أجرى الحوار - عبدالحميد قطب
شفيق شقير الباحث المتخصص في المشرق العربي والحركات الإسلامية لـ "الشرق":
حزب الله عزز من نفوذه الأمني والعسكري داخل مؤسسات الدولة بعد مقتل الحريري
اتفاق الطائف يتآكل يومًا بعد يوم بسبب خرقه و الاختلاف على تفسير مواده
حكومة ميقاتي سهلت هيمنة الحزب على الدولة بكاملها بما في ذلك الدبلوماسية
استمرار الفراغ الرئاسي يفيد حزب الله لبنانيًّا ويخدم إيران إقليميًّا
الفراغ الرئاسي ينال من شرعية اتفاق الطائف ويهدد استقرار قوى 14 و8 آذار
التكهنات حول التغيير القادم وراء الجمود السياسي الذي يشهده لبنان
حزب الله حريص على أن لا يخسر حلفاءه المسيحيين والحفاظ عليهم وليس الرئاسة
جعجع عاد لصدارة المشهد السياسي كأحد صُنَّاع الرؤساء وليس مجرد مرشح على الورق
استغراق حزب الله في الحرب السورية جعلته يقدم الأولوية الإقليمية على المحلية
6 فاعلين أساسيين في الشأن المحلي اللبناني أبرزهم تيار المستقبل والجماعة الإسلامية
انتخاب الرئيس لن يتم إلا بإرضاء الطرفين الإقليمي والمحلي لأن مصالحهما متداخلة
لبنان تلعب دورًا مفتاحيًّا في حروب إيران الإقليمية لاسيما في سوريا
عون خرج من 14 آذار بعدما أدرك عدم إعطائه الحيثية التي يستحقها
هناك عدم انسجام بين عون وبري واختلفا معا في أكثر من محطة داخلية
عون يثق "بحزب الله " لكنه يرى بري الوجه الآخر للحريري في 8 آذار
قال الأستاذ شفيق شقير - عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين - الباحث المتخصص في المشرق العربي والحركات الإسلامية إن حزب الله استطاع الهيمنة على مقاليد الدولة اللبنانية ، وعزز نفوذه الأمني والعسكري بعد مقتل رفيق الحريري ، كما استطاع الوصول إلى قمة الهيمنة والسيطرة أثناء تولي نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة ، وهي الفترة التي وصل فيها لبسط نفوذه ، على كل مقدرات الدولة ، بما في ذلك الدبلوماسية اللبنانية .
واعتبر شقير قرار اعتبار "حزب الله" منظمة إرهابية مشابها لتشكيل المحكمة الجنائية الدولية ، وانه ربما يساهم في زيادة الاحتقان داخل الشارع اللبناني .
وأرجع شقير الفراغ الرئاسي لرغبة "حزب الله " أن يظل المنصب فارغا ، حتى لا يأتي رئيس يصطدم مع الحزب ، لكنه قال : إن الفراغ الرئاسي ينال من شرعية اتفاق الطائف ويهدد استقرار قوى 14 و8 آذار .
وتطرق شقير لعلاقة "حزب الله " و" تيار المستقبل " حيث قال إن الأخير يعتبر استمرار الفراغ الرئاسي يفيد الحزب لبنانيًّا ويخدم إيران إقليميًّا .
وإلى نص الحوار ..
هناك إجماع على أن "حزب الله " هيمن على الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية.. هذا يجعلني أسألك ما المراحل التي مر بها حزب الله حتى استطاع الوصول لهذه الهيمنة ؟
عندما نقول إن حزب الله يتحكم في الدولة اللبنانية ، فهو بذلك يختصر مرحلة الطائف بمجملها ، والتي استثنت سلاحه في الاتفاق ، بهدف إكمال عملية تحرير لبنان ، ثم حدث استثناء آخر لأجهزته الأمنية ، وهذا أعطاه خصوصية في المناطق غير المحتلة ، وجعله يزيد من نفوذه الأمني في البلاد ، ثم بعد مقتل الحريري وصلوا لمرحلة وجوب ذكر المقاومة في بيانات الحكومة ، باعتبار سلاح "حزب الله " هو سلاح مقاومة وليس مليشيا ، إلى أن جاء اتفاق الدوحة في 2008 والذي استغله "حزب الله" لكي يصبح معنيا بتشكيل الأجهزة الأمنية ، ووريثا شرعيا للجيش السوري ، الذي خرج من لبنان ، ثم جاءت حكومة نجيب ميقاتي والتي تشكلت من جناح واحد "8آذار" من خلالها هيمنة الحزب على الدولة بكاملها ، حتى على الدبلوماسية اللبنانية ، ودخل حلفاؤه الوزارات وصار لهم نفوذ عن ذي قبل .
وما المعالم والآليات التي نستطيع أن نقول إن الحزب يتحكم من خلالها في الدولة اللبنانية ؟
لو اختصرنا هذا التحكم فيكون كالتالي ، أولا..الدولة اللبنانية لا تستطيع أن تصدر قراراً يعترض عليه "حزب الله" سواء أكان خاصا بالشأن الداخلي أو الخارجي ، أو تعلق بموضوع أمني صغير أو كبير ، أو أُختص بتعيين رئيس الجمهورية أو موظف صغير ، ثانيا .. إذا اعترض الحزب على شيء فيجب أن يُسمع له على أساس انه "فيتو" أساسي ، وإذا كان له حاجات ومطالب يجب أن تُلبى ، وأهم الأمثلة على ذلك ، الحدود اللبنانية السورية التي هي مفتوحة للحزب يدخل من خلالها إلى سوريا ما يشاء ، من دبابات ومدرعات وصواريخ ، في مقابل الثوار السوريين الذين لا يستطيعون إدخال أي مصل أو دواء إلا بصعوبة .
أيضا من الممكن أن يرتكب أي شخص ينتمي لقوى "8آذار" أي جناية فيطلق سراحه فورا، مثل ميشال سماحة، بينما لو أن هناك شخصا آخر فعل شيئا بسيطا فسيلقى في السجن ، وقد ينسى ، وهذه المفارقة تحديداً هي التي تدلل على هيمنة حزب الله ، على مقاليد الدولة ، بما في ذلك مطار بيروت الدولي ، والجهاز الدبلوماسي كما أسلفنا .
اغتيال الحريري
وجهت اتهامات لحزب الله بالوقوف وراء مقتل الحريري .. برأيك ما مصلحة الحزب في قتله ؟
علينا أن نفصل بين مقولتين ، الأولى من قتل الحريري ؟ والإجابة عليها ما قاله "المستقبل" انه يتهم "حزب الله " أما المسؤولية الجنائية المباشرة ، فحتى الآن هناك محكمة دولية مشكلة هي التي تستطيع أن تقول من الذي قتله .
أما نحن كمراقبين ، فننظر إلى من استفاد من قتل الحريري ؟ فاعتقد أن الكل خسر بمقتل الحريري ، ولكن بتفاوت ، فحزب الله خسر خروج الحليف السوري من لبنان ، والدولة وتيار المستقبل خسروا أيضا ، لكن المحصلة في النهاية ، أن عملية اغتياله مثل كل عمليات الاغتيال السياسي التي لا نستطيع أن نحدد فيها الجاني، لأن هذا يفترض عليك أن تبحث أولاً في الأوراق السياسية قبل الجنائية ، وأعتقد أن مسار حزب الله السياسي هو الذي أودى بعملية اغتيال الحريري ، وجميع الاغتيالات التي تمت على الأراضي اللبنانية .
منع الهبة
هل قرار السعودية بمنع الهبة عن الجيش اللبناني سيساهم في تحجيم حزب الله ؟
أعتقد أن هذه الخطوة مشابهة لقرار إنشاء المحكمة الدولية ، والتي أدخلت الإقليم من قبل في معارك وهمية مع الحزب ، وبالتالي فان قرار قطع الهبة سيتضرر منه معظم اللبنانيين أكثر من تضرر حزب الله .
أيضا فإن المناوئين للحزب يحتاجون لدعم مباشر ، كما تدعم إيران الحزب ، مع فارق أن دعم المناوئين للحزب يكون أيضا لإعادة بناء الدولة اللبنانية ، عكس دعم إيران لحزب الله .
هل تتفق مع مقولة إن الموقف السعودي في قطع الهبة يعكس فشل القوى السياسية اللبنانية في مواجهة "حزب الله " ؟
بكل تأكيد فجزء كبير من القرار السعودي يعكس فشل كل القوى السياسية في مواجهة "حزب الله " وفي مقدمتهم تيار المستقبل ، الذي فشل في ردع الحزب وعدم تحويله من قوى محلية إلى قوى إقليمية .
القوى الفاعلة لبنانياً
كباحث متخصص في شؤون الحركات الإسلامية هل لك أن توضح لنا خريطة المكون السني في لبنان .. وهل هناك أرضيات مشتركة تجمع التكتلات والأحزاب السنية ؟
تتسم الساحة السنِّية اللبنانية بالتعدد من حيث البُعد التنظيمي، ويتنازعها في الغالب تيارات مرنة أكثر مما هي تنظيمات حديدية أو حادة أيديولوجيًّا، ربما لأنه يغلب على السنَّة عدم التركز طائفيًّا في مناطق خاصة دون غيرهم، ويمتازون بالاختلاط الواسع مع المكونات اللبنانية الأخرى لاسيما أنهم توزعوا على المدن الكبرى مثل بيروت وطرابلس وصيدا، فضلًا عن انخراطهم التاريخي في "المقاومة" الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي ومجاورتهم له في فلسطين. وبهذا تعددت أوجه الفاعلين السنَّة تاريخيًّا، وهي كذلك اليوم.
وبالنظر إلى فعاليتهم في الشأن المحلي وقدرتهم على نسج علاقات قوية مع الإقليم يمكن حصرهم في ستة فاعلين أساسيين، هم: تيار المستقبل، وهو الأكبر وذو طبيعة انتخابية، والجماعة الإسلامية، وتمثل الطابع الأيديولوجي للمنتمين للمكوِّن السني، وهيئة العلماء المسلمين، وهي أبرز ممثل غير رسمي لعلماء "السنَّة" حتى اللحظة، وهناك الأحزاب القومية السنِّية التي التحق غالبيتها بقوى" 8 مارس" ، إضافة إلى مواقع أخرى هي جزء من بنية الدولة مثل رئاسة الوزراء ودار الإفتاء، مع التنويه بوجود أدوار هامشية لجمعيات أهلية بعضها ديني وبعضها روابط عائلية ومناطقية ليست محل اهتمام لضعف بنيتها وتأثيرها .
برأيك هل هناك عوامل خارجية تمنع انتخاب الرئيس اللبناني أم الأمر مرتبط بالوضع الداخلي فقط ؟
هناك رأيان كثيرًا ما يترددان في لبنان: أحدهما أن الفراغ سيبقى مرتبطًا بتطورات الإقليم، وأنه لم يعد مقتصرًا في ذلك على ما يجري في سوريا بل تعداها إلى اليمن وإلى مجمل العلاقات السعودية-الإيرانية المتوترة. ورأي آخر يقول: إنه صنيعة لبنانية لأن التسوية لا تضر أيًّا من الطرفين الإقليميين وإنهما تركاها للبنانيين ولتقديراتهم بما يحقق مصالحهم في إطار هذا النزاع وما الفراغ بالنسبة لهما راهنًا إلا تفصيلًا محليًّا. وهذا لا ينفي أن دوافع القرار بإطالة عمر الأزمة وأمد الفراغ، سواء كانت محلية أو إقليمية، لن تُحل إلا بطريقة ترضي الأطراف الإقليمية وتطمئن الأطراف المحلية على مكاسبها، لأن المصالح بين البعدين متداخلة ولا يمكن فصلها .
وفي هذا السياق، يرى تيار المستقبل أن استمرار الفراغ يخدم حزب الله لبنانيًّا، لأنه كلَّما غابت الدولة تعزَّز موقف الأخير، ويخدم إيران إقليميًّا حيث يلعب لبنان دورًا مفتاحيًّا في حروبها الإقليمية لاسيما في سوريا، كما إنه ينال من شرعية اتفاق الطائف الذي يتآكل بحكم الواقع يومًا بعد يوم بسبب خرقه أو الاختلاف على تفسير مواده؛ ما يحتِّم المبادرة لانتخاب رئيس دون إطالة الانتظار أكثر، ولن يتم ذلك إلا بتحفيز الساحة المسيحية لتتوافق أو تتفاوض في سبيل ذلك، في حين أن شريكه جعجع كان يفضِّل التزام مرشح آخر من خارج قوى 8 آذار.
أمَّا حزب الله الأكثر فاعلية في قوى 8 آذار، فإن الأولوية الإقليمية لديه تتقدم على الأولويات المحلية، بسبب استغراقه في الحرب السورية، وأعطى حلفاءه الحصة الأكبر في تقرير الخيارات المحلية الأنسب لهم، وهم مختلفون في ما بينهم فلم يستطيعوا أن يجتمعوا ولو على مرشح واحد منهم، فلديهما مرشحان: ميشال عون وسليمان فرنجية.
و أمَّا الراعي الإيراني فإنه حريص على أن يكون وريث سوريا في اتفاق الطائف وهو حاصل بلا نقاش وتكرَّس باتفاق الدوحة، وأن يكون شريكًا في أية صيغة قد تحل مكان الطائف، "وترك التفاصيل المحلية لحزب الله وهو قادر على التعامل معها".
