على أنه لا يخرج شيء يؤدي إلى المشكلة والى الإحساس بالظلم عن هذه الدائرة الواسعة، ولذلك أولى الله سبحانه وتعالى عنايته بعلاج هذه المشكلة من أساسها وجذورها، ولذلك وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم بشتى أنواعها ومسائلها وأسبابها وأدواتها في أكثر من 300 آية، كما وردت الكلمات التي لها علاقة بالظلم مثل الاعتداء والبغي حوالي أكثر من مئتي آية، إذاً أكثر من 500 آية في القرآن الكريم تتحدث عن مسائل الظلم وخطورته وعن أدواته وأفعاله وعن نتائجه وآثاره، ثم يعقب الله سبحانه وتعالى على ذلك بالعلاج الذي يتحقق بالعدل الشامل ومن خلال القسط والإقساط أي رفع الظلم وتحقيق العدل.
الظلم شائع بامتياز
وقال فضيلته :هذا إن دلّ على شيء إنما يدل على خطورة هذه المسألة فعلاً، وعلى أن القضية كبيرة تحتاج الى العلاج، وأن القضية شاملة للحياة الإنسانية كلها بدءاً من الفرد إلى الأسرة، الى المجتمع، وإلى الدولة، وإلى الأمة والى العالم أجمع، وهذا هو حق وحقيقة، حينما ننظر الى عالمنا اليوم فهو مضطرب جداً في كل مجالاته السياسية والاقتصادية، وكذلك في جوانبه الاجتماعية والإنسانية والثقافية، ومن خلال الأمن والأمان، فالعالم اليوم عالم مضطرب بامتياز، لماذا ؟ لأن الظلم شائع بالامتياز، القوي لا يبحث عن مصالح الضعيف وإنما يبحث عن مصالحه وحده، والأنانية هي التي تحكمه، فتظلم ويظلم ويعتدي ويفسد في الأرض دون أن يلقي نفسه في مسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى.
وأشار إلى أن الحروب المدمرة التي وقعت في أوروبا، الحربين العالميتين، كانتا أيضاً بسبب الظلم بين الدول وبسبب الاعتداء، فالعالم سواء أكان عالماً إسلامياً أو غير إسلامي إذا ساده الظلم سادته المشاكل والمصائب والاضطرابات، ومع وجود حربين عالميتين جاءتا بسبب الظلم، حينما اجتمعت الدول المنتصرة، الدول الحلفاء، لم تستفد درساً مما حدث في هاتين الحربين العالميتين المدمرتين، وإنما أسسوا منظمة الأمم المتحدة على أساس الظلم وعلى أساس عدم العدل، فأعطوا للدول المنتصرة الخمس حق الفيتو وحق النقض، وهذا يعني أن دولة واحدة من الدول الخمس تستطيع أن تتحكم في مصير العالم كله، فكم من قرارات رفعت إلى الأمم المتحدة في حق القضية الفلسطينية العادلة لا أقول الإسلامية فقط وإنما إنسانياً ودولياً ولكن أمريكا استعملت حوالي أكثر من 300 حق فيتو في هذه القضايا وكم من قضايا عادلة أيضا رفعت إلى الأمم المتحدة فإذا بالاتحاد السوفيتي السابق لمصلحته وأنانيته يرفع وينقض ويستعمل حق الفيتو.
قصف حماة
وقال فضيلته: اليوم ترون أيضًا هذا الظلم الذي نشاهده جهاراً نهاراً، ويقتل به عشرات بل مئات، ورأيتم كيف قصفت حماة بصواريخ دمرت عدة بيوت، وقتل فيها عشرات وجرح المئات من الأطفال والنساء والشيوخ، ودفن أناس أحياء وهم يقولون ما لنا إلا الله، ولكن الأمم المتحدة عاجزة، لأنها أقيمت أساساً على حقوق الدول المنتصرة وحظوظ الدول المنتصرة، ومصالح وأنانية الدول التي أنشأت هذه المنظمة.. لوعدنا إلى القرآن الكريم حينما رفع أمر عظيم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل أحد الصحابة، الذين جاهدوا معه، ضد يهودي وكان الرسول صلى الله عليه وسلم بطبيعته يميل إلى هذا الصحابي المجاهد، ولكن الحق لم يكن مع هذا الصحابي في قضية اتهم فيه اليهودي،وإذا بالقرآن الكريم ينزل من فوق سبع سماوات يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك (وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا)أي لا تعط للظالمين حجة وكن عادلا، سواء كان لنفسك، أو لأصحابك، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم درساً من ذلك فلذلك كان يقول ( والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، ولذلك حتى حينما كان يعتدى على المسلمين ويعتدي على الصحابة وحينما يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا بالرسول يخضع لأمر الله سبحانه وتعالى ولا يخضع لحظوظ نفسه.
وفي فتح مكة، هؤلاء الذين قاتلوه، هؤلاء الذين آذوه، يقول الرسول لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء ولا تثريب عليكم وإني اليوم أقول كما قال يوسف يغفر الله لكم ولا تثريب عليكم.
في فلسطين والسودان
وأشار إلى واقع الأمة المعاصر بقوله: وأما في العالم اليوم، يأكل القوي الضعيف والعالم عاجز أمام ذلك، وكل واحد يريد مصلحة نفسه، ولذلك العلاقات الدولية في حقيقتها لا تقوم على أساس العدل والإنصاف، وإنما تقوم على أساس الظلم، ومن هنا يضطرب العالم وبالتالي ينجو الظلمة وينجو القتلة من العقاب كما نشاهد اليوم في سوريا وفي غيرها، وكما شاهدناه كثيراً في قضيتنا الأولى، قضية فلسطين، كيف تعامل الغرب مع هذه القضية رغم أنها قضية أممية، وحتى في الجزء الثاني وهو قرار 204 لم يطبق منه شيء الى يومنا هذا بل ظلت إسرائيل تعمل خارج دائرة الأمم المتحدة دون أن تنال العقاب بل دون أن تلقي بالاً لهذه الأمم لأن وراءها دولة أو دولاً لها حق النقض.
ولو عدنا إلى دولنا لنجد أيضًا أن هذه الاضطرابات الموجودة تعود الى الظلم.
جريدة الراية – الدوحة