بعض أدعياء التدين والثقافة طاروا فرحا بعثرة الشيخ عندما تحدث عن ما أسماه " شيوخ الإخوان ".
أقول " أدعياء " لأني لا أعرف للتدين تعريفا إلا حسن الخلق!
من يتابع التدوينات، يضيق صدره بما يقوله بعض من كنا نظن أخوتهم وصداقتهم.
هذا ليس ضعفا في النفس أو رقة في الحس، فقد خاطب القرآن صاحب النفس السوية، ومعدن الكمال البشري، صلى الله عليه وسلم، مواسيًا، ومسليًا، فقال: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ.
هذا المصطفى يضيق صدره بما يقوله عنه كفار قريش، فكيف لا تضيق صدرونا بما يقوله علينا أهل العلم وطلابه، ممن نظن بهم خيرا؟!
بدون تقعر ولا تكلف أقول، إن الذين تدور حولهم القرائن ثلاثة ، وهم :
1- رائد مدرسة الإصلاح والمصالحة الدكتور على الصلابي : وهو من أشد المتحفظين على مسار الحوار الأممي وينادي بانتخاب الشعب لجسم تشريعي جديد ، وغير" داعم " ولا معارض لحكومة السراج لأنها لا تعنيه وليست مشروعا له ، كما أنه ليس عضوا في جماعة الإخوان.
2- الشيخ سالم الشيخي: وهو عضو أساسي في مجلس البحوث بدار الإفتاء، وشريك أصيل -باعتبار عضويته- في كل قرارات المجلس وفتاواه وبحوثه، ولا يعقل أن يكون ركنا للمجلس بالأمس ،وشيخا للإخوان اليوم، وفقيها شريكا في صناعة الفتوى بالأمس، و ظالما وداعما وداعيا لسفك الدماء اليوم، كل ذلك لمجرد تدوينة عبر فيها عن خوفه من الفتنة ورغبته في صون الدماء؟
3- وأخيرا؛ شخصي (ونيس المبروك): ومن لديه رجولة وإنصاف فها هي كتاباتي منذ ثلاث سنوات مكتوبة ومؤرخة، فليراجعها من شاء ليعرف مواقفي الوطنية والسياسية، وما تنضح به الصفحة من نصح متأدب وتحذير صادق لجميع الفصائل دون استثناء وعلى رأسهم مشايخنا الكرام، وموقفي من حكومة السراج الواضح كان بعد دخولها أمس لطرابلس وقبول جمهور من المواطنين لها كحل لأزمتهم، واستعداد آخرين للدفاع عنها، فكان واجبا علي أن أحذر من سفك الدماء، والمناداة بالجلوس معها للحوار الداخلي للوصول إلى "مقاربة" قد تحقق أكثر من مجرد التحفظات الخمس.
بالله عليكم ، أين هو دعمنا للظالمين؟ وأين هي دعوتنا لسفك الدماء؟ وأين هو دعمنا لحكومة السراج؟
ألا يتسبب إطلاق الكلام دون قيد، وتعميمه دون تخصيص، في إيغار صدر بعض المستهترين، وتيسير مهمة القتل والإيذاء أمامهم؟
إن تحكيم الشريعة لا يقتصر على أيادي سارقة تقطع، أو أبدان زانية تجلد، إن تحكيم الشريعة قبل كل هذا وذاك، هو التحقق بقيمها العليا من رحمة وعدل وإنصاف وتواضع وتحاكم للعلم ودفع للظنون والترفق بالناس..
إن تحكيم الشريعة ليس في التنازع حول نصوص يكتبها البشر، ويحكمون صياغتها ثم يرمون بها خلف ظهورهم ، فها هو القرآن الكريم كلام الله ودستور المسلمين، يوجد في كل بيت، فهل كان نصه ومرجعيته العليا حاسمة لأهواء البشر ونزاعهم.
ومن هنا كانت دعوتي لجلوس كل الأطراف للحوار الأخوي، والرفق في المطالب، فإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وحل الأزمة الليبية "لن" يكون إلا سياسيا وإن طال الطريق بعد سيل من الدماء.
أخيرا
أتذكر ما قاله الشافعي، رضي الله عنه، ردا على بعض أدعياء الثقافة في زمانه، واتهامهم له بالتشيع والرفض لمجرد مدحه لآل البيت -وهكذا العناكب والخفافيش تجدها ملتصقة بجدران كل عصر ومصر-
قال لهم :
لئــن كـان ذنـبي حــب آل محمدٍ ** فذلك ذنب لســت عنه أتـوب
وأنا أقول :
إن كان ذنبي صونُ دماءٍ بريئةٍ ** فذلك ذنب لست عنه أتوب.
أما بالنسبة للكلمة المطولة لفضيلة الوالد العلامة الصادق الغرياني الذي نحبه تقربا لله، وليس تملقا لمنصب، أو جاه، فقد أفرغت نصها كما هو، وقرأته مرارًا، ولدي بعض الملاحظات الشرعية، لم ينشرح الصدر، وتستبين المصلحة بعد لنشرها.
أما الأدعياء فأكرر لهم عنوان مقالتي: إن كان ولابد ، فليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته!