الرابط المختصر :
بيروت/ موقع الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين
تُعرَّف الديمقراطية في النظم السياسية بأنها حكم الشعب للشعب من أجل الشعب، وهي تعني أن الشعب هو المحور الأساسي، وأن الحاكم سواء كان رئيسًا أو أميرًا أو ملكًا هو الخادم ينفذ إرادة الشعب. ولما كان الغرب قد خطا خطوات نحو تأليه الإنسان؛ فقد جعل من حق الشعب أن يحل وأن يحرم ما يشاء، فباسم الديمقراطية تمت إباحة الخمور وبيوت الدعارة، واستلاب خيرات الشعوب الأخرى كما فعلت فرنسا في الشمال الإفريقي، ولا تزال تستلب خيرات القرن الإفريقي الجنوبي..
وكما فعلت بريطانيا في بلاد الشام ومصر، فسلبت خيراتها، وقدمت فلسطين لقمة سائغة للصهاينة؛ فكان وعد بلفور الذي أعطى من لا يملك من لا يستحق، وكما تفعل أمريكا اليوم في غزوها العراق وأفغانستان واحتلالها بقواعدها العسكرية كثيرًا من بلادنا، واستلابها البترول والمعادن النفسية من دولنا الإسلامية. والديمقراطية هنا لا تمانع من تمرير هذه المظالم بالجملة، طالما أن الإنسان الأبيض يرفل في النعيم على حساب الإنسان الأسود والملون، وهي ديمقراطية مزيفة بكل جدارة، ووهمية بكل جسارة.
ولما انتقلت هذه الديمقراطية المزيفة إلى بلادنا العربية، صارت لها أنياب في عهد السادات، وصارت ذات مخالب وأنياب وسيوف وقضبان ومحاكم عسكرية وقتل وسفك بالجملة في عهد مبارك ومن على شاكلته في أكثر النظم العربية، وأفرزت هذه الديمقراطية المزيفة أربعة أمراض خبيثة هي: الاستبداد السياسي، والفساد المالي، والتحلل الأخلاقي، والتخلف الحضاري. فقامت الثورة في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن لا يريد شعوبها إلا حرية أو ديمقراطية حقيقية وليست مزيفة، ونجحت الثورة في مصر وتونس، والأمل في الله أن يزيل بقية الطواغيت، وأن تعود الحرية والديمقراطية الحقيقة إلى الشعوب.
والعجب كل العجب في دعاة الديمقراطية في مصر أن يكون سقفها ليس احترام تعاليم الأديان السماوية وديانة الأغلبية في مصر، ليكون السقف هو إعادة إقصاء الإسلاميين ورفض نتائج الاستفتاء الذي أقر بنسبة 74% التعديلات الدستورية العشرة، وصدرت القرارات من المجلس العسكري بناء على هذا الاستفتاء بإجراء الانتخابات لمجلس الشعب في سبتمبر، وانتخابات الرئاسة قبل نهاية العام 2011م، لننتقل من الحكم العسكري إلى الحكم المدني في أقرب وقت، حسب مطالب الأبناء الشرعيين الحقيقيين لثورة 25 يناير.
ومع أن الإسلاميين قد بذلوا جهدهم في طمأنة المتوجسين في الداخل والخارج برفع شعار المشاركة لا المغالبة سياسيًّا، وأنهم لن يرشحوا أحدًا منهم لمنصب الرئاسة، ولن ينزلوا في 50% من الدوائر ليتركوا للقوى الأخرى -مهما كانت هزيلة في الميدان- الفرصة للمشاركة، وانتخابات اتحادات الطلاب والنقابات المهنية سابقًا تشهد على ذلك، لكن أدعياء الديمقراطية ظهر زيفهم، وبان عوارهم، واختلت معاييرهم، وتناقضت مواقفهم، فإذا بهم ينادون بأن الدستور أولاً عكس الاستفتاء الشعبي، ويطالبون بإطالة الحكم العسكري عكس المطلب الجماهيري في ميدان التحرير..
وبدلاً من الاعتراف بأن كثيرًا منهم ليس له أنصار وحواريون وقادة وأتباع في القرى والنجوع والمدن والمحافظات، صاروا يدندنون حول التخوف من إرادة الشعب أن يختار الإسلاميين المنظمين، واستدعوا التخوف العالمي من حكم الإسلاميين، فقبل بعضهم أن يفتح جيبه للمعونات الأمريكية كما اعترفت السفيرة الأمريكية بمصر بأنه قد تم توزيع 60 مليون دولار على طوائف من شعب مصر (وهذا هو الظاهر)، كما أن دولاً من أوربا قد أرسلت لبعض شباب الثورة ورجالها في استضافة تتحول إلى استتباع وتمويل سخي لمن يتبنى أولاً: الإبقاء على التطبيع مع الكيان الصهيوني, وثانيًا: إلغاء المادة الثانية للدستور ليكون علمانيًّا، وثالثًا: منع الإسلاميين من الوصول للحكم مهما كان حقهم، ورابعًا: الاستمرار في مشوار تحلل المرأة وليس العناية بها..
ومن المتوقع أن يرفض كثير من الأحرار أن ينفذ أجندة الغرب التي لا تسعى إلا لمصلحة شعوبهم, كما يتوقع أن يقبل قليل من الأغرار في مصر أن يكون ذيلاً رخيصًا يتبع رأسًا فاجرًا. وهؤلاء قطعًا لن تنفعهم الديمقراطية الحقيقية وإنما المزيفة! ديمقراطية ما يسمى النُّخبة المستترة وراء ستار الديمقراطية المزيفة، وتمويل الدول الزاحفة، وليست الشعوب المتظاهرة المضحية..
تذكروا أيها الزائفون أن الشعب الذي خرج بالملايين في كل الميادين قد ذاق طعم الحرية، والصوفية يقولون: "من ذاق عرف ومن حُرم انحرف"، ولن يقبل وصاية من يزعمون أنهم النخبة، وأنهم الأوعى لمصالح مصر، تمامًا كما كان النظام السابق يرى أن المصريين لا يستحقون الديمقراطية، ولن يحسنوا التعاطي مع مقتضياتها..
واليوم يجب الإصرار على احترام إرادة الشعب الذي تم استفتاؤه استفتاء صحيحًا بعد سنوات طوال عجاف من ديمقراطية زائفة من النظام السابق ومن هيأ له الأسباب من القوى العالمية؛ كي يكون رمزًا في الطغيان والاستبداد والسلب والفساد، وغدًا تحسم الصناديق المفارقة بين الديمقراطية الحقيقية والمزيفة
وإن غدًا لناظره قريب.. فانتظروا إنا منتظرون.. وارتقبوا إنا مرتقبون.. و{لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 67].
المصدر: موقع الدكتور صلاح سلطان