إن من أعظم النكبات التي تصاب بها الأمم هي نكبة الغفلة والنسيان، وأخشى أن تكون الأمة العربية والإسلامية قد نزل بها هذا الداء، فما أسرع أن تصدق الذين يرفعون الشعارات البراقة الذين يقومون ببعض الأعمال التي تبقي عليهم ولا تهزم عدوًّا.. هل نسي الفلسطينيون ما حل بهم في لبنان؟ ومن الذي نكبهم فيها؟ ومن الذي كان يتفرج على مجزرة صبرا وشاتيلا ولم يقدم أي مساعدة؟ كان الجيش السوري في لبنان ولكنه لم يستطع حتى الدفاع عن نفسه، وترك الشعب اللبناني يواجه العدوان والتدمير.. كان ذلك عام 1982م.
نسي الناس من الذي جرَّ المنطقة إلى هزيمة 1967م، ولا يفكرون ويقارنون من الذي يجرُّ لبنان اليوم إلى الدمار، فإذا اجتمع إلى داء الغفلة والنسيان داء آخر وهو (البحث عن البطل) الذي تتعلق به الآمال الخائبة، فقد صار الأمر (ضِغْثًا على إبَّالة)[1] كما يقال.
لقد تعلقت هذه العواطف الفائرة بجمال عبد الناصر وشعاراته وخطبه النارية، ولكن ماذا فعل؟ لقد غادر وترك مصر يبابًا، ثم تعلقوا -ويا للأسف- بالخميني الذي رفع شعار تصدير الثورة إلى العالم العربي السني، وذهب وهو يتجرع السم، وظهر بطلانه وحقده وتعصبه. وتعود الكرة اليوم -ويا للهول- فتتعلق العواطف الفائرة بشيخٍ يتلقى أوامره من إيران، ويشكِّل حزبه رافعة للنظام السوري المستبد الظالم.
وإذا أضيف إلى ذلك عدم القراءة عند هذه الشعوب، وأعني قراءة الماضي والحاضر، فعندئذٍ تسود الديماغوجية[2] وتنقلب الأمور رأسًا على عقب، وعندما تقع المصيبة سيندم الناس على غفلتهم، وعلى عواطفهم التي ليس لها أساس من دين أو عقل.
يجب أن نوضح هذا الالتباس المخيف، ونفصل بين مقاومة العدو الصهيوني وبين حزب الله الذي لا يقاتل من أجل فلسطين، ولكن من أجل أغراض أخرى.. إنه ليس من المعقول أن تحدث هذه الأحداث فجأة بغير تدبيرٍ سابق، وإذا عجز الناس عن التفسير فلا يعني ذلك أن ليس هناك تدبير مبيت لتدمير لبنان، ولترجع سورية إلى لبنان، ولتختلط الأوراق في المنطقة ويكون لإيران الدور الإقليمي الواسع.
إن مقاومة العدو الصهيوني مستمرة وستطول، وإن الذي بدأها وسيستمر فيها هم أهل السنة، وهم الذين قاوموا المستعمر وأعداء الأمة سابقًا ولاحقًا، في داغستان والمغرب والجزائر وليبيا والسودان وبلاد الشام. وهم الذين يقاومون اليوم في العراق وأفغانستان. إنها مخادعة لا ينتبه لها إلا من يعرف القوم ومخططاتهم في (قم)، ولكنه داء الغفلة والنسيان هو الذي يجعل الجماهير في القاهرة ترفع أعلام حزب الله وكأنهم نسوا ما فعلته بهم دولة العبيديين (الفاطميين).
لماذا لا يقرأ هؤلاء السُّذَّج عن العلاقات الحميمة بين إيران وإسرائيل، فقد ذكرت جريدة السياسة في عددها الصادر بتاريخ 24/4/2006م: "عاد إلى إسرائيل في الأسبوع الماضي ثلاثة مهندسين بعد أن عملوا لمدة (20) يومًا في ترميم بنى تحتية قريبة من المنشأة النووية في مدينة بوشهر الإيرانية، التي تضررت من هزات أرضية سابقًا، ونقلت صحيفة (يديعوت أحرنوت) عن أحد المهندسين: لقد أدهشنا حجم الفجوة بين المواجهة العلنية الإسرائيلية الإيرانية، وعمق التعاون التجاري بين الدولتين... وأضاف: تم استقبالنا بدفء ولم نشعر بعدوانية للحظة واحدة من قبل مرافقينا".
لماذا لا يقرءون ما كُتب: "أن الأسد لا يملك جيشًا قويًّا، ولكنه ببضعة صواريخ وحربًا صغيرة يمكن أن يلفت الانتباه إليه". وفي هذه اليوم 22/7/ 2006م صرح نائب وزير الخارجية السوري أنه مستعد للحوار مع أمريكا حول لبنان؟! لماذا لا ينظر المغفلون السُّذَّج إلى الأمر من جميع جوانبه؛ فحزب الله لم يُدِنْ تحالف الشيعة في العراق مع العدو المحتل.
ولماذا لم يسمع هؤلاء بأن أهل المقاوم العراقي يفرحون إذا أمسكت به القوات الأمريكية ويحزنون إذا أمسكت به ميليشيات الشيعة أو الشرطة الداخلية؛ لأنه عند الأمريكان سيسجن ويخرج بعدئذٍ، وأما عند الميليشيات فسيعذب عذابًا فظيعًا ثم يقتل.
كيف يكون حريصًا على فلسطين من يقمع شعبًا بأكمله كالنظام السوري؟! وكيف يكون حريصًا على فلسطين من يتعاون مع أمريكا لقهر الشعب العراقي والأفغاني كإيران؟! كيف نفسر هذا المدح الكبير من قِبل أمين عام حزب الله للنظام السوري ويقدم هدية لمسئول المخابرات السوري في لبنان رستم غزالة؟! وهذا الأخير هو الذي ولغ في دماء اللبنانيين وكرامتهم.
هل يجب أن تكون أفعالنا وأقوالنا كلها رِدَّات فعل لمواقف الآخرين؟ هل إذا وقفت بعض الدول موقفًا يجب أن نكون في الطرف الآخر ولو كان خطأ؟
إننا لا ندافع هنا عن الدول، ولكننا ندافع عن الحق أن يطمس في هذه الغوغاء، وهذه الديماغوجية السياسية. هل إذا قال الغربي -سواء كان فردًا أو دولة- شيئًا صحيحًا، فيجب أن نقول بعكسه حتى لا نحسب عليه.. إن هذا خطل في الرأي وضعف في التفكير.
لا يمكن لحزب الله الذي تموله إيران (300 مليون دولار في السنة)، وتمده بالأسلحة عن طريق سورية.. لا يمكن أن يتخذ قرارًا بمفرده. وهل يصدق أحد ما قاله حسن نصر الله من أن سورية وإيران لا تعلمان بالأمر؟ وأما قوله: "لم نضرب حتى الآن"، فهذا يشكل علامة استفهام كبيرة، لماذا لم يُضرب ويضرب لبنان كله؟ ولماذا تضرب قيادات حماس وفي كل مكان؟ أسئلة لا تخطر ببال السُّذج من الناس، فالنتيجة هي أنه لا بد من بقاء الحزب شوكة في خاصرة لبنان، ومساعدًا لسورية، وعائقًا أمام المد السني الذي يعلم الغرب علم اليقين أنه هو المقاوم للاستعمار دائمًا.
ماذا نقول لأصحاب الأقلام وكُتَّاب الصحف وللذين يخرجون علينا في الفضائيات في كل يوم وكل ساعة، وللذين يدَّعون العلم والثقافة الذين يضللون الناس ويخدعونهم بتمجيد أزلام إيران التي تريد دورًا كبيرًا في المنطقة (وهذا بلاء كبير)؟! إن الشعوب تتأثر بتهليلكم ونواحكم، وكأنكم تريدون أن يعيش هذا الشعب في بلبلة دائمة.
وماذا نقول للدول الغافلة عن الأحلام الإيرانية هل تريدون أن ينماع العرب ويذوبون أمام المد الصفوي كما يذوب الملح في الماء؟!