مازالت العقلية الفرنسية (الاستعمارية) المتعجرفة تتعامل بالمنطق نفسه المعادى لكل ما هو إسلامى، فبعد إعلان الرئيس الفرنسى، ساركوزى، الداعية والعالم الإسلامى يوسف القرضاوى شخصاً غير مرغوب فى دخوله بلاده، قررت وزارة خارجيته منع أربعة دعاة إسلاميين من دخول الأراضى الفرنسية، لحضور مؤتمر "ملتقى مسلمى فرنسا التاسع والعشرين".
لا أدرى حقاً من أى منطلق اتخذت الحكومة الفرنسية هذا القرار، فهى لم تذكر أسباباً، ولا أدرى أيضاًَ من الدعاة وعلماء المسلمين، الذين ستسمح لهم بدخول أراضيها، إذا رفضت دخول شيخ بحجم وعقلية واعتدال الشيخ يوسف القرضاوى، ولكن، وفى كل الأحوال، نستطيع أن نستخلص من هذا القرار عدة رسائل:
أولاًـ أن الشيخ القرضاوى بحق رمز للأئمة المعتدلين، والذين لهم موقف متوازن وفهم واضح لوسطية الدين الإسلامى، ومن يتابع كتاباته وآرائه يجد نفسه أمام داعية عصرى متسامح، له مجهودات كبيرة فى الحوار بين الأديان، والتقريب بين الأفكار، وكان من الشيوخ الذين عانوا كثيراً بسبب مواقفه تلك، ما يبدد الأقاويل بأن الغرب يحارب التشدد فقط، حيث يتضح من مثل هذه القرارات أن المخاوف الغربية هى من الطرح الإسلامى الوسطى.
ثانياً: يتضح هذا الربط، إذا وضعنا فى الاعتبار التحذيرات الغربية المتعددة من انتشار الإسلام فى أوروبا، ليس آخرها تحذير مؤسسة IFOP، أحد أبرز المؤسسات البحثية فى فرنسا، من ذلك الانتشار، بعد الكشف عن تقرير يؤكد انتشار الإسلام فى عدد من الدول الأوروبية خلال الأعوام العشرة الماضية، وقالت، حسب مواقع إخبارية، "إن شريحة كبيرة من المواطنين فى فرنسا وهولندا وألمانيا والمملكة المتحدة، يرون أن الوجود الإسلامى يشكل خطرًا على الهوية القومية للبلاد ومتخوفون من أسلمة أوروبا خلال العشرين عامًا القادمة".
وحسب المؤسسة، فقد اعترف سفير فرنسا بالجزائر، كزافيى دريانكور، أن قرار حظر الصلاة بالشوارع، الذى اتخذته الحكومة الفرنسية، يأتى فى ظل المخاوف من انتشار الإسلام بصورة كبيرة فى بلاده، الأمر الذى اعتبره خطرًا على القيم العلمانية.
ثالثاً: طريقة رفض الدعاة المسلمين بهذا الشكل المهين، بإعلانهم أشخاصا غير مرغوب فيهم، وبناءً على ما سبق ذكره، ليس موجها لأشخاص هؤلاء، إنما يمكن وصفه بأنه "غل وكره" فرنسى، لكل من له علاقة بالدين الإسلامى أو أفكاره.
رابعاً: أن فرنسا كنموذج للحكم العلمانى، تؤمن باحترام كل الحريات، فيما عدا حرية المسلمين، الذين يتخطون حاجز الخمسة ملايين، على أراضيها، وهم، وفقاً للقرارات الفرنسية المتلاحقة، ليس لهم أى حقوق فى حرية المعتقد أو الملبس أو التعبير أو الرأى.
خامساً: أن هذا الموقف لا ينفصل عن المسلمين فى الغرب بشكل عام، من منع للأذان وتضييق عليهم فى عباداتهم، واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، منها حرق المصاحف فى هولندا وأمريكا، ومنع المآذن فى سويسرا، وحادث مقتل مروة الشربينى فى ألمانيا ليس ببعيد، أما عن الانتهاكات الأمريكية لحقوق المسلمين فى العراق وأفغانستان فحدث ولا حرج، هذا كله فضلاً عن انتهاكات حقوق السجناء فى جوانتانامو، ويكفى أن نعرف أن الإدارة الأمريكية سمحت باستخدام 14 أسلوباً للتعذيب والإهانة للضغط على المعتقلين هناك، ليس أقساها أسلوب "الإيهام بالغرق".
ما يعنينى حقاً فى هذا الإطار، بعد هذه المواقف التى تعبر عن سياسة إقصائية، هو التساؤل: أى من الدول الغربية هذه نعتبرها نموذجاً للحكم؟ وهل نعتقد أن هذه الدول ممكن أن تسمح بأى نهضة حقيقية فى أى دولة إسلامية؟.
إن منهج التكبر والاستعمار ما زال يسيطر على عقليات هذه الدول، ومع كل الأسف، يوجد بيننا من يرى أنهم النماذج المثلى فى الحكم، بينما يرون هم أننا أشخاص غير مرغوب فيهم، بيننا من يرى أنهم نموذج لاحترام الحريات، وهم يرون أننا لا نستحق أى حريات، بيننا من يرى أنهم النموذج الأولى بالاتباع، يسبحون بحمده ليلاً ونهاراً، لا يدركون أن هذه الدول ترى أن مجرد ظهورنا على السطح خطر عليها.