البحث

التفاصيل

2-الإنسان في ميزان الإسلام

الرابط المختصر :

في مقال سابق بينا كيف إهتم ديننا الإسلامي الحنيف بالإنسان، واعتبره أكرم المخلوقات ،وكيف فضله الله عزوجل على كثير ممن خلق تفضيلا. وذكرنا كذلك مدى عناية القرآن بالإنسان منذ نشأته وبدايته . وكيف إهتم به، وكرر ذكره خلقا وبداية ،وعلما وهداية، وجزاء ونهاية. وسخر الله عزوجل له مافي السموات ومافي الأرض جميعا منه .وذكرنا كذلك أن سبب هذا التفضيل والتكريم للإنسان ،وتسخير المخلوقات له : حتى يستقيم على منهاج ربه عزوجل ويستخدم نعمه في إسعاد الخلق والتقرب بها إلى الخالق سبحانه وتعالى.
ونذكر اليوم بتوفيق من المولى تبارك وتعالى المراحل والأدوار التي يمر الإنسان بها في حياته . فالله سبحانه و تعالى خلق الإنسان، وجعل رحلة حياته تمر بمراحل وأحوال، وأزمنةوأمكنة. وينتهي الأمر به بعد ذلك إلى نعيم أبدي، أو جحيم والعياذ بالله.
وها هي رحلة الإنسان في حياته ،ومراحلها:
أولا: مرحلة الرحم.
ثانيا: مرحلة الحياة الدنيا.
ثالثا: مرحلة الحياة البرزخية.
رابعا: مرحلة الدار الآخرة.
وإليكم بعض تفصيل لتلك المراحل.
1-مرحلة الرحم:وهي التي يتكون الإنسان فيها، ويكون جنينا في بطن أمه. وتبدأ بالنطفة التي يقذفها الرجل شهوة في رحم المرأة حال معاشرته لها. وتنتهي هذه الفترة أوتلك المرحلة بالولادة، ومايكون بين إستقرار النطفة والولادة من زمن يعد هو المرحلة.
وبطن الأم أو رحمها هي أول دار يسكنها الإنسان، وإقامته فيها محدودة تسعة أشهر وقد تقل عن ذلك. والإنسان في هذه المرحلة يمر بأطوار في خلقه وتكوينه وتشكيله، ويظهر فيها بديع صنع الله عزوجل في خلقه. فتبدأ نطفة ثم علقة ،ثم مضغة ثم تتحول إلى عظام، وبعدها يكسى العظام لحما .فينشأ خلقا آخر كما حكى عنه القرآن الكريم. ثم يرسل الله عزوجل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، كما جاء في الحديث الشريف وذكرناه آنفا. ومن سمات هذه المرحلة أن الإنسان يعيش في ظلمات ثلاث:
1-ظلمة المشيمة أو الكيس المائي الذي وضعه الله عزوجل فيه حفظا له وحماية .
2-ظلمة الرحم.
3-ظلمة بطن الأم.
وأيضا من سمات هذه المرحلة: أن الإنسان وهو في بطن أمه يفتقر إلى الإرادة، ويكون معتمدا في تلبية إحتياجاته الأساسية من طعام وشراب ،وحماية على الوعاء الذي هيئه الله عزوجل له بقدرته التي لاحدود لها، ليعيش فيه وينمو خلال تلك المدة وهو بطن الأم .
وأيضا من عناية الإسلام وشريعته الغراء بهذا الجنين، وهو مايزال في بطن أمه تحريم ومنع زواج الأم إذا طلقت، أو مات عنها زوجها حتى تضع حملها ،وذلك صيانة للإنسان أن يختلط نسبه، ويتلوث بغير ماء أبيه.
وضمن له الإسلام الحفظ والصيانة، فحرم إجهاض الأم وقتل الجنين، وإسقاطه لغير ضرورة طالما ليس هناك خطر على حياة الأم. حفاظا على هذا الإنسان وهو لم يزل بعد جنينا في بطن أمه.
واحتفظت له الشريعة الغراء بحقه في التركة، والميراث إذا مات أبوه قبل ولادته. بل وافترضت له النصيب الأكبر حتى يولد فإن جاء المولود أنثى مثلا وحقه النصف من الذكر قسم له نصيبه، ورجع بما بقي على بقية الورثة.
2- مرحلة الحياة الدنيا والعيش فوق الأرض مباشرة وهذه تبدأ بالولادة وتنتهي بالموت، وهي أوسع مساحة ودارا من بطن الأم ،والإقامة فيها أطول مدة من تلك التي كانت وهو في رحم أمه، إذا قدر الله عزوجل لهذا المولود حياة.
