لنفعل أي معروف نعرفه، فقد يكون من المعروف ما صغر إلا أننا نجهله ولا نوليه اهتماماً، كحديدة في الطريق فنزيلها أو زجاجة مكسورة أو شخص مقطوع عابر طريق نوصله أو إنسان مكروب نفرج عنه، أو آخر محزون يحتاج فقط لابتسامة في وجهه تسعده، فلنفعلها، أو ركعتي الضحى نتكاسل عنها وهي كبيرة عند الله تسهل علينا وتطهرنا وتقربنا إلى الله، ولنتذكر زبيدة زوجة هارون الرشيد حين صنعت مشروعاً لسقي الحجيج في مِنى، فعملت عيناً للماء لكي يشرب الحجيج، وسميت عين زبيدة، فلما ماتت رؤيت في المنام، فقيل لها: ماذا فعل الله بك؟ قالت غفر لي، فقيل لها بالعين التي عملتيها، قالت لا والله إنما بركعتين في جوف الليل، وأحد الدعاة رؤي في المنام، فقيل له ماذا فعل الله بك؟ قال فوق فوق، قيل له أبدعوتك؟ قال أبداً، إنما بريالات تصدقت بها، فسبحان الله لا نعرف أي حسنة تدخلنا الجنة وما هو العمل الذي سيغفر الله لنا به.
ولنعتبر من حكاية أم محجن تلك المرأة المسكينة التي ليس لها نسبٌ تتفاخر به، لا تملك شيئًا من زخرف الدنيا ومتاعها، ولا جاه ولا ذرية، قد صغُر أمرُها عند الناس، فلم تكن محط أنظارِهم، ولم يكن اسمُها متداولاً بين المشاهير والأكابر، لكن ذكراها ظلت بعد موتها بسبب عمل صغير في أعيُنِ الكثيرين من الناس، حيث كانت تنظف المسجد دون مقابل، لا ترجو جزاء ولا شكورًا. كم هو صغير هذا العمل في نظر البعض، ولكنه عملٌ قد أهمَ هذه المرأة وظلت تداوم عليه حتى فارقت الدنيا في هدوء دون أن يكون لها صيت أو شهرة بين الناس، بادَر بعضُ الصحابة بتَجهِيزها، ثم الصلاة عليها ودفنها ليلاً.
مضَتْ الأيام ولم يراها الرسول صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها، فأخبره الصحابة بوَفاتها، فقال لهم: ((دلوني على قَبرِها؟))، فدلُوه، فوقف على قبرِها، وصلَى عليها، ودعا لها بالمغفرة والرَحمات.
والعبرة هنا أن كل مؤمن يَرجُو رحمةَ ربه، لا يحتقِر من العمل شيئًا، فرُب عملٍ صغير، كان سببًا لرضا الله.
فحدثنا أبو هريرة رضِي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَم أنَه قال: (بينَما رجلٌ يمشِي بطريقٍ وجَد غُصنَ شوكٍ على الطريق فأخَرَه، فشَكَر الله له فغفَر له)؛ متفق عليه.
وحين أتى رجلٌ إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَم وقد امتلأ نشاطًا، وتحرَّكت هِمَته لأبواب الأعمال الصالحة، فسأل النبي صلَى الله عليه وسلَم عن المعروف، فأجابه: (لا تحقِرَنَ من المعروف شيئًا).
فعلينا ألا نحتَقِر أو نستصغر شيئًا من صالح العمل، فكل الأعمال مكتوبة ومحسوبة علينا لقوله تعالى: في سورة الزلزلة: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ).
ومن المعروف الذي ينبَغِي أنْ يُذكر ويُتواصَى به، هو الكلمةُ الطيِّبة، فالكلمة الطيِّبة تفتح لنا مغاليق القلوب وهي بخور الباطن وسهلةُ المَنال، (اتَّقوا النارَ ولو بشِق تمرةٍ، فمَن لم يجد فبكلمةٍ طيِبة).
وبالكلمة الطيِّبة أسلَمَ خالد بن الوليد برسالة غير مباشرة أرسلها له النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: إن خالد رجلٌ عاقل كيف ضل به عقله عن الإسلام؟
فكم تمر بنا في حياتنا، وفي أثناء عملنا وفي سيرنا في الطرقات من أعمالٍ صالحات، ميسورات قريبات، فنمر بها ونحن عنها غافلون!
أخيراً لنجعل شعارنا في صباحنا ومسائنا (لا تحقرنَ من المعروف شيئًا).