وبهذا، فإن قوى 8 و14 بغضِّ النظر عن المسارات الإقليمية، يجد كل منها في داخله مسارين على الأقل وفي اتجاهين مختلفين، ليكون بهذا استمرار الفراغ أحد العوامل المهدِّدة لاستقرارهما ودليلًا على عجزهما ولو بتفاوت فيما بينهما. كما أن مبادرة كل منهما إلى ترشيح مرشحه المفضل لم تُطرَح بجدية من قبل حلفائهما الإقليميين أي السعودية وإيران، وبسبب التداخل بين البُعدين المحلي والإقليمي لن يكون الحل إلا بمبادرة هي مزيج من كليهما .
اتفاق الطائف والمسيحيين
وهل مسيحيو لبنان لا يزالون مع اتفاق الطائف أم هناك من يريد تجاوزه ؟
إن مصلحة المسيحيين تكمن في الالتزام باتفاق الطائف وربما كل اللبنانيين كذلك، خاصة في ظل الوضع المتفجر في المنطقة، ولكن حسابات الأطراف اللبنانية تقوم على التكهنات حول التغيير القادم، وهو الكامن وراء الجمود السياسي الذي يشهده لبنان. ويمكن استخلاص النقاط التالية التي تشرح مآل الوضع اللبناني:
قد يكون تيار المستقبل الأكثر حرصًا على الانتخابات بأقل الخسائر لكن حزب الله وإيران يبحثان عن أفضل المكاسب، وهو الأمر الذي أطلق لعبة الترشيح والترشيح المضاد للرئاسة وبالتالي استمرار التعطيل، ما يحيل الأزمة إلى الرعاة الإقليميين، مع أن وقت المساومة واقتراح الحلول الإقليمية لم يحن بعد.
إن موقف حزب الله من الترشيح لرئاسة الجمهورية مرتبط بما يسمح به الوضع الإقليمي وليس مستعجلًا له، لكنه حريص على أن لا يخسر حلفاءه المسيحيين "عون وفرنجية"، وأولويته الحفاظ عليهما وليس الرئاسة. وهو يدرك أيضًا أن ترشيح حلفائه جاء من قوى 14 آذار، وسيسعى لتغيير الصورة ليكون المرشح الذي سيفوز من حلفائه إن حصلت الانتخابات، من ترشيحه هو قبل سواه.
لا يريد تيار المستقبل التفريط بجعجع مع حرصه على استمرار العلاقة مع فرنجية إذا لم يكن تعزيزها، كما أن جعجع حريص على تمتين العلاقة مع عون لأن في ذلك مصلحة لكليهما، فعون يريد الرئاسة أمَّا جعجع فقد عاد لصدارة المشهد السياسي اللبناني كأحد صُنَّاع الرؤساء وليس مجرد مرشح على الورق بيد 14 آذار لمساومة عون.
إن رفض بري لترشيح عون يربك ساحة حزب الله، ويؤكد أن بري ما زال ملتزمًا بالطائف، وهو بمثابة تنبيه لحزب الله بأن بري مستعد للتمايز عند الحاجة، كما فعل إبَّان مفاوضات الدوحة - التي جاءت في أعقاب سيطرة حزب الله على بيروت في 7 مايو- وأفضت إلى انتخاب ميشال سليمان وليس ميشال عون.
إن استمرار الشغور في منصب الرئاسة سيترك شهية إيران وحزب الله مفتوحة على المثالثة، أمَّا إذا ما حسمت الأطراف المسيحية وأعلنت تجديد تأييدها للطائف وبتأكيد غربي أو دولي، فإن حظوظ انتخاب رئيس جديد ستكون عالية جدًّا، وعندها سيكون لوثيقة جعجع-عون، دلالة سياسية وليست مجرد غطاء لمناورة محدودة لن تستمر طويلًا.
كذلك فإن ترشيح جعجع لعون إذا ما انتهى بجذب الأخير ولو للتقارب مع قوى 14 آذار فإنه سيفتح الباب نظريًّا أمام إعادة التحالفات السياسية مع تكريس لاتفاق الطائف. أمَّا إذا انجذب جعجع إلى قوى 8 آذار، فإن ذلك سيرفع من حظوظ الدعوة لمؤتمر تأسيسي جديد لتعديل الطائف أو إلغائه، وهو ما يدركه رئيس مجلس النواب الذي يمسك بمفتاح المجلس النيابي كما بمفتاح الطائف، ولهذا قال إنه آخر من سيقول رأيه بترشيح جعجع لعون، لأنه يدرك أن ما يجري في الإقليم سيقرر المسار في لبنان: رئاسة وتمديد العمل بالطائف، أو بمؤتمر تأسيسي ومرحلة ما بعد الطائف، وكلاهما يسيران جنبًا إلى جنب في المسار اللبناني، وكلاهما محفوف بمخاطر حروب صغيرة أو حرب أهلية كبيرة.
أمَّا الاحتمال الأبعد؛ ففي أُفُقه نظرية افتراق إيران عن روسيا وهو ما تأمله أطراف لبنانية لاسيما أن روسيا أصبحت في الجوار اللبناني القريب بتدخلها في سوريا، وحينها قد تضع التطورات الإقليمية فرنجية وبري في منطقة وسطى قريبًا من روسيا وباستقلالية أكبر عن إيران، وحينها ستختلف حسابات الأطراف المحلية مرة أخرى .
لكن ألم يكن مستغربا ترشيح سمير جعجع لميشال عون .. وهل هذه الخطوة ستحدث فراقا بينه وبين 14 آذار؟
يبدو أن جعجع يفعل على صعيد الترشيح لرئاسة الجمهورية ، ما فعله جنبلاط في رئاسة الحكومة بترشيحه ميقاتي بدلًا من الحريري، فقد رشَّح عون في مقابل فكرة ترشيح الحريري لفرنجية، ولكن جعجع يصرُّ على عدم خروجه من 14 آذار، لأنها كما يقول، مجموعة مبادئ لا يزال يلتزمها كما هو شأن تيار المستقبل وحزب الكتائب وبقية مكوناتها، مع تأكيده على اختلاف وجهات النظر بخصوص مرشح رئاسة الجمهورية.
وهذا يقود إلى أن في خلفية ترشيح جعجع للجنرال عون مسارًا سياسيًّا فرضه الحريري، الذي "لم يُحسن إدارة المرحلة كما لم يحسن ما قبلها"، فمنذ ما بعد "ثورة الأرز" عام 2005 دخل في التفاهم الرباعي أو التحالف الإسلامي كما يحلو لبعض المسيحيين تسميته ؛ حيث تم التفاهم بين حركة أمل وحزب الله وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، على حكومة واحدة أُلحق بها المسيحيون دون أن يكون لهم كلمة وازنة فيها؛ ما دفع الجنرال عون للخروج من 14 آذار لأنه أدرك أن عدم إعطائه الحيثية التي يستحقها في هذا التحالف يعني من باب أولى أن لا يكون مرشحًا لأية انتخابات رئاسية في الأفق المنظور.
قوى "8آذار"
وهل هذه المعادلة تنطبق أيضا على قوى 8 آذار ؟
ما جرى مع الحريري ينطبق على قوى 8 آذار من جهة أخرى، حيث لا يوجد في الأصل انسجام بين عون ورئيس حركة أمل نبيه بري، وما يجمع كلا الطرفين هو التحالف مع حزب الله ، وليس سرًّا أن التيار الوطني الحر لم ولا يرغب بالتجديد لبري رئيسًا لمجلس النواب ما استطاع ، واختلف معه في أكثر من محطة لها علاقة بقضايا داخلية لبنانية حتى أن عون طعن بشرعية التمديد الأخير للمجلس النيابي ما أثار غضب بري ، كما احتدم الخلاف بين الطرفين حول جواز التئام البرلمان للتشريع رغم عدم انتخابه رئيسًا للجمهورية، فعون كان يرفض ذلك أمَّا بري فرأى أن هناك ضرورات تحتِّم ذلك وهو ما تم له بتسهيل من "حزب الله".
وهل هناك نوع من فك الارتباط بين عون وحزب الله ؟
إن ثقة عون "بحزب الله" كبيرة حتى اللحظة وعبَّر عنها مرارًا باستجابته لوساطة الحزب بينه وبين بري وقدَّم تنازلات لهذا الأخير، ويبني ذلك على تقديراته لقوة الحزب - فضلًا عن نفوذ إيران- في الطائفة الشيعية، وأن الحزب إذا ما قرَّر فإنه يستطيع أن يُقنع بري في نهاية المطاف بالتنازل وترشيح عون أو عدم معارضة هذا الترشيح على الأقل.
مع العلم بأن عون لا يزال ملتزمًا بموقفه الأساسي كما يظهر ويعبِّر عنه عند اختلافه مع بري من حين إلى آخر، وملخصه: أن بري هو الوجه الآخر للحريري ولكن في 8 آذار، فهو من صانعي الطائف مع الحريري الأب وفق الصيغة السورية السابقة، وهو الاتفاق الذي كرَّس هيمنة المسلمين على المسيحيين "بحسب رواية عون"، ويريد بري استمرار هذه الهيمنة ولو بالشراكة مع المستقبل .
الشرق القطرية