والمولى الجليل "سبحانه وتعالى" قد هيأ للإنسان في هذه الدنيا كما علمنا سلفا كل مايحتاجه، وزوده بالعقل والسمع والبصر، وسائر الجوارح، وأمده بالنعم التي لاتعد ولاتحصى. فقد أوجده من عدم"بفتح العين" وأمده من عدم "بضمها "
ونجد إهتمام الإسلام كذلك بالإنسان حين ولادته، ويتمثل ذلك فيما رغبنا بفعله رسول الله العظيم ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم : من آذان يرفع بصوت خفيض، في أذن المولود اليمنى، وإقامة الصلاة في أذنه اليسرى، حتى يكون أول كلام يسمعه الوليد هو لفظ الجلالة، والتكبير والشهادتين، ونداء الصلاة والأمر في ذلك لايخلو من حكمة.
وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك: العقيقة التي تصنع في اليوم السابع من الولادة بذبح شاة أوشاتين حسب السعة والقدرة. إبتهاجا واحتفاء بهذا الموهوب الجديد ويسمى بإسم حسن وجميل يفخر به ويسعد عندما يعي ويكبر، ويحنك الوليد كذلك ويتصدق عنه بقدر شعيرات رأسه من غير ضرر وأذى لهذا المخلوق الضعيف.
ومن فضل الله عزوجل الذي أكرمنا بهذا الدين الذي لايفرق بين ذكر وأنثى في العطاء والتكريم، والتكليف فالكل عبيد لله عزوجل. فلا يفضل مولود ذكر على أنثى. كما كان هذا الوضع سائدا في الجاهلية. فنحن نقرأ في كتاب ربنا عزوجل حينما يتحدث عن هبته سبحانه وتعالى للإنسان بالذرية يقدم ذكر الإناث على الذكور، وفيه بيان صريح، وجواب واضح ورد مفحم على العرب الجاهليين، ومن كان على شاكلتهم ممن يفضلون الذكور على الإناث. يقول جل شأنه في الآيات الأخيرة من سورة الشورى :((لله ملك السموات والأرض يخلق مايشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير)).
ومن المهم أن نذكر كذلك بأن الوليد لايضيع حقه في الرضاعة والحضانة ،والرعاية والنفقة، وإن طلقت أمه أومات أبوه. فالإسلام يضمن هذه الحقوق وغيرها استبقاء لحياته ،وحماية له من الهلاك والضياع .قال عزوجل :(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ،لاتكلف نفس إلا وسعها، لاتضار والدة بولدها ولامولود له بولده، وعلى الوارث مثل ذلك ،فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما، وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ماآتيتم بالمعروف،واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير).
فالطفل الرضيع إن مات أبوه أو كان قد ولد يتيما، ولاتركة له ولامال، فقد تكفل الإسلام بحقه في العيش والحياة الكريمة. ووجب على الأغنياء والقادرين أن يعطوه وأمه من مال الزكاة والصدقات ،وتقوم الدولة برعايته. فهو إن مات أبوه فإن خالقه عزوجل يتولاه.
فالإسلام رتب للطفل حقوقا يؤديها له من يقوم على رعايته، من النفقة وحسن التربية والتوجيه ،والإرشاد والتعليم. فالطفل أمانة عند من يتولى أمره من والد أو قريب أو غيره. والله عزوجل سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع.
ومن فضل الله عزوجل على الإنسان، ورحمته به ،أنه لايكلف الابعد نضجه، ورشده وبلوغه .
ويظل الإنسان على وجه البسيطة يؤدي دوره في الحياة إلى أن يأذن الله عزوجل بخروجه منها بموته في الوقت الذي حدده الله له وبعدها ينتقل إلانسان إلى المرحلة الثالثة وهي :
3-مرحلة البرزخ :
دار البرزخ أو الحياة البرزخية، وهذه تكون في القبر، الذي هو أول منازل الآخرة، والذي يبقى فيه الإنسان حتى يكتمل موت الخلائق جميعا، وتقوم الساعة. وإقامته فيه غالبا أكثر من إقامته في الدنيا على ظهر الأرض. والأنس والنعيم أوالبؤس والشقاء يكون فيه أوسع وأكمل من دار الدنيا وكل بحسب عمله. فالقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. يبدأ فيه جزء من الجزاء ثم ينتقل إلى دار الخلود، إما جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، أو نار وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين الفاجرين.
4-المرحلة الأخيرة وهذه لانهاية لها:
مرحلة الدار الآخرة والإقامة فيها مطلقة، وفيها النعيم المطلق للمؤمنين. فمن أكمل في الدنيا مايحبه الله عزوجل من الإيمان والعمل الصالح، والخلق الكريم أكمل الله له يوم القيامة مايحب ويرغب مما لم تره عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر.
وإن لم يتحقق فيه الإيمان الصحيح، والعمل الصالح والخلق الكريم، فجزاؤه جهنم خالدا فيها.
ومن عجائب صنع الله عزوجل أن المؤمن الصالح كلما خرج من دار زهد فيما كان عليه أولا ،حتى يستقر في الجنة وفيها النعيم الأبدي .
ومن المهم أن نبين أيضا ونحن بصدد الكلام عن الإنسان في ميزان الإسلام:
بأن الله عزوجل الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم وكرمه على سائر المخلوقات
قد جعل لكل عضو من أعضائه كمالا ،وجمالا فإن لم يحصل له فهو في نقص، وألم وقلق و إضطراب.
فجعل الله عزوجل كمال العين بالإبصار، وكمال الأذن بالسمع، وكمال اللسان بالنطق. وإذا عدمت هذه الأعضاء مابه كمالها حصل الألم والمشقة والنقص.
وكذلك جعل الله عزوجل كمال القلب ونعيمه ،وسروره ولذته ،وطمأنينته في معرفة ربه ومحبته ،والأنس به والشوق إلى لقائه، والعمل بما يرضيه.
فإذا عدم القلب ذلك كان أشد عذابا والما وإضطرابامن العين إذا فقدت الإبصار، والأذن إن فقدت السمع.
فالقلب السليم يبصر الحق كما تبصر العين ضوء الشمس. وإذا أبصر القلب الحق حرك أعضاء صاحبه وقادها إلى قول الحق، والعمل بالحق، والعمل من أجل إحقاق الحق، وازهاق الباطل، فالقلب قيم وقائد لسائر الأعضاء ،وسلامته أصل السلامة في الدنيا والآخرة .وصدق الله عزوجل إذ يقول frown emoticon يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ).
وجعل الله عزوجل سعادة الإنسان وشقاءه ،بحسب مايصدر عنه من إيمان وعمل صالح أو عكس ذلك والعياذ بالله من كفر وعمل فاسد .
فمن آمن وأدى مطلوب الله منه سعد دنياوأخرى، وزادت سعادته عند الموت بملائكة تبشره بما يسره ثم تزداد سعادته عند دخول قبره، وتزداد أكثر يوم الحشر الأكبر، وتزيد أكثر وأكثر بدخوله الجنة، وتزدادد وتبلغ كمالها بالنظر إلى وجه الله الكريم.
ولكن إذا كفر وساءت أعماله شقي وساءت أحواله. فالجزاء من جنس العمل.
وتزداد تعاسته عند موته وتزيد أكثر في قبره، وعند المحشر، وتزداد وتبلغ منتهاها في النار والعياذ بالله .
ومن تنوعت أعماله المرضية لله عزوجل في الدنيا تنوعت ملذاته في الجنة ،وكثرت وزادت بحسب كثرة أعماله وزيادتها.
ومن تنوعت أعماله السيئة المبغوضة لله عزوجل تنوعت له كذلك صور العذاب في النار، وكثرت على قدر ذنوبه ومعاصيه.
يقول عزوجل frown emoticon من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون )
وقال أيضا frown emoticon ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى).
اللهم إجعلنا مؤمنين صادقين واحشرنا في زمرة عبادك الصالحين.
الراجي عفو ربه
فايز النوبي


: الأوسمة



التالي
أهل الحل والعقد
السابق
كوكب

